صفحات العالم

قراءة واقعية في الأزمة السورية


د. عادل الصفتي

في الوقت الذي تنزلق فيه سوريا نحو فوضى العنف المنفلت، أبلغ مؤخراً المبعوث الدولي والأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، مجلس الأمن الدولي بأنه يتخلى عن جهود الوساطة لتأمين حل سلمي للأزمة السورية، وقد أنحى باللائمة في ذلك على تزايد عسكرة الأزمة السورية من جهة، وغياب التوافق في مجلس الأمن الدولي من جهة أخرى، الأمر الذي يصعّب عليه متابعة جهود الوساطة بين الأطراف المتصارعة، فالصين وروسيا تحرصان على مصالحهما الاقتصادية والسياسية، وفي الحالة الروسية المصالح العسكرية أيضاً التي استثمرتها موسكو في نظام الأسد، ولذا يرفض البلدان اللجوء إلى الأمم المتحدة لإسقاط النظام في دمشق. وتصر موسكو على أن الحل لا يخرج عن الحوار بين الحكومة والمعارضة، وليس عبر التهديد باتخاذ إجراءات عقابية. وفي المقابل تدعو الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة إلى تغيير النظام، ولتحقيق ذلك تطلب أميركا من موسكو وبكين الكف عن دعم الأسد في الأمم المتحدة، وتحث موسكو على وجه الخصوص على وقف إمدادات السلاح إلى نظام الأسد، ويقر كوفي عنان بأن مهمته كانت تقوم على انتقال سياسي للحكم تحت قيادة جديدة لأنه، كما قال، سيكون على الرئيس الأسد “الرحيل عاجلاً، أم آجلاً”، وهو ما يعني أن بشار الأسد بموافقته على خطة المبعوث الدولي السابق عنان فقد وافق ضمناً على التنحي عن السلطة والمشاركة في تسهيل عملية انتقالها، ولذا كان يجدر بالمعارضة والقوى الغربية دعم الخطة والوقوف إلى جانبها. وهم بفشلهم في القيام بذلك أهدروا فرصة ثمينة لانتقال منظم للسلطة يشارك فيه النظام ليجدوا أنفسهم الآن أمام خيارات صعبة وأكثر خطورة على مستقبل سوريا في ظل العنف والفوضى.

وهذا أمر يؤسف له حقاً لأن الرأي العام الدولي السائد حالياً يؤيد الحل الدبلوماسي وليس التغيير العنيف للنظام، كما أنه من الواضح اليوم أن مستقبل النظام في دمشق لا يحدد فقط في ساحة المعركة، بل يحدد أيضاً من خلال تماسك دعم بعض الدول الذي ظل قوياً حتى هذه اللحظة. وطبعاً لا يعني ذلك عدم وجود بعض الشروخ في جدار الدعم الدولي للنظام، فإيران على سبيل المثال نظمت في محاولة متأخرة لإنقاذ الأسد قمة حول سوريا شدد فيها الإيرانيون على ضرورة الحوار السياسي بين النظام والمعارضة لإنهاء الصراع في سوريا. ويمكن للصين الانضمام إلى هذه الجهود إذا ما تلقت تطمينات حول مصالحها الاقتصادية في سوريا. كما أن هناك إشارات أخرى عن استعداد روسيا للتفكير في سوريا ما بعد الأسد، ولإقناعها بذلك يتعين التفكير في وسيلة لفك الارتباط بين مصالح موسكو الاقتصادية والسياسية والعسكرية ونظام الأسد حتى يكون الانتقال السياسي إلى قيادة مختلفة منظماً وسلساً.

ويبقى المشهد العام الذي يطغى حالياً على سوريا في ظل الفظائع التي ترتكب والحرب المندلعة بين القوات النظامية والثوار هو انعدام اليقين، واحتمال دخول سوريا منطقة الكارثة في حال اندلعت حرب شاملة على أسس طائفية وعرقية. وبرغم أن مصطلح الربيع العربي ما زال يصف أحياناً بعض ما يجري في سوريا، إلا أنه الملاحظ أيضاً أن مطالب الديمقراطية والحرية والكرامة اختفت وراء بعض الأصوات الحادة التي بدأت ترتفع مطالبة بالانتقام، ومهددة بنشوب صراع على السلطة بين بعض الفصائل المتعددة التي تندرج كلها تحت مسمى المعارضة.

وإذا كان النظام السوري قد فقد شرعيته ومن ثم وجب رحيله، فإن سؤال المشروعية ذاته يطرح على المعارضة، ولاسيما أن الفصائل المتعددة والأسماء الكثيرة التي تشكل المعارضة السورية لم تنجح حتى الآن في بلورة خطاب موحد يتطرق إلى برنامج سياسي وديمقراطي للمرحلة المقبلة يشمل جميع مكونات الشعب السوري. والأمر نفسه ينطبق على المعارضة المسلحة في الداخل التي تقاتل النظام، إذ لم تستطع البروز كقوة موحدة تتجاوز المجموعات المسلحة المتفرقة التي تحارب، وأنها بعيدة عن المتشددين الإسلاميين الذين جاؤوا من دول إسلامية متعددة. واللافت كما تشير إلى ذلك بعض التقارير أن بعض من يطلق عليهم اسم الثوار في سوريا ربما يضمون في صفوفهم عناصر من “قاعدة” العراق، وهو ما صرح به مدير الاستخبارات الوطنية الأميركي، “جيمس كلابر”، في جلسة استماع أمام الكونجرس قائلاً “نعتقد أن القاعدة في العراق تتمدد إلى داخل سوريا”، مضيفاً أن المتطرفين نجحوا في اختراق الثوار. فإلى أي مدى إذن يمكن إضفاء الشرعية على مطالب الثوار، دون التنبه لمثل هذه الأمور؟ وفي المقابل كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخراً أن بعض ضباط “سي. أي. إيه” ربما ينشطون سراً في جنوب تركيا للمساعدة في تمرير الأسلحة عبر الحدود إلى جماعات المعارضة المختلفة. وبعبارة أخرى فإنه في الوقت الذي تحث فيه واشنطن روسيا على وقف إمدادات السلاح إلى دمشق تقوم هي نفسها بمد الثوار بالأسلحة. والأمر لا يقتصر على ذلك، بل يمتد أيضاً إلى المثل الديمقراطية ومبادئ الحرية التي تدافع عنها أميركا حيث لا تتفق تماماً مع دعمها للجماعات المتشددة في سوريا التي يشك في اعتناقها للديمقراطية مثل “الجهاديين” من “القاعدة” وغيرهم من التنظيمات المتطرفة. وبدلاً من دعم المسار الدبلوماسي لتغيير النظام في سوريا قد تفضل واشنطن استراتيجية العمل السري لتغييره مع كل ما تنطوي عليه من مخاطر، ولذا تبقى الخيارات الغربية في سوريا خاطئة لأنه بدلاً من أن تساهم في وقف العنف ووضع حد لإراقة الدماء فإنها قد تؤدي إلى مزيد من العنف والفوضى والدمار.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى