القاهرة عاصمة المعارضة السورية
فايز سارة
تبدو القاهرة اليوم اقرب العواصم العربية الى سوريا، والقاهرة في القرب السوري لها صلات وعلاقات مع المعارضة والموالاة، وتضم تعبيرات للاثنتين، وان كانت الاقرب الى الاولى والاكثر صلة بها. ولقرب القاهرة السوري، وحضور تعبيرات المعارضة فيها، عوامل تتجاوز الصلة بالربيع العربي الذي غطى سماء القاهرة الى اسباب ابعد، تشمل اسباباً سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، لاتتصل بالواقع الراهن فقط، انما تتصل بمراحل تاريخية، تمتد عقوداً طويلة من السنوات، توافدت في خلالها اعداد كبيرة من السوريين، استقر بعضها وعاش في مصر، قبل ان تبدأ الموجة الاخيرة من العبور السوري الجديد.
والقاهرة بالنسبة للسوريين اليوم هي احد اهم العواصم المؤثرة في الحياة السورية، وهي بين اهم المدن التي يتجه اليها السوريون في ظل المحنة التي تحيط بهم، حيث تمثل ملجأ يتم الهروب اليه من القتل والدمار، وطلباً للامان، ومكاناً للعيش وللدراسة ولممارسة الانشطة المختلفة وخاصة المتصلة بالسياسة وبالاستثمار، واحتلال القاهرة لهذا الموقع يرتبط بعوامل كثيرة منها سهولة انتقال السوريين الى القاهرة، وهو مسار يتم عبر خط جوي مباشر، او عبر خطوط وسيطة، وسط تسهيلات رسمية مصرية في دخول واقامة السوريين الذين يجدون مستوى من التعاطف الشعبي المصري المميز مقارنة بما يحصل عليه السوريون في البلدان العربية الاخرى.
وثمة عامل اخر في اسباب التوجه السوري للقاهرة، يمثله تقارب شعبي سوري مصري في الانماط الاجتماعية والثقافية للطرفين وفي العادات والتقاليد وخلفياتها، وهناك عامل اقتصادي يتصل بمستويات الحياة اليومية وتكاليف العيش المتقاربة بين البلدين، اضافة الى عامل اضافي، يمثله التغيير الذي تعيشه مصر بعد الثورة الذي يعطي هامشاً في الحراك الثقافي والسياسي في البلد، يتجاوز في شموله المواطنين المصريين الى الوافدين العرب وخاصة السوريين الذين لا يجد حراكهم الثقافي والسياسي ممانعة رسمية، وان كان ذلك لا يعني ان حراكهم خارج المراقبة والمتابعة المصرية المباشرة، وهو امر طبيعي، تمارسه كل الدول التي يصلها سوريون في المرحلة الراهنة.
واذا كانت نشاطات السوريين في القاهرة، تتم بصورة طبيعية، فان الانشطة الثقافية الابداعية والسياسية تشغل حيزاً مهماً في اهتمام ونشاط السوريين. ففي القاهرة، وفيها مركز ثقل وجود السوريين في مصر، ثمة نشاط ثقافي معرفي وابداعي، يسعى الى تقديم ملامح من الثقافة السورية من فنون تشكيلية ومسرحية وغناء في صالات عامة وخاصة، اضافة الى نشاطات فكرية وسياسية، تغطيها ندوات تعقد في مقار ثقافية بينها “البيت السوري” اضافة الى اماكن خاصة، يتشارك فيها السوريون والمصريون وفي مقار تتبع جماعات حزبية ومدنية وبعضها مؤسسات مصرية خاصة، كما يضاف الى النشاط الفكري والسياسي نشاط اعلامي حقوقي، تغطيه مراكز سورية موجودة في مصر بينها “مركز الجمهورية لحقوق الانسان”، وهو نشاط يسير على خط يقابله نشاط عشرات من نشطاء اعلاميين وحقوقيين سوريين مقيمين ليس في القاهرة فقط، بل في مناطق مصرية اخرى، ويعزز هذا السياق من الانشطة وجود اعلامي سوري معارض منه ما تقوم به محطة “سورية الغد” التي تأسست في القاهرة، وقناة اورينت، التي كانت القاهرة بين ابرز محطاتها، وثمة عدد من المنابر الاعلامية الاخرى وفيها صحيفة واذاعة ووكالة انباء.
وثمة نشاط سوري عملي واجرائي، يتعلق باعمال اغاثة الوافدين السوريين الى مصر، واعدادهم الى تزايد، وطبقاً للارقام، فان نحو مئة وستين الف لاجئ سوري موجودون في مصر، وهؤلاء يمثلون نحو خمسة عشر في المئة من اجمالي السوريين هناك والمقدر بنحو مليون نسمة، معظهم وصل في العامين الماضيين، وقد انخرط بعضهم في الحياة المصرية الاقتصادية، واحد تعبيرات هذا الانخراط دخول نحو خمسمئة مليون دولار يملكها سوريون في القطاع الصناعي.
ان اهمية الانشطة السورية السابقة في مصر وفي القاهرة على وجه الخصوص، انها تمثل خلفية لنشاط سياسي سوري أكثر اهمية، وتأثيراً ليس في واقع السوريين المقيمين في مصر، بل في الواقع السوري وامتداداته الخارجية بما تعنيه من امتداد ديمغرافي وسياسي في بلدان اللجوء، وهو امر يدعمه ان القاهرة عاصمة اكبر دولة عربية، وفيها مقر جامعة الدول العربية ومنظماتها المتخصصة، ولان الامر على نحو ما سبق، فان القاهرة تمثل بالفعل مركز ثقل اساسي للمعارضة السورية، إذْ هي المقر الرئيس للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وفيها مكاتب رئيسية لكل من المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، وفيها المقرات الرسمية لعدد من التحالفات السياسية السورية ولعدد من الاحزاب السياسية، وكثير من التحالفات والاحزاب تأسست اوعقدت مؤتمراتها التأسيسية في القاهرة في العامين الماضيين وبينها المنبر الديمقراطي السوري، وسوريون من أجل الديمقراطية، واخرها مؤتمر كلنا سوريون الذي عقده قبل ايام معارضون للنظام الحاكم في دمشق ممن ينتمون الى الطائفة العلوية من المسلمين السوريين حيث جرى اقرار وثيقتين الاولى “اعلان سوريا” والذي يتضمن رؤية المؤتمرين لسوريا القادمة في مرحلة ما بعد سقوط النظام، والثانية “بيان سياسي” يرسم ويحلل الاوضاع السياسية التي تحيط بسوريا وضرورة انخراط ابناء الطائفة العلوية في نضال السوريين الساعي الى تحقيق اهداف الثورة في التغيير والتقدم واقامة نظام ديمقراطي، يوفر الحرية ويحقق العدالة والمساواة لكل السوريين عبر اسقاط النظام بكل رموزه وتعبيراته.
القاهرة بمن يقيم فيها من قياديين وكوادر في المعارضة السورية على تنوعها وتعددها، وبما تحويه من طاقات وقدرات سورية في مجالات مختلفة، وبما تشهده من انشطة وفعاليات متعددة، تشكل محطة سورية بامتياز، يفوق طاقة ودورا اية عاصمة في المحيط الاقليمي والدولي لسوريا خاصة لجهة وجود ونشاط المعارضة، بل يمكن القول، ان وجود ونشاط المعارضة السورية فيها يزيد على حجم وفاعلية انشطة المعارضة في الاراضي السورية، التي صارت ميداناً للحرب اكثر مما هي ميدان للسياسة، بل ان السياسة في سوريا صارت الاكثر غياباً في الحياة العامة، ولا الخلاصة كما سلف فان القاهرة هي عاصمة المعارضة السورية ومركزها الاول.
المستقبل