اللاجئون السوريون في مصر كوابيس الحرب وأحلام العودة
سلمى الورداني *
لا يزال مشهد طفلته ذات الثماني سنوات وهي تنتفض خوفا من صوت مدفعيات الحرب يطارده حتى بعد هروبه إلى المدينة الهادئة. بعد مرور نحو عام ونصف العام على ارتحاله وعائلته من جحيم الحرب في وطنه، لا تزال كوابيس المشهد الأخير تحاصر عامر وهو واحد من بين آلاف اللاجئين السوريين الذين وَجَدوا في مصر ملاذا ومنفى يتمنون أن يكون موقتا. “كان القصف عشوائيا. في لحظة يسقط جارك، وفي اللحظة الأخرى قد تختارك أنت القذائف”. هرب عامر وعائلته المكونة من أمه وزوجته وأطفاله الثلاثة إلى بيت أقاربهم في احد أحياء العاصمة الأكثر هدوءا في أيلول/ سبتمبر من العام 2011، ثم عادوا بعد أسبوعين ليجدوا أنّ القصف قد سَوَّى بيتهم في “قدسيا” بالأرض. “لم يكن لدينا خيار آخر، إما الموت في معركة لم نخترها ولا نعرف أبعادها وإما الفرار”. رحل عامر واسرته برا الى لبنان ومنه الى مصر. كان عليه ان يتأقلم مع وضعه الإجباري الجديد: لاجئ.
يعيش عامر وأسرته التي انضم إليها لاحقا 15 شخصا من عائلته الممتدة، هم من نجحوا في الفرار من جحيم الحرب، في شقتين متجاورتين في مدينة 6 أكتوبر القريبة من القاهرة، والتي باتت تعرف بـ “دمشق المصرية”. وهم واحدة من بين عائلات سورية كثيرة تنتمي الى الطبقة الوسطى تمكنت من توفير نفقات السفر الى مصر، خلاف مئات الآلاف من السوريين الذين انتهى بهم المطاف في لبنان أو في معسكرات الإيواء في الأردن أو تركيا.
أعداد كبيرة
يوجد في مصر أكثر من 140 ألف لاجئ سوري، وفقا للتقديرات الحكومية الرسمية. ولكن 69 ألفاً منهم مسجلون كلاجئين بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهناك علاوة على هؤلاء، حوالي 18 ألف سوري ينتظرون إنهاء أوراقهم للحصول على صفة لاجئ، فيما يفضل آخرون عدم التسجيل لدى المفوضية لأسباب متعددة، فبعضهم يخاف من تعقب النظام لأفراد عائلته الباقين في سوريا، أو من الفتك به إذا ما قرر العودة. كما أن هناك من تسمح له أوضاعه المادية بتدبر أمره من دون مساعدة أي جهة.
يتركز اغلب السوريين في محافظات القاهرة التي تبلغ أعداد المسجلين منهم لدى المفوضية بأكثر من 34 ألفاً، بينما هناك 14 ألفا في الاسكندرية، وسبعة آلاف في دمياط، و11 ألفاً في بقية المحافظات. وفي القاهرة، يتواجد السوريون في التجمعات العمرانية الجديدة، البعيدة عن أماكن الاكتظاظ والزحام، مثل مدن 6 أكتوبر، والشيخ زايد، والعبور، والرحاب، ومدينة نصر.
ويواجه اللاجئون السوريون في مصر عددا من التحديات، تتنوع بين تأمين السكن اللائق في ظل ارتفاع أسعار تأجير العقارات، وصعوبة تأمين العمل في دولة تعاني أصلا من مشكلة بطالة حادة، بالاضافة الى مشكلة الطلاب منهم من أجل توفير التسجيل ومواصلة التعليم في المدارس والجامعات المصرية.
بعد شهور من البحث عن عمل في مجال تخصصه في هندسة الاتصالات، ومع اقتراب موارده الضئيلة من النفاد، اضطر عامر الى استئجار محل صغير بأحد المراكز التجارية في المدينة ليكون مطعما للمأكولات السورية، يعمل فيه بنفسه، بينما تساعده زوجته وبعض أفراد عائلته في العمل.
“المطاعم والمأكولات هي النشاط الأكثر رواجا بالنسبة للسوريين في مصر، من ناحية أنها مناسبة لإمكانيات الطبقة المتوسطة، ولأنها لا تحتاج الى تعقيدات بيروقراطية مثل الاذون الخاصة بالأنشطة الأخرى. اما العمل في تخصصاتنا فهو أمر شبه مستحيل بالنظر لحالة البطالة التي يعاني منها المصريون أصلا، يقول عامر.
في مهب الريح
جاء قرار الرئيس المصري محمد مرسي في الخامس عشر من حزيران/يونيو بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وغلق السفارة في القاهرة، ليزيد من أعباء السوريين في مصر. قطع العلاقات كان يعني ببساطة أن اللاجئين ليس لديهم مكان لتنفيذ الخدمات القنصلية لتجديد جوازات السفر والحصول على وثائق رسمية. فور سماعها بالقرار، هرولت ديما سامر وزوجها الى مقر السفارة في القاهرة لتصطف مع عشرات السوريين أمام شباك صغير في محاولة مستميتة منهما لإنهاء أوراق التحاق طفليهما بالمدارس المصرية، ليعلما أن القرار نافذ، وان طفليهما سيظلان بلا مدارس لفترة مجهولة المدى، حيث تطلب معظم المدارس المصرية أن تكون الأوراق مختومة من الدولة السورية.
“نحن في مهب الريح هنا، أي شيء قد يحدث. تستيقظ الحكومة يوما فتقرر غلق السفارة وتشريد الكثيرين مثلا، تقول ديما التي تسكن مع زوجها وأمها وطفليها في مدينة الشيخ زايد وتعيش من بيع الفطائر والمخبوزات السورية لسكان المدينة، في مجال هو بعيد تماما عن عملها كطبيبة في دمشق. “البلد الآن على أعتاب تظاهرات تطالب برحيل مرسي، ووضعنا كلاجئين مقلق جدا، أي شيء قد يحدث”.
خلال الأسبوع الماضي سجلت المفوضية 4 حالات تطالب بإغلاق ملفاتها لدى الأمم المتحدة بسبب صعوبة الأحوال المعيشية في مصر والتحسن النسبي في الحالة الأمنية في دمشق، بينما طلب شخصان الحماية، احدهما لقيام الشرطة المصرية بسحب جواز سفره بعد مشادة مع صاحب محل مصري، والآخر لاعتقاده بأنه مستهدف بسبب آرائه السياسية. وهذا بحسب موقع المفوضية على شبكة الانترنت.
الوطن في المنفى
لكن هموم السوريين لا تتعلق فقط بحالتهم القانونية، وانما بقلق دائم من المجهول مما ينتظرهم، وما إذا كانوا سيعودون الى وطنهم الأم سريعاً، أم انه عليهم التأقلم في منفاهم الإجباري.
“مصر أفضل من بلدان أخرى، شعبها مرحِّب والحكومة الى حد كبير توفر شروطا مناسبة وتسمح بممارسة الأنشطة السياسية والثقافية والفنية. كما ان الدخول الى الأراضي المصرية لا يتطلب تأشيرة…”. يحاول عامر وغيره من اللاجئين القاطنين في مدينة 6 أكتوبر ان يوجدوا لأنفسهم بديلا موقتا لوطنهم في مصر، فَكَوَّنوا ما يشبه سوريا صغيرة في هذه المدينة الهادئة، فترى أعلام الجيش السوري الحر فوق عدد من البنايات، بينما تسمع اللكنة السورية أينما تسير، وتشم رائحة الشاورما السورية والحلويات الدمشقية من محلات تجارية تملأ المدينة وتحمل اسماء سورية. “ببقائنا الى جانب بعضنا البعض في التجمعات نفسها، نحاول أن نتغلب على مخاوفنا وقلقنا على أنفسنا وعلى وطننا وعلى عائلاتنا داخل سوريا. نحاول خلق حالة من الدفء تعوّضنا عن افتقادنا لبيوتنا وأحيائنا بسوريا”، يقولها عامر وهو يقبل ابنته سمر، التي، رغم مرور عامين، لا تزال ترتجف كلما سمعت صوت غلق الباب. يقول عامر: “نحن نعيش هنا على أمل أن نعود فنجد وطناً ينتظرنا، هل هو أمل يتضاءل؟”.
* صحافية من مصر