الكرد ومعنى الثورة السورية/ حسام عيتاني
يتسم مؤتمر القوى الكردية في أربيل بأهمية كبرى تشير إلى جانب من التغيرات التي فرضتها الثورات العربية. فالثورة السورية التي طرحت بقوة قضية الدولة المركزية في المشرق العربي، سلطت في الوقت ذاته مسألة حق تقرير المصير للأقليات كافة، وخصوصاً للكرد.
المؤتمر الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان العراقي، مسعود البرزاني، يشكل واحداً من المحطات المهمة في إعادة تعريف المسألة الكردية. ومشاركة ممثلين عن القوى الكردية في البلدان التي يتوزع عليها الشعب الكردي، إضافة إلى ممثلين عن الجاليات الكردية في الخارج، تُبرز الجهد المبذول لوضع استراتيجية قومية كردية ربما تشكل بداية الطريق نحو تحقق الآمال القومية للكرد، بعد حوالى القرن من بروز قضيتهم كواحدة من معضلات الشرق الأوسط العصية على الحل، ومن دون استفزاز أو إثارة الحساسيات المفرطة، خصوصاً في تركيا وإيران.
ولئن كان من المبكر الحديث عن توافق عام أو تصور لمستقبل المناطق التي يتوزع الكرد عليها، فإن جملة الأحداث التي تشهدها المنطقة، تعلن من دون لبس ضرورة تقديم تقييم جديد للموقف الكردي. تركيا باشرت العملية هذه، من خلال المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان الذي أعلن السلام خياراً استراتيجياً للحزب، واعترفت باستقبالها مسؤول حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا (بي يي دي) صالح مسلم، أن الواقع الكردي تغير ليس في العراق وتركيا وحدهما.
يقابل الدينامية الكردية المدركة لعمق التغير الذي يتمدد في المنطقة وأهمية تحقيق الفائدة القصوى منه، رؤية مفوتة ومتقادمة ما زالت أقسام كبيرة من المعارضة السورية، بجناحيها المسلح والسياسي مقيمة عليها ومتمسكة بها، بإصرارها على النظر الى الموضوع الكردي نظرة أقل ما يقال فيها أنها اقرب إلى النظرة البعثية منها إلى تلك الثورية المفترضة.
ولا مفر من القول إن سكوت قسم كبير من المعارضة السورية عن الهجمات التي تتعرض لها بلدات في الشمال الشرقي السوري من قبل مسلحي “الدولة الاسلامية في العراق والشام” و”جبهة النصرة” وغيرهما من الفصائل او حتى التواطؤ معها، يشيران إلى التخبط العميق في صورة سوريا بعد سقوط بشار الأسد، إذا حسنت النوايا، وإلى بقاء العقلية الاستئصالية الاقصائية متحكمة في أذهان قيادات في المعارضة السورية.
ولا معنى لسرد تجاوزات وانتهاكات “حزب الاتحاد الديموقراطي” واللجان والهيئات التي أنشأها وتلك التي يهيمن عليها والانتهاكات التي يرتكبها عناصر قوات الحماية الشعبية كمبرر لإرسال مسلحي “الدولة” و”النصرة” إلى المناطق الكردية. بكلمات ثانية، وبغض النظر عن موقف أكثرية الكرد السوريين من المشاركة النشطة في الثورة أو عن سكوتهم عن بقاء قوات النظام في عدد من المواقع لديهم، فإن الكرد فهموا حقيقة عميقة ما زالت فئات وازنة من المعارضة ترفض الاعتراف بها: أن النظام المقبل في سوريا لن يكون مركزياً على طريقة حافظ وبشار الاسد ولا على طريقة صدام حسين. لقد انتهى ذلك الزمن بفضل الثورة السورية أولا. وعلى هذه أن تتعامل مع الوقائع التي خلقتها على الأرض حتى لو تكن كلها على مزاج بعض قياداتها.
وليس من المبالغة في التوقع أن يطلب سكان العديد من المناطق السورية من النظام المقبل، الاعتراف بسلطات لا مركزية واسعة. سواء في جنوب البلاد أو شمالها أو ساحلها، بعدما دفعت غالياً ثمن التخلص من قبضة الأسد. الصيغة النهائية للنظام السياسي السوري متروكة لمستقبل الحراك الداخلي وقدرته على الاستجابة لضرورات الداخل وضغوط الخارج.
وما سقط، سواء من القيم البعثية- الأسدية أو من العلاقات بين السوريين، لن تقوم له قائمة بعد اليوم، سيان وافقت “الدولة” و”النصرة” ومن لف لفهما أو رفضتا. وسواء كانت لهما أطماع في نفط الشمال الشرقي أو غير ذلك من الخلفيات. فالأرض تقول كلمتها وهي ما سيسري في نهاية المطاف. لا يعني ذلك القبول بالقومية الكردية المكافئة للقومية العربية في التطرف والشوفينية، ولا تسليم المناطق الكردية لأي حزب أو جهة بعينها. بل، ببساطة، الاعتراف أن طوراً جديداً قد بدأ في المنطقة بأسرها وأن سوريا ليست في منأى عنه. وهو طور يشمل العلاقات الداخلية وصلات المكونات العرقية والطائفية ببعضها وآمالها في تشكيل سلطات تدافع عن حقوقها الثقافية والاجتماعية والسياسية.
بهذا المعنى تكون ترجمة سقوط الرطانة البعثية في دمشق هي رفع نير التمييز والتهميش عن الكرد والاشوريين والتركمان والأزيديين وكل الأقليات في المشرق. وهذا أحد معاني الثورة السورية، ذلك أنه لا معنى لاستبدال هيمنة طائفية بأخرى مشابهة ولا قيمة لإعادة طلاء التسلط البعثي بآخر “ثوري”.