الطبخ الإسلامي – “الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب، كتاب طبخ سوري من القرن الثالث عشر الميلادي
صدرت ترجمة إنكليزية لكتاب طبخ سوري من العصور الوسطى، هو كتاب “الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب”، تحت العنوان الإنكليزي “النكهات والطيب – كتاب الطبخ السوري”. وهذا الكتاب لديه ما يقدِّمه حتى لهواة الطبخ المعاصرين، ذوي الخبرة القليلة في الطبخ. يشار إلى أن فيه وصفات تحضير حلوى سورية شهيرة، مثل: “لقمة القاضي” وَ “كُلْ واشْكُرْ”. مارسيا لينكس كويلي تستعرض هذا الكتاب لموقع قنطرة.
يكتب تشارلز بيري في مقدِّمته لهذا الكتاب، الذي يضم مجموعة من وصفات للطبخ تعود للقرن الثالث عشر، أنَّ نوع كتاب الطبخ هذا قد ظهر في تاريخ الأدب متأخرًا جدًا. صحيح أنَّ علماء الآثار عثروا على ثلاثة ألواح طينية بابلية -كان الغرض منها يشبه كتب الطبخ الموجودة لدينا اليوم- بالإضافة إلى عثورهم على كتاب طبخ روماني وحيد تم إعداده في القرن الثاني، ولكن بعد ذلك لم تظهر -مثلما يثبت تشارلز بيري- “كتب طبخ أخرى طيلة ثمانمائة عام”.
“وبعد ذلك حدث فجأة انفجارٌ في كتب الطبخ العربية”، مثلما يكتب تشارلز بيري: “بقدر ما نعلم فقد كان الناطقون باللغة العربية هم الوحيدين في العالم الذين صنَّفوا كتبًا للطبخ في الفترة بين القرنين العاشر والثالث عشر”.
العصر الذهبي لكتب الطبخ العربية
قام مؤرِّخ الطهي والتغذية والطبَّاخ الماهر تشارلز بيري بتحقيق هذا الكتاب، الذي كان الأكثر انتشارًا من هذا النوع في عصره، وترجمه تحت عنوان النكهات والطيب (Scents and Flavors) إلى اللغة الإنكليزية. لقد تم جمع الوصفات الموجودة في هذا الكتاب في سوريا، في عصر يسميه تشارلز بيري بالعصر الذهبي لكتب الطبخ العربية.
وبعد أكثر من سبعة قرون صدرت هذه الوصفات الآن في كتاب ثنائي اللغة نشره مشروع “المكتبة العربية”، بصيغة نصِّه العربية وترجمتها الإنكليزية على الصفحة المقابلة.
إذا نظرنا إلى كتاب “الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب” من حيث المظهر فسنلاحظ أنَّه لا يشبه كثيرًا كتب الطبخ المعاصرة: حيث لا توجد فيه أية صور لامعة أو تعليمات حول درجات حرارة الفرن، وفي الغالب لا يتم فيه تحديد الكميَّات والمقادير. كما أنَّ كميَّات السوائل غير محدَّدة بأكواب مثلما هي الحال عادةً في كتب الطبخ الإنكليزية، بل تم تحديدها بأوزان. فمثلاً يجب سكب “سُدُس كيلوغرام من الماء” عند تحضير “لقمة القاضي”، وهي حلوى لذيذة تثير الشهية واللعاب، ومقلية بزيت السمسم ومغمورة بالقطر والتوابل، ومن الأرجح أنَّها تنال إعجاب كلّ قاضٍ.
“الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب” – كتاب طبخ سوري من القرن الثالث عشر الميلادي كتاب قديم للطبخ العربي ترجمه من العربية إلى الإنكليزية المؤرِّخ الأمريكي تشارلز بيري.(published by NYU Press)
كتاب قديم للطبخ العربي ترجمه من العربية إلى الإنكليزية المؤرِّخ الأمريكي تشارلز بيري المتخصص في تاريخ الطهي والتغذية. وقام تشارلز بيري بترجمة العديد من كتب الطبخ في العصور الوسطى من اللغة العربية إلى الإنكليزية ونشر العديد من المنشورات حول تاريخ الطعام، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك ترجمته لـ”كتاب فنِّ الطبخ البغدادي – كتاب الأطباق”.
نكهات لذيذة وروائح طيِّبة
وتضم مجموعة الوصفات أيضًا العديد من العناصر، التي لا يبدو مكانها الصحيح في نظر القارئ المعاصر في كتاب للطبخ. ولكن إدراج وصفات العطور والبخور والمواد المزيلة للروائح الكريهة ومستحضرات التجميل ومساحيق الغسيل قد ساهم في ذلك الوقت -مثلما يقول تشارلز بيري- في أن يحظى كتاب الطبخ هذا بإعجاب كبير. وما من شكٍّ في أنَّه قد تحوَّل في عصره إلى ما يشبه الكتاب الأكثر رواجًا، فقد “وصلتنا منه نسخٌ أكثر بكثير من جميع كتب طبخ العصور الوسطى الأخرى التي وصلتنا”.
وحتى الأطباق المعروضة في الكتاب تفوح بروائح قوية عطرة، ليس فقط برائحة “الأعشاب والمكسَّرات والتوابل”، مثلما يكتب تشارلز بيري: “بل وحتى في بعض الأحيان برائحة مكوِّنات قد نعتبرها عطورًا، مثل ماء الورد والمسك أو العنبر، وأحيانا حتى برائحة البخور”. والوصفات من هذا النوع، مثلما يلاحظ تشارلز بيري، من الممكن أيضًا العثور عليها في المطبخ السوري المعاصر. ويشير تشارلز بيري إلى طبق يتم تنسيمه بنكهة دخان بخور خشب الصندل.
هناك بعض المكوِّنات من الصعب الحصول عليها بالنسبة للطهاة المعاصرين – مثل العنبر. وهذه المادة يتم إنتاجها في الجهاز الهضمي لحوت العنبر، ولم يعد من المسموح تسويقها في الولايات المتَّحدة الأمريكية وأستراليا. أمَّا في الاتِّحاد الأوروبي لا يزال العنبر متوفِّرًا، ولكن بأثمنة باهظة من أجل كميَّات صغيرة.
ومع ذلك هناك الكثير من الوصفات القابلة للتنفيذ مثلما هي موصوفه في هذا الكتاب وحتى بالنسبة للطهاة المعاصرين غير الماهرين نسبيًا.
وبالنسبة للأشخاص الذين يحتاجون من بيننا إلى بعض الدعم قام تشارلز بيري بتصوير بعض أشرطة الفيديو التعليمية. وفي أحد التسجيلات يقترح العودة إلى حلوى “كُل واشْكر”، وهي شكل قديم من حلوى البقلاوة. ويقول إنَّ “تحضيرها ليس فقط أسهل بكثير من الأصناف المحضَّرة بعجين الفيلو، بل ولديها أيضًا بنية فريدة وجذَّابة، وهي في الوقت نفسه مُقرمشة وهشة قليلاً”.
إنَّ معظم الحلويَّات في كتاب وصف النكهات والطيب مناسبة جدًا للمناسبات الخاصة. ومن بين هذه الحلويات حلوى اسمها “أخميمية” لديها القدرة على منافسة حلوى عيد الميلاد الألمانية “كريست شتولـِّن” أو غيرها من الكعكات المحشوة بالفواكه المجفَّفة والزبيب. يخبرنا المؤلف المجهول لكتاب الطبخ هذا أنَّ هذه الحلوى اللذيذة “يمكن حفظها لعام كامل من دون أن تفسد. وكلما تم حفظها لفترة أطول أصبح مذاقها أفضل”.
مَنْ هو مؤلِّف هذا الكتاب؟
المؤرخون متأكِّدون تمامًا من أنَّ كتاب “الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب” قد تم جمعه في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي في سوريا. وبما أنَّ مجموعة وصفات الطبخ هذه قد تم نسخها يدويًا وتناقلها بهذه الطريقة من جيل إلى آخر، يوجد منها لذلك عدد من النسخ المختلفة. وقد نشأ عن ذلك ظهور تقليدين من النصّ، يطلق على كلّ منهما اسم “المخطوطة أ” و”المخطوطة ب”. ومن الجدير بالذكر أنَّ نُسَّاخ هذا الكتاب، مثلما يتوقَّع تشارلز بيري، لم ينسخوه من مخطوطة كانت موضوعة أمام أعينهم، بل كانت تتم قراءة الوصفات لهم.
وفي معظم النسخ الباقية توجد -مثلما يكتب تشارلز بيري- إشارات تشير إلى أنَّ هذه النُّسَخ قد سبقتها عدة أجيال أخرى من النسخ السابقة. ومن هذه الأدلة وغيرها من الأدلة الأخرى يفترض تشارلز بيري أنَّ “كتب الطبخ كانت جزءًا من العمل اليومي للنُسَّاخ الحرفيين” في ذلك العصر.
وخاصة لأنَّ العديد من مثل هذه المخطوطات قد تم حفظها، فمن الصعب الإجابة على السؤال عن الشخص الذي كتب كتاب الطبخ هذا الأكثر رواجًا. يُذكر في إحدى المخطوطات أنَّ اسم مؤلفه هو ابن العديم، وهو مؤرِّخ معروف في حلب.
وهناك مخطوطة أخرى بقيت محفوظة في الموصل، تنسب هذا النصّ إلى شخص اسمه الجزَّار. كذلك يوجد مُلخَّص من فترة متأخرة عن وصفات الطبخ هذه يذكر كمؤلف لهذا الكتاب “صاحب حماة المشهور”، كما تنسبه مخطوطة أخرى إلى سلطان مملوكي. وبحسب تشارلز بيري فمن غير المحتمل إن لم يكن حتى “من المستحيل تمامًا أن يقوم سلطان بإعداد مجموعة وصفات للطبخ”. وفي معظم المخطوطات، مثلما يكتب تشارلز بيري، لا يتم ذكر اسم أي مؤلف قطّ.
مسابقات الطبخ بين أعزِّ أصحاب الحاكم
وبصرف النظر عن السؤال حول المؤلف فمن الواضح أنَّ الطبخ للذوَّاقين لم يكن في القرن الثالث عشر عملاً يقوم به العمَّال ذَوُو المستوى الاجتماعي المنخفض أو النساء ربَّات البيوت العاديات. ويرى تشارلز بيري أنَّه من المحتمل أنَّ فكرة جمع وصفات الطبخ قد تم تبنيها من القصور الفارسية قبل الإسلام. فقد تمت استعارة عادات أخرى من هناك “مثل مسابقات الطبخ بين أعزِّ أصحاب الحاكم”.
وما من شكِّ في أنَّ مؤلف مجموعة الوصفات هذه كان على دراية بمطبخ النبلاء والقضاء وسلالة الحكَّام الأيوبيين. ومع ذلك فقد كان هذا الكتاب مخصصًا للاستخدام المنزلي العملي، أمَّا النُسَخ فقد كان يتم إعدادها -مثلما يخبرنا تشارلز بيري- لقاء القليل من المال. وربما كان أبناء الشعب يحبون قراءة هذا الكتاب لأنَّهم كانوا يريدون معرفة ما يأكله “الملوك والخلفاء والحكَّام والقادة”.
وفي الواقع لا شكَّ أيضًا في أنَّ الطهي بحسب هذه الطبعة الجديدة الثنائية اللغة من “كتاب الوصلة إلى الحبيب في وصف النكهات والطيب” يجعلنا اليوم نشعر بالسرور لأنَّنا نستطيع بفضلة أن نطبخ شيئًا كان يستمتع به أيضًا النبلاء في القرن الثالث عشر والنُسَّاخ في القرن الرابع عشر أو التجَّار في القرن الخامس عشر على مأدبة ذات رائحة طيبة.
كذلك توجد في كتاب تشارلز بيري إشارات إلى تاريخ سوريا الحديث. وفي كلمة شكره يذكر كيف كان أحد العلماء في المكتبة الوقفية عام 1980 “يتوهَّج من الفرحة عندما كان يتحدَّث عن كنوز المخطوطات في غرفته الصغيرة، واستطاع أن ينسى لبعض الوقت أنَّ حلب كانت حينها تحت الأحكام العرفية وكانت محاصرة بالدبَّابات”.
نأمل أن يتم إدخال كتاب الطبخ هذا إلى الكثير من المكتبات في جميع أنحاء العالم، لكي يكون متاحًا للكثير من الطهاة والذوَّاقين السوريين بصرف النظر عن مكان تواجدهم.
مارسيا لينكس كويلي
عن الألمانية ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017
ar.Qantara