العين التركية الحمراء
مصطفى اسماعيل
يعرف عن تركيا أنها نكلت طيلة عقود بالشعب الكردي في كردستان الشمالية, وارتكبت بحق الشعب الكردي العشرات من المجازر, ناهيك عن تسوية القرى الكردية بالأرض وتهجير الملايين الكرد من أرض الآباء والأجداد, في سياسة محاولة إطفاء النزوع القومي الكردي, وقد بدأت تلكم السياسة القمعية العنفية مع ثورة الشيخ سعيد 1925 واشتدت مع إجراءات عصمت إينونو التي ضمنها تقريره المعد عام 1935 والمعروف باسم : التقرير الكردي السري.
لكن الرفض التركي للوجود الكردي لا يقتصر على كردستان الشمالية, بل يمتد إلى محاربة هذا الوجود وتمثلاته أينما كانت, فتركيا مسكونة منذ تأسيسها بفوبيا كردية لا تستطيع الشفاء منها.
بعد فترة وجيزة من بدء الثورة السورية حاولت حكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان استقطاب المعارضين السوريين واستمالتهم, في خطوة يفهم منها حرص الحكومة التركية على امتداد مصالحها الاستراتيجية حتى بعد سقوط نظام الطاغية الأسد الحليف والمرتبط معها بنحو أربعين اتفاقية بينها اتفاقية أمنية لم يرشح عن متنها المزيد, وذلك بعد أن اقتنعت الحكومة التركية بأن النظام السوري تخلى عن ملكة السمع والإنصات إلى النصح.
وجدت الحكومة التركية ضالتها في المجلس الوطني السوري الذي بدا في أكثر من مناسبة أو حدث داخلي تركي ملكياً أكثر من الملك, وصولاً إلى خضوعه للاملاءات التركية فيما يتعلق برفض الحقوق الكردية في سوريا المستقبل, وحين انسحب المجلس الوطني الكردي من مؤتمر المعارضة الموسع الذي انعقد في أواخر مارس / آذار من العام الجاري, طلبت الخارجية التركية لقاء أعضاء وفد المجلس الوطني الكردي المنسحبين, وأفهموهم بعدم تقبل تركيا لموضوعة الحق الكردي في سوريا خارج الوارد في وثيقة العهد الوطني لسوريا الجديدة.
يحدث منذ أيام أن مناطق في كردستان سوريا تخرج تباعاً من تحت قبعة السلطة السورية, وهذه المناطق التي تعرفت للمرة الأولى في تاريخها على الفراغ الأمني والسلطوي والإداري شهدت تحركا لافتاً من اللجان الشعبية التابعة لمجلس شعب غرب كردستان التي وضعت اليد على غالبية المقار, ثم أشرك معه بعض أحزاب المجلس الوطني الكردي الذي يفتقر إلى الإمكانات المادية والبشرية والعسكرية كالتي يمتلكها المجلس الأول.
الجارة الشمالية التي تراقب التطورات الميدانية اليومية لدى جارها الجنوبي / حليفها السابق توجست خيفة من الاستيلاء السريع للقوات الكردية على دور ومقار الحكومة خلال 48 ساعة في كوباني وعفرين وديريك وعامودا, وقيام الكرد برفع ألوانهم القومية والحزبية فوقها, فوصول الكرد إلى النتف اليسير من حقوقهم القومية في البلدان التي تقاسمت جغرافيتهم كردستان في أعقاب سايكس – بيكو هو مجلبة للسكتة الدماغية في أنقره.
لم تنتظر أنقره طويلاً, إذ بدأت بلغة التهديد والوعيد على لسان رئيس وزرائها أردوغان, وكان وزير خارجيته داوود أوغلو أكثر وضوحا لجهة الخوف من قيام كردستان ثانية في الجوار التركي.
لا يمكن لتركيا التدخل العسكري من طرف واحد في مناطق كردستان سوريا, إلا بموجب ضوء أخضر غربي, وهو ما لن يحدث, أقله الآن, فالتدخل العسكري الخارجي في سوريا ليس مطروحا على أجندات أي طرف دولي, ولعلنا نلق تعليل ذلك في التراجع التركي عن التهديدات بالاجتياح لصالح البحث عن حل سياسي مع إقليم كردستان العراق للقضية الكردية في سوريا, ونحن نعلم أن هنالك تنسيقاً كاملاً بين الطرفين فيما يتعلق بالوضع السوري العام وبداخله الوضع الكردي.
بالمقابل يتوجب على الأطراف الكردية تفويت الفرصة على ساسة وجنرالات أنقره, وتجريدهم من الحجج والذرائع, عير واقعية سياسية مطمئنة لكل الأطراف, والابتعاد قدر الإمكان عن المظاهر الاستفزازية, فما يهم في المحصلة هو تقدم القضية الكردية وتحقيق المكاسب على الأرض ثم على الطاولات, لا الاستعاضة عنها بالعراضات الحزبية.
المرحلة دقيقة وحساسة, والشعب الكردي اليوم أشبه بلاعب يمشي على حبل السيرك.