المحكّ الوشيك
حازم صاغيّة
على رغم خيبة الأمل التي أحدثها مؤتمر “أصدقاء سوريّا” في تونس، يمكن المجازفة بالقول إنّ الوضع الإقليميّ والوضع الدوليّ لا يحتملان ترك سوريّا تحترق على ما هو حاصل الآن. فسوريّا تحتلّ موقعاً جعلها من أكثر دول العالم مركزيّة وحساسيّة، تجاور العراق وتقيم في قلب الصراع العربيّ – الإسرائيليّ، أو ما تبقّى منه. وهي تؤثّر على لبنان والأردن والوضع الفلسطينيّ، وإلى حدّ ما على تركيّا. ومن دون أن تكون بعيدة عن مهود النفط في شبه الجزيرة والخليج، فإنّ تحالفها الوثيق مع إيران بات شاغلاً كونيًّا كبيراً.
وإذا كان الفيتّو الروسيّ – الصينيّ في مجلس الأمن قد أنقذ النظام السوريّ وعقّد كلّ محاولة لاحقة لإضعافه من الخارج، فهذا لا يلغي أن تكون موسكو قد ورّطت حليفها الصغير على المدى الأبعد. فهي إنّما ألحقت الأزمة السوريّة بنزاع غربيّ – روسيّ يحمل المعلّقين والمراقبين على استعادة “الحرب الباردة” والتذكير بها. وكما هو معروف، ففي تلك الحرب الباردة كان الاتّحاد السوفياتيّ (لا روسيا) وجمال عبد الناصر (لا بشّار الأسد) قد عجزا عن تحقيق الانتصار الذي قُرعت له الطبول. ثمّ بعد الحرب الباردة، تدخّل الغرب في يوغوسلافيا السابقة وأطاح سلوبودان ميلوسيفيتش، غير عابئ بالموقف الروسيّ المتشدّد في دعم الديكتاتور الصربيّ، ولا بالروابط السلافيّة والدينيّة والمذهبيّة التي تربط الروس بالصرب.
وغنيّ عن القول إنّ ما بدأ في تونس سوف يُستكمل في مؤتمرين لاحقين في أسطنبول وباريس سيكون صعباً الآن توقّع ما سيسفران عنه. فكيف وأنّ عنف النظام المفتوح والمتصاعد ضدّ شعبه قابل لإحداث خلط كبير في الأوراق والمواقف وفي استجابات الرأي العامّ الغربيّ؟.
وليس القصد من الكلام هذا إشاعة تفاؤل ساذج ومتسرّع في ما خصّ التدخّل الدوليّ، خصوصاً وأنّ الارتباك الأميركيّ لا يزال بادياً بوضوح، فيما لم تتحوّل المسألة السوريّة إلى موضوع سجاليّ في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة. ولئن عبّرت الحركة الشعبيّة في سوريّا عن رغبتها في وقف القتل بأيّ ثمن، فإنّ قواها السياسيّة وأُطُرها التنظيميّة لا تزال خجولة في التعبير عن هذا الموقف وفي البناء على أساسه.
وبين هذا وذاك يمكن القول إنّ الفترة القصيرة المقبلة ستكون محكّاً لمدى قدرة النظام السوريّ على البقاء ولمدى قدرة العالم على إبقائه. فلنراقب جيّداً…
لبنان الآن