العقلانية والحرية
صدر حديثاً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “العقلانية والحرية” للمؤلف أمارتيا سن، ترجمة شهرت العالم.
يتألف هذا الكتاب من مقدمة بقلم نادر فرجاني، و22 فصلًا موزعة في ستة أقسام. ويتألف القسم الأول، مقدمات عامة، من فصلين.
يقدّم الفصل الأول، مقدمة: العقلانية والحرية، ملاحظات محفزة وجوهرية عن العقلانية والحرية، من أجل وضع الأوراق التي يتضمنها الكتاب ضمن منظور مترابط، إذ يُعنى كثير منها بسبر أغوار طبيعة المفاهيم البديلة للعقلانية والحرية وسماتها ومضامينها، ويمكن، بطبيعة الحال، أن يتبع استكشاف هاتين الفكرتين المتباينتين مسارين منفصلين، لكنّ مفهومَي العقلانية والحرية ليسَا مستقلين أحدهما عن الآخر.
أما الفصل الثاني، إمكان الاختيار الاجتماعي، فيمثل مناقشة تمهيدية منقّحة تُعنى بمقتضيات الاختيار الاجتماعي العقلاني، ومنها مزاعم الحرية بوصفها محفزًا اجتماعيًا، “كما أنها تجمل باختصار تاريخ نظرية الاختيار الاجتماعي، بدءًا من أصولها الرسمية على أيدي علماء الرياضيات الفرنسيين، مثل كوندورسيه وبوردا، مرورًا بانبعاثها المفعم بالحياة منذ نحو نصف قرن من خلال أعمال كينيث أرو، وانتهاءً بدينامية علم نظرية الاختيار الاجتماعي في العقود الحديثة”.
شكل العقلانية ومضمونها
في القسم الثاني، العقلانية: الشكل والمضمون، خمسة فصول. يناقش الفصل الثالث، الاتساق الداخلي للاختيار، أسباب تجنب فرض بديهيات الاتساق الداخلي للاختيار، وكيفية القيام بذلك، فمتطلبات هذا الاتساق هي الشروط التي تتطلب عقد تناظرات داخلية بعينها بين أجزاء مختلفة من دالّة الاختيار، و”تتعلق الصعوبة التأسيسية لمثل هذه الشروط بحقيقة أن الخيارات ليست بيانات قد يتسق بعضها مع بعض أو لا. ولا يمكن تقويم قوة حجة هذه المقتضيات من دون رؤيتها في سياق بعض التناظرات الخارجية، أي بعض المقتضيات النابعة من خارج دالّة الاختيار نفسها”، كما يقول سِن.
في الفصل الرابع، التعظيم وفِعل الاختيار، يدرس سِن دور فِعل الاختيار في السلوك التعظيمي الذي يجب تمييزه من التعظيم من دون اختيار إرادي، من خلال القائم بالتعظيم كما هي الحال في النماذج القياسية للفيزياء. ويميز المؤلف في الفصل الخامس، الأهداف والالتزام والهوية، بين العناصر المختلفة لخصوصية السلوك، وتحديدًا الرفاه الأناني، وهدف الرفاه الذاتي، واختيار الهدف الذاتي. ويقول المؤلف: “يؤدي كل عنصر من هذه العناصر دورًا مهمًا في النماذج التقليدية للنظرية الاقتصادية، وفي نظرية المباريات القياسية أيضًا. لكن، في حين تدقق الأدبيات على نطاق واسع في الرفاه الأناني وهدف الرفاه الذاتي، لم ينل اختيار الهدف الذاتي إلا اهتمامًا أقل”.
في الفصل السادس، العقلانية واللايقين، يقول سِن إن الاختيار العقلاني هو تناظر الاختيار مع منطق الشخص ونوعية هذا المنطق، “وفي حين يصعب التعامل مع كلا السؤالين، فإنه يتعين مواجهتهما صراحة. إن محاولة تجنب هذه الأسئلة، إما من خلال الفرض من الخارج لأهداف محددة وقواعد موضوعية أو بفرض شروط للاتساق الداخلي، تصل إلى فقدان الأبعاد المهمة لمشكلة عقلانية الاختيار”. أما في الفصل السابع، الاختيار غير الثنائي والتفضيل، فيتناول سِن بإيجاز السمات الخاصة لأنموذج ستيغ كانغر عن “الاختيار المستند إلى التفضيل”. يقول المؤلف: “يشمل الابتعاد ثلاثة عناصر متباينة: استخدام الأقصوية لا الأمثَلة، وقبول اعتماد التفضيل على القائمة، وقبول اعتماد التفضيل على مجموعة مختلفة عن القائمة نفسها”.
عقلانية واختيار وتفضيل
يضم القسم الثالث، العقلانية والاختيار الاجتماعي، أربعة فصول. في الفصل الثامن، العقلانية والاختيار الاجتماعي، يرى سِن أن هناك حيّزًا لإيلاء مزيد من الاهتمام لعقلانية السلوك الفردي، بوصفه مكونًا أساسًا من القرارات الاجتماعية العقلانية. فعلى وجه الخصوص، يتقلص إلى حد كبير الامتداد العملي لنظرية الاختيار الاجتماعي، في شكلها التقليدي، نتيجة ميله إلى تجاهل تكوين القيم من خلال التفاعلات الاجتماعية. وبحسب سِن في الفصل التاسع، التفضيل الفردي كأساس للاختيار الاجتماعي، تستند انتقادات موجهة إلى مقاربة الاختيار الاجتماعي إلى عدم الأخذ في الحسبان هذه السمة المنهجية التي تُعد مركزية لهذا التقليد التحليلي للاختصاص. ويُعد تباين التفسير مصدر قوة، لا قيدًا على مقاربة الاختيار الاجتماعي، ولا يوفر هذا الاعتماد على التفضيلات الفردية حاجزًا للتناول الملائم للعدالة المستندة إلى المساواة، أو الاهتمام بالحقوق والحريات.
في الفصل العاشر، الاختيار الاجتماعي والعدالة، يثير سِن مسألة نمو نظرية الاختيار الاجتماعي المنهجية بمعدلات مذهلة منذ أن بدأها أرو قبل نحو خمسة وثلاثين عامًا، وهو يشير في سياق مختلف إلى أن الطلاب اليوم لم يسمعوا حتى بأي مفهوم اقتصادي يزيد عمره على ثلاثين عامًا، ولا يوجد كثير من طلاب الاقتصاد ممن لم يسمعوا بنظرية الاستحالة، ويكمن السؤال المهم بحسب رأيه في ما يسمعونه عنها، وما يفهمون أنه الدافع لنظرية الاختيار الاجتماعي. أما في الفصل الحادي عشر، المعلومات والثبات في الاختيار المعياري، فيدرس المؤلف الاختيار المعياري من حيث القيود المعلوماتية التي تستلزمها المبادئ المعيارية. ويقول إن قيود الثبات، المتعلقة بمجموعات تساوي المعلومات، تتيح شكلًا عامًا يمكن استخدامه بطرائق مختلفة تبعًا للطبيعة الممارسة وأنواع المبادئ التي يمكن استحضارها، مقدمًا أمثلة مختلفة لنظرية الاختيار المعياري.
الحرية وعواقبها
يتألف القسم الرابع، الحرية والاختيار الاجتماعي، من ثلاثة فصول. يحمل الفصل الثاني عشر عنوان القسم نفسه، ويقول فيه سِن إن هناك تفسيرات عدة متباينة في شأن التفضيل الاجتماعي في نظرية الاختيار الاجتماعي، ومن ثمّ، في شأن الحرية في هذا الإطار. ويضيف قائلًا: “إن صيغة الحرية من حيث امتلاك الفرد سيطرة فعلية، مستقلة عن طبيعة الصيرورة، غير كافية. فما سُمي هنا الحرية غير المباشرة جرى تجاهله منهجيًا من خلال نظرة السيطرة إلى الحرية”.
وفي الفصل الثالث عشر، الحد الأدنى من الحرية، يسترشد سِن صيغة الحرية في نظرية الاختيار الاجتماعي، ويركز على إدخال مقتضيات الحرية على نحوٍ كافٍ لتوضيح ضرورة تجاوز الأسس المستندة إلى المنفعة لاقتصاد الرفاه التقليدي، والتصالح مع صراع المبادئ المتباينة، في ظل نتائج استحالة من النوع الذي يتجلى في ما يسمى “المفارقة الليبرالية”.
في الفصل الرابع عشر، الحقوق: الصوغ والعواقب، يرى المؤلف أن المشكلة الليبرالية تنبع من تناول حق الفرد في الاختيار من بين بدائل، “باعتباره الحق في تحديد الترتيب النسبي لهذه البدائل في ترتيب اجتماعي. تتمثل الرؤية الأكثر ملاءمة للحقوق الفردية في ما يأتي: الحقوق الفردية ممكنة بشكل مشترك؛ يجوز لكل شخص ممارسة حقوقه بحسب اختياره. وتحدد ممارسة هذه الحقوق بعض سمات العالم. ويمكن إجراء الاختيار عبر آلية اختيار اجتماعي تستند إلى ترتيب اجتماعي، إذا ما بقيت أي اختيارات!”.
المنظور والسياسة
يضم القسم الخامس، المنظور والسياسة، خمسة فصول. يصل سِن في الفصل الخامس عشر، الموضوعية الموضعية، إلى النتيجة الآتية: “تأخذ النظرة الموضعية في حسبانها اعتماد المشاهدات والمعتقدات والقرارات البارومترية على السمات الموضعية للشخص المعني. وتقود إلى نظرة للموضوعية تتناقض مع الصيغة الأكثر تقليدية للثبات الضروري للموضوعية. وتتضمن المقاربة المطروحة ثباتًا شخصيًا من دون تغطية مقتضى الثبات الموضعي في الوقت نفسه. باستخدام هذه المقاربة، يمكن إعادة تفسير مقتضيات موضوعية المعتقدات، ومنها فكرة الأوهام الموضوعية التي تثبت أنها مفيدة في البحث في كثير من الظواهر الاجتماعية. كما تقود إلى نقد مختلف للنسبية الثقافية، وهو نقد لا يتطابق والانتقادات التي تذم باعتبارها إمبريالية ثقافيًا”. وفي الفصل السادس عشر، عن النظرة الداروينية للتقدم، يورد سِن ارتباط تحليل داروين للتقدم التطوري بمحاولته شرح عملية التطور من خلال الانتقاء الطبيعي، وتقويم دورها في نشأة الأنواع، ومنها الحيوانات العليا. وبحسبه، “خدم تحليل داروين للتطور هذا الغرض التفسيري بشكل جيد، على الرغم من أن فكرة الصلاحية التي تشكل أساس البقاء للأصلح قد تتطلب، كما حاولت التوضيح، مزيدًا من التمحيص”.
في الفصل السابع عشر، الأسواق والحريات، حاول سِن إعادة صوغ مشكلة تقويم آلية السوق التنافسية من حيث إنجازاتها في تعزيز الحريات الفردية، في مقابل الإطار التقليدي للتقويم الرفاهوي، كما ميّز بين الجوانب المختلفة للحريات، ووجه اهتمامه الخاص إلى الثنائية القائمة بين جانب السيرورة وجانب الفرصة. ويؤكد المؤلف في الفصل الثامن عشر، التقويم البيئي والاختيار الاجتماعي، أنه يمكن النظر إلى الأفراد بصفتهم فاعلين في السوق ومواطنين في المجتمع، “ويتسم الوصفان بالوضوح ويكشفان عن أمور مهمة عن الأشخاص. لكنهما لا يكشفان عن الأمور نفسها. أما في سياق التقويم البيئي، فتُعد مجموعتا المعلومات ذات صلة. يوفر منظور الاختيار الاجتماعي إطارًا لرؤية الناس مواطنين مسؤولين، ويركز على سمات حاسمة بعينها في هذه العملية، ولا سيما الحالات الاجتماعية الموصوفة بثراء كافٍ، والتقويمات الفردية للبدائل ذات الصلة، والقواعد والمبادئ المتعلقة بالتقويمات الفردية للاختيار الاجتماعي”.
أما في الفصل التاسع عشر، نظام تحليل التكلفة والمنفعة، فيستنتج سِن أن تحليل التكلفة والمنفعة، وهو نظام شديد العمومية، بعض المقتضيات الأساسية – مُقدّمة هنا في شكل مبادئ تأسيسية – التي تؤسس مقاربة، لكنها لا تؤسس وسيلة محددة. ويمكن مقاومة هذه المقتضيات الأولية ممّن يودّون اتباع مقاربة عامة مختلفة تشمل، التقويم الضمني أو استخدام المبادئ الأخلاقية المحضة.
فرصة الحرية وسيرورتها
في القسم السادس والأخير، الحرية والاختيار الاجتماعي: محاضرات، ثلاثة فصول. في الفصل العشرين، الفرص والحريات، يرى المؤلف أن للحرية جانبين متباينين في الأقل، جانب الفرصة وجانب السيرورة. ويقول في هذا السياق: “وجهنا بعض الاهتمام أيضًا إلى الروابط المتداخلة بين هذين الجانبين، والحاجة إلى إدخال اعتبارات السيرورة للتوصل إلى فهم أكثر اكتمالًا للفرصة. توضح أيضًا هذه الروابط المتداخلة لماذا من غير الملائم أن نحدد الفرصة مع أفضل اختيار يمكن أن يقوم به الشخص. ولا يرجع ذلك إلى اللايقين تجاه ميولات المرء في المستقبل فحسب، على الرغم من أهمية هذه المسألة في حد ذاتها”.
في الفصل الحادي والعشرين، السيرورات والحرية والحقوق، يرسم سِن لنفسه الهدف الآتي: “استكشاف فكرة الحرية بوصفها مفهومًا تعدديًا لا مفر منه”. ويقول: “لكل من جانب الفرصة وجانب السيرورة أهمية خاصة به. ويجب النظر إليهما بوصفهما مفهومين منفصلين، لكنهما يتسمان بتداخل الارتباط. حاولت دراسة كل منهما، وإمعان النظر في جدواه وآثاره المترتبة”.
في الفصل الثاني والعشرين والأخير، الحرية وتقويم الفرصة، يُعنى المؤلف باستكشاف جانب الفرصة، مع الأخذ في الحسبان تلك السمات من السيرورات التي تُعد ذات صلة ماديًا بتقويم الفرص، وهو أمر يؤدي إلى إدخال تقويم فِعل الاختيار وما كان يسمى “تقدير الخيار” الذي يتسم بالسيرورة، ويتسم بالأهمية أيضًا لفهم الفرص المتوافرة عند شخص ما.
ضفة ثالثة