العرس في الشام والدبكة في حلب
حسين شبكشي
أنجبت الدراما السورية العديد من المخرجين الأفذاذ من أمثال مصطفى العقاد وهيثم حقي ورشا شربتجي ونجدت أنزور وسيف السبيعي وغيرهم ولكن يبقون جميعا متواضعي القدرات ومحدودي الإمكانات وضيقي الأفق مقارنة بالنظام السوري وخياله الإبداعي جدا! فمع وصول الفوج الأول من مراقبي الجامعة العربية لدمشق والذين قدموا لمعاينة فظائع النظام السوري في مدة الأشهر التسعة الماضية والتي حصدت الآلاف من الأرواح وهي حقيقة واقعية أجمع عليها العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية المختلفة بأدلة وشهود وبراهين موثقة، يأتي النظام ليعلن للعالم عن وقوع «تفجيرين انتحاريين» في قلب العاصمة السورية دمشق وينسبهما فورا لتنظيم القاعدة الإرهابي. وذلك بعد مرور ما يقارب الساعة على الحادثين، وهو يذكر العالم تماما بالفيلم الهزلي الذي أخرجه بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وإخراجه لشريط «أبو عدس» الإرهابي الأصولي الذي أعلن تبنيه لعملية اغتيال الحريري ولم يسمع عنه أحد بعد ذلك قط. تنظيم القاعدة قرر أن يستيقظ فجأة ليقوم بالعمل الإرهابي هذا في دمشق وعند وصول وفد الجامعة العربية؟
يا لها من مصادفة ساذجة! واقع الأمر يقول إن إيران وسوريا كانتا تحركان تنظيم القاعدة وتخترقانه في السنوات الأخيرة، سواء كان ذلك في عمليات بالجزيرة العربية أو بالداخل العراقي، وكل له أسبابه الخاصة لذلك. وهذه مسألة باتت معروفة للكل ولم تعد سرا، وإن «القاعدة» باتت مثل صنبور المياه الإرهابي تفتح وتغلق لحساب الآخرين، وذلك بحسب الحاجة والظروف التي تقتضي ذلك.
الواقع السوري هو أبلغ دليل وأهم برهان على أن النظام السوري في حالة هذيان سياسي وفلتان أمني بامتياز. فحتى المدينتين الكبيرتين اللتين كان النظام دوما يدعي بفخر أن الوضع فيهما مستتب خرجتا بقوة وانضمتا للثورة.. فحلب ودمشق تنتفضان منذ أيام بشكل حاد ومتواصل، والقتلى والأسرى فيهما بالعشرات وهو ما أصاب النظام بالهستيريا ليواصل قتله لشعبه. ولكن في الأيام الماضية كانت الأرقام مفزعة من كثرتها لتبلغ في ثلاثة أيام متتالية 350 ضحية. ولم يكتف النظام بذلك، بل قام – وبشكل ممنهج – بإخلاء سجون حمص وحماه ودير الزور وإدلب من المعتقلين ونقلهم بالحاويات البحرية المغلقة على شاحنات ليلا إلى اللاذقية لتصمتهم بشكل سري وسريع. هذا مع عدم إغفال الزيادة النوعية والجغرافية في كم وأماكن الانشقاق من جيش النظام السوري والذي أصبح مسألة يواجهها النظام بشكل يومي. يضاف إلى ذلك أن هناك أعدادا مهولة «ترفض» الانضمام في خدمة الجيش أساسا، هذا مع عدم إغفال استمرارية العصيان المدني الجماعي في معظم المدن السورية وتواصل الانهيار في الاقتصاد على كافة الأصعدة ووجود محاولة تصفية لكل من ماهر الأسد وآصف شوكت غير معلومة التفاصيل، إلا أن حدوثها كان مؤكدا ولا شك، مع تواتر تفاصيل القصة من أكثر من مصدر مقرب.
التفاصيل «المهمة» التي أوردها التلفزيون السوري لتفجيري دمشق مليئة بالجوانب الهزلية، مثل أن السيارتين كانتا تحملان صور بن لادن فيهما وأن العمليتين نفذتا من قبل «انتحاريين» تم القبض على «أحدهما حيا»! وفي هذا السياق، يبدو واضحا أن تصريح وزير الدفاع اللبناني المحسوب على «حزب الله» حليف النظام السوري الأساسي الذي قال فيه قبل يومين من وقوع الانفجارين إن لبنان لديه معلومات عن تسرب عناصر من تنظيم القاعدة من لبنان إلى دمشق، لم يكن إلا ترتيبا وتحضيرا للحادث نفسه وتبعاته الإعلامية! مع عدم إغفال أيضا تعليق وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي قال في آخر مؤتمراته الصحافية «أي عمل إرهابي مسلح أمام المراقبين لن يكون إجراما منا بل سوف يزيد من مصداقيتنا بوجود عصابات مسلحة».
كل الأصابع وكل الاتهامات وكل الأدلة وكل البراهين وكل الوثائق تشير جميعا باتجاه «إجرامي» واحد؛ صوب النظام في سوريا وها هي كل سوريا تنتفض لأجل حريتها ولأجل الخلاص من مستعبدها. وإذا كان العالم العربي والإسلامي انتفض ذات يوم ضد رسام كاريكاتير دنيء ومرة أخرى ضد قسيس وضيع هدد بحرق القرآن، فها هي دماء الآلاف من إخوانهم تسال يوميا بلا حراك حقيقي وجاد وكاف لنصرتهم. ألم يحن الوقت لذلك
الشرق الأوسط