الغفرانُ أصلهُ شجرة/ وداد نبي
أرغبُ أن أكون شجرة..
شجرة تعيشُ في المُدنِ المزدحمة كإستنبول، برلين أو طوكيو،
تتنفسُ كل الهواء الملوث بتلك المدن
وتسعلُ آخر الليل لأن عامل التنظيفات نسي أن يمسح عن أغصانها
غبار دخان السيارات وسجائر السكارى والمتسكعين
شجرة تسعلُ الألم
وتغفرُ كلَّ نسيانٍ يحدثُ على هذه الأرض
لأن الغفران أصلهُ شجرة..
شجرة “مورينجا” تعالجُ بشكلٍ جيد
جروحَ الذاكرة والجسد
الجروح التي لم يؤرشفها النسيان، فتحولت لندوبٍ عميقة..
شجرة مورينجا خفيفة وخضراء،
تتحمل كل الجفاف
ولا تشعرُ بالحسرة لدى سماعها صدى قبلات العشاق
في زوايا الشوارع المُعتمة التي تذكرها بالحُبِّ
الحب الذي تركته في منتصفِ المسافة بين الكراهية والغفران..
شجرة جذورها ممتدّة للأعلى،
تراقصُ الماء
حينما تقعُ في حُبٍ جديد
يُنسيها شجرةَ الحب الأولى التي قطعتها في لحظةِ كراهية
أرغبُ أن أكونَ شجرة
تعرفُ أن مقبض الفأس التي كسرتها مصنوع من لدنها
ومع ذلك تغفرُ للمقبضِ لأن الغفران أصلهُ شجرة..
أرغبُ أن أكون شجرة لأسباب كثيرة لم تعد مهمة لأحد
لكن الجدير بالذكر أنّ كون المرء شجرة يجعلهُ يقاوم طوفان الكراهية
بسفينة مصنوعة من خشبِ الغفران..
أن أكون شجرة..
شجرةً صغيرةً يا الله.. ليسَ بالأمر المستحيل.
أرغبُ أن أتحوّل إلى شجرة معمّرة..
تقيمُ في حي “ميتيه” في برلين أو على ضفاف نهر “شبري”،
تزورُ الأصدقاء، تكتبُ قصائد حب لشاعرٍ لهُ روح “ريلكه”
وهي جالسة في مقاهيها الخشبية، شجرة مضيئة
تتوسطُ ساحة صغيرة بحي “فريدريش” قرب المطعم “الطاجكستاني”
تُجَففُ على أغصانها ثيابٌ ملونة،
لطفلةٍ جميلة لم تعرف روحها ملمس الحرب الخشن والقاسي
شجرة تبكي آخر كل ليلة
وترسلُ بكاء عينيها ماءً
لحريقٍ شب في تُراب بلادها الأولى.
*شاعرة من سورية تقيم في برلين
ضفة ثالثة