الطاهر بن جلّون: الإسلام يجب أن يُقرأ بطريقة رمزية لا حرفية
باريس – رلى معوض
اللقاء مع الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون في منزله الباريسي المطل على جامعة “البوليتكنيك” الفرنسية. لوحات ملأت طاولات مكتبه والجدران وهي مجموعة رسوم له سيشارك بها قريباً في معرض باريسي. في ما يلي اجاباته عن اسئلة “النهار”.
¶ ما هي الأسباب التي تدفع بالمجموعات المتطرفة الى النمو ومن ثم الى هذا المستوى من التوحش؟
– للتطرف مجموعة من العوامل والأسباب التي تحصل مجتمعة. اذا ذهبنا ابعد من الاسباب المباشرة فالمتطرفون فرنسيون وأوروبيون ولكن هذا الجيل الثاني ولد في ظروف صعبة مترافقة مع الفشل المدرسي والتربوي والعائلي او ضعفه او غيابه، وكذلك المحيط من حيث السكن والجيرة، وان كان السكن ليس في”غيتوات” الا انه في أماكن لا تساعد على انفتاح الأولاد مع ما يرافق ذلك من فراغ ثقافي وروحي وفراغ الهوية. الى جانب هذا نضيف الطريقة التي ينظر بها الآخرون اليهم، انها نظرة تملأها الأفكار المسبقة والعنصرية وهي يومية ومستمرة، كما نشعر بتعسف الشرطة. ٨٠ في المئة من السجناء هم من المغرب العربي وافارقة وليس بسبب عمل إجرامي كبير بل اعمال بسيطة وهم يصيرون في السجن متطرفين مهمتهم المقاومة او الجهاد. هناك يقدمون لهم قضية تشعرهم بوجودهم. يقال ان هناك نحو ١٥٠٠ شاب وشابة من الفرنسيين يحاربون في سوريا. والسبب الأساسي هو العلاقة المعقدة والسيئة بين فرنسا وأبنائها الذين لم تعترف بهم كفرنسيين مئة في المئة. وهذا مشكلة مطروحة منذ اكثر من ثلاثين سنة (في العام ٨٢ مشينا طلبا للاحترام والاعتراف بنا واستقبلنا الرئيس ميتران واعتقدنا ان فرنسا ستقوم بشيء لهؤلاء الشباب ولكن ما قامت به كان فقط القليل).
¶ مسؤولية الغرب أهي في عدم قدرته على فهم الاسلام ام في رغبته في التمسك بشبكة من المصالح واستتباع العالمين العربي والاسلامي؟
– المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكام العرب الذين يتاجرون بأرواحنا دون استشارتنا، الغرب هو ما هو، وينحاز الى شعبه بالدرجة الاولى. من غير الممكن الطلب ممن يحمي مصالحه ان يحبك ويفضلك. علينا نحن العرب ان ندافع عن مصالحنا ونحترم شعوبنا. مصيبة العالم العربي الاساسية هي النفط والغاز وهذا الغنى الكئيب خلق مشاكل اكثر، ومن الصعب ازالتها.
¶ ما هي رسالة المجموعات المسلحة من خلال هذه الاساليب في القتل والتدمير؟
– رسالتها واضحة: “باستطاعتنا ان نتسابق في الخشونة واللامعقول”. ولكن هذا يؤذينا بشكل كبير. وضعوا خمسة عشر قرنا على الهامش وهم يتصرفون كما لو كنا نعيش اليوم ظهور الاسلام حين كان النبي يدافع عن نفسه ومبادئه بالجهاد. قراءة التاريخ هذه تلغي تطور خمسة عشر قرناً. والاسوأ استعمالهم التكنولوجيا الحديثة وبمستوى عال. يتصرفون كبرابرة يجهلون التاريخ. وهدفهم الأساسي تلطيخ الاسلام ومبادئه في العالم.
¶ ما هي مسؤولية الدين الاسلامي نفسه عن هذا الغلو؟
– الدين الاسلامي كما الأديان الاخرى يلعب دوره في المجتمع ويجب احترامه ووضعه باطاره الصحيح في ضمير الأفراد وألا يخرج الى الميدان السياسي حتى يصير أيديولوجيا سياسية تتناقض مع مبادئه الاساسية. لكن الخميني في العصر الحديث هو الذي سيًّس الدين الاسلامي (الاسلام سياسي او لا يكون) وجعل منه سلاحا لتولي السلطة.
والمدارس الوهابية او التي تعلم الوهابية ليست مدارس في التسامح والفكر المنفتح وذلك ناتج عن قراءتهم الحرفية للاسلام، مع ان الاسلام يجب ان يُقرأ بطريقة رمزية منفتحة كما حدث مع المعتزلة الذين خاصموا الحرفيين في مطلع الاسلام. هذه الرؤية للإسلام تناقض مبادىء حرية الانسان وحرية الضمير ومسؤولية الانسان عن أعماله ومواقفه.
¶ هل فعلا ان العقل الغربي مرتاح ضمناً لهذا الانحراف الخطير والتشدد المرضي لأنه يقدم الوجه السلبي للاسلام، ويؤدي الى تحطيم دول العالم العربي وانظمتها واغراقها في بحور من الفوضى؟
– الغرب ربما شارك في تمويل الإرهاب او مساعدة الإرهابيين، ولكني أعود الى مسؤوليتنا اكثر من مسؤولية الآخرين. اليوم الغرب مرتعب من التطرف الإجرامي لدى البعض، لأنه لم يعد بامكانه التحكم فيه.
¶ ما هو المطلوب للوقوف في وجه هذا التوحش المرضي؟ وما هو مطلوب من المراجع الاسلامية العريقة وما هي مسؤولية النخب المثقفقة؟
– الاسلام لا علاقة له بالإرهاب، والمطلوب من الأزهر والعلماء والفاعلين في الجوامع حملة على مستوى العالم الاسلامي لرفض هذه الاعمال واستنكارها والنهي عنها كي لا يستعمل الاسلام لأغراض تشوهه، وللمثقف الدور نفسه، فمهمته توضيح ما حدث ليفهم الناس ان الاسلام ليس هكذا. وهذا ما فهمه الأذكياء.
¶ ثمة باحثون يرون ان حالة من النكوص والتراجع انتابت الاسلام منذ نصف قرن.
– ما أدى الى ذلك هو الأوضاع السياسية المتخلفة في العالم العربي والمتناقضة مع الفكر الديموقراطي واحترام حرية الفرد وكذلك غي اب دولة القانون وهي المسؤولة عن هذه الفضيحة وعن الظلم الذين نعيشه في العالم العربي.
¶ يحمل البعض الغرب مسؤولية غير مباشرة عن هذا التوحش الفالت من عقاله من خلال الآتي: مرحلة الاستعمار في العالمين العربي والاسلامي، وزرع اسرائيل في قلب العالم العربي وحمايتها، وازدراء الدين الاسلامي، وفرض انظمة ديكتاتورية متخلفة على الدول الاساسية في العالم العربي ما فتح الابواب أمام التشدد والتزمت كرد فعل.
– اسرائيل وحدها الخصم الأشد ضراوة وذكاء. وهي لا تحترم اي قرار من قرارات الامم المتحدة وترتكب كل المجازر دون عقاب. وعندما ننتقد سياسة اسرائيل او الصهاينة يتهموننا بمعاداة السامية. لقد جعلوا نقد الصهيونية بمستوى العداء للسامية وهذا ما قاله بوضوح رئيس الوزراء إيمانويل فالس “ان انتقاد الصهاينة هو عداء للسامية”، وهذا ارهاب نفسي.
¶ هل صحيح ان الصراع الدائر حاليا قد اقفل الابواب امام كل الدعوات التي اطلقت للحوار وانه في المقابل اعيد الاعتبار لمقولة: الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا؟
– اعتقد ان الحوار الأصلي هو التمازج الثقافي والإنساني، فكما يحمي الزواج المختلط من العنصرية وكذلك يمكن اعتبار التبادل والترجمة والكتب عنصراً اساسياً لتقريب الشعوب.
النهار