الغرب يمنح الأسد فرصة للحياة.. والعرب يمنحون السوريون فرصة للموت
مروان العياصرة
على مدار تاريخ أنظمتنا المعاصرة وهي تلوك شعاراتها قولاً بأنها ملتزمة بقضايانا العربية.. وحين بدأت الثورات كان المحك الاكثر أهمية في البرهنة على صدق هذه الانظمة في شعاراتها، ونحن نعلم سابقا أنها بلا دليل.. وإذا كان الدليل يغيب هنا فإنما ليحضر هناك.. حيث الأنظمة ملتزمة بقضايا الأنظمة، ورأينا كيف حاولوا إمهال كل المخلوعين من زين العابدين اللعين، وحسني مبارك المتهالك والقذافي الهالك.. وعلى عبد الله صالح والآن بشار الأسد.. وهذا الأخير يمنح الآن فرصة أكبر من الجميع، والعالم ينتظر ما ستؤول إليه أحوال سورية.. الرهان عالميا على أن يصمد الأسد، والرهان شعبياً على أن يصمد الشعب السوري في وجه الموت والدمار وآلة التعذيب العمياء..
كلا الرهانين متشابهان من جهة ما، ومختلفان من ذات الجهة أيضا، حيث أن المجتمع الدولي عمليا لا يقدم الدعم للنظام السوري، وعمليا لا تقدم الشعوب العربية دعما للشعب السوري، لكن مجرد إنتظار النظام السوري بكل آلته العسكرية وجبروت طائفيته ليكمل مسلسل القتل وحصد الأرواح وكبح جماح الثورة يعني في النهاية دعما كبيراً للأسد ومنحه فرصة الانتصار، بينما الشعوب العربية التي تقتطع جزءاً من وقت سهراتها للحزن على سورية، وجزءاً من صلواتها للدعاء، تمنح الشعب السوري فرصة للموت.
الرهان الدولي على صمود الأسد، والرهان الشعبي العربي على صمود السوريين، الأول مدفوع بصبر المجتمع الدولي ودعمه بالفرص المتكررة للنظام الفاشستي الأسدي، والثاني ليس مدفوعا إلا بإرادة السوريين وقدرتهم على الحياة والموت معاً، أما المجتمع العربي الرسمي والشعبي فربما كلاهما واحد، لأن القاسم المشترك بينهما هو الكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر، وقد جربناه كثيرا، الشجب الرسمي هو الشجب، والحزن الشعبي في محصلته لا يشبه إلا الحزن الأخرق، لأجل هذا يجب أن ينتصر السوريون، وليكن صمودهم درسا قاسيا لكل الذين انتظروها أن تموت.
المجتمع الدولي بقيادة أوباما يناقش أو سيناقش الخيار العسكري ضد سورية،وليس هذا تعزيزا لهذا الحل، إنما نقول هذا لنذكر أنه استغرق مثل هذا التصريح أكثر من عشرة آلاف شهيد سوري، وعشرات الآلاف من المعذبين والمسجونين، وسيستغرق تنفيذه مزيدا من الشهداء أيضا.. وأي خيار آخر أو حل مقترح سيستغرف تنفيذه أيضا مزيدا من الشهداء، لهذه الدرجة يستحق بشار الأسد ان يضحى في سبيله، ولأجل هذا يستحق الشعب السوري أن يموت.
الذي لا يدعو للأسف وحده بل للقرف أيضا أن هذه الأنظمة العربية لها تكاليف باهظة ثلاثية الأبعاد، فثمة تكاليف كبيرة يدفعها الشعب حين يأتي هذا النظام أو ذاك، وتكاليف باهظة أكثر في عصر النظام ومدة حكمه وتسلطه واستبداديته، وتكاليف باهظة أيضا في حال الخلاص منه.. وفوق هذا حين يأتي هذا النظام أو ذاك أو حين نريد الخلاص منه علينا أيضاً أن نلجأ للأجنبي وأن نحتمل نزقه الكريه، وأن ندفع فاتورة تدخله المحفوف بالمخاطر والقلق.. أليس هذا السبب كفيلا بأن يخلع العرب بيعاتهم من مثل هذه الأنظمة الطاغية كما يخلعون أحذيتهم.. ؟.. أعني أيضا أن نخلع نحن العرب لباس الوقار المزيف مع أنظمتنا التي بقيت تنظر لما حدث ويحدث في غزة وفي كل فلسطين على مدار أكثر من نصف قرن بنصف عين، وتداري فرحها بما يحدث بحزن مزيف وعبارات شجب واستنكار لا يراد منها إلا المخادعة والتعمية، وهي ذاتها الأنظمة التي تنظر لما يحدث في سورية من منظار مقلوب..
سورية اليوم، والشعب السوري الشهيد، يقاتل أعزل من السلاح نيـــــابة عن كل الشعوب العربية، لأنه في حال نجح نظام الأسد، فإن كل روح عربية حرة ستنكسر، وستبدو المقاومات والحراكات الشعبية جــــافة بلا حـــياة من السهولة أن تنكسر، أو كقطعة جليد في يد من نار من الســهولة أن تذوب وتسيل في الشوارع التي ما زالت تحمل دم الذين قضوا في الدفاع عن شرف الموقف والضمير العربي المتخاذل.، وحينها سيعيد الغرب إنتاج المنطقــــة بكل تفاصيلها الجغرافية والسياسية والاقتصادية والثــــقافية.. هل ندرك أن سورية الآن هي اللحظة التاريخية الحرجة في عصر عربي مقاوم، وهل ندرك أن الشعب العربي السوري الآن يشكل عصب هذه اللحظة..؟.
‘ كاتب اردني مقيم في البحرين
القدس العربي