القتيل والجنرال
حـازم الأميـن
سأل الجنرال ميشال عون عن جرحى مدينة القصير الذين تم نقلهم الى المستشفيات اللبنانية للعلاج. كيف دخلوا؟ ومن يتولى علاجهم؟ ومن سمح لوزارة الصحة اللبنانية بالتعامل مع إصاباتهم؟
في الأخلاق لا تنمّ أسئلة الجنرال عن سعة وأريحية، ذاك أنه يعترض على علاج جرحى من المفترض انه تعلم في المدرسة العسكرية التي تخرّج منها ان حق العلاج مقدّس لأسير الحرب فما بالك بغير الأسير. ومرة أخرى يتفوق الجنرال على نفسه.
لكن المهمة التي أناطها “حزب الله” بالجنرال ميشال عون لم تراعِ ضرورة الحفاظ على حد أدنى من ماء الوجه. فالجنرال وقف الى جانب الحزب في حربه “الإستباقية” في القصير، والحزب هو من أجرى الصفقة التي قضت بنقل الجرحى، وهو في الوقت نفسه كلّف الجنرال مهمة الإعتراض. أي دوامة هذه؟
ومن أغرق الجنرال فيها؟
لكن عون لم يقف عند هذا الحد، فهو سأل القتيل هاشم السلمان عن سبب توجهه الى محيط السفارة الإيرانية للاعتصام! لم يسأل القاتل لماذا قتله! فإذا كان حريصاً على ان لا ينتهك الجرحى السوريون السيادة اللبنانية، فإن اللبناني القتيل حُرم من حقه في الحياة ضمن هذه السيادة، وهو أمر لم يهزّ الوجدان السيادي لجنرال الحرية والسيادة في الرابية.
لن يفيد نقاش ميشال عون شيئاً. لن يهزّ النقاش قناعات مناصريه قيد أنملة. هكذا قال صديق قديم للجنرال. الاختلالات المنطقية والأخلاقية في خطابه ليست مناسبة لإعادة النظر، ذاك ان اللُحمة العونية مصنوعة من عصبية لا تتوسل المنطق في اشتغالها، والشطط الأخلاقي غير ذي بال حتى لو لامس حدود الإعتراض على علاج جريح.
لكن السؤال ليس هنا، إنما في سرّ إصرار الجنرال على مجافاة البداهة في انحيازه! فأن يسأل سياسي لبناني، مواطناً قتيلاً عن دافعه الى التوجه الى محيط السفارة الإيرانية، ففي ذلك منتهى السذاجة في الإنحياز. يمكن للقتيل ان يجيب: “أنا حرٌّ في أن أذهب حيث أريد، وهذا ما يكفله لي الدستور اللبناني طالما أنني لا أخالف القوانين. أليس من المفترض أن تضمن لي أنت أيها النائب (الكريم) هذا الحق؟”.
هل ممنوع على الجنرال ان يُشاغب قليلاً في موقعه التحالفي؟ وأن يتفادى الإصطدام ببديهة على هذا القدر من الوضوح؟ هل ممنوع عليه ان يقول يجب ان يتم التحقيق بما جرى لهذا الشاب؟ من المرجح أن قوله هذا لن يضر بحليفه “حزب الله” كثيراً، ومن المفترض ان يكون الحزب غير متطلّب الى هذا الحدّ.
الأرجح ان الجنرال عون صار يُدرك المعادلة. لا خسائر جراء السقوط في اختلال المنطق والأخلاق. يعطي الحلفاء من هذه البئر التي لا تُكلفه كثيراً، أكثر مما يريدون، ويأخذ منهم لحساب مستقبل الصهر ما يريد. وما يُريده بدوره ليس مكلفاً لهم، طالما أن الصهر مستعد للمهمة نفسها.
موقع لبنان ناو