المعارضة السورية بين موات العجائز وحياة الشباب
احمد صلال
كل المعارضات في العالم لديها برامج سياسية وشخوص كاريزمية وليس لديها حشد جماهيري في الشارع، والمعارضة السورية الإستثناء الوحيد على القاعدة لديها حشد جماهيري منقطع النظير وليس لديها برامج سياسية ولاشخوص كاريزمية قادرة على تجسيد مشاريع الحشود سياسياً.
الثورة السورية حسب الرزومانة الثورية تتدخل اليوم 528 من سيرورتها الناشدة للتغيير، وتحقق يوماً يتلو يوم إنتصارات مدنية وعسكرية، ولاتزال المعارضة السورية تعيش عقم سياسي، وتكمن مشكلتها الجوهرية في كونها، تؤدلجات قاصرة على الفعل السياسي الجاد والحقيقي عبر إفتقارها لبرامج سياسية واضحة الأفق وفقر بالشخوص الكاريزمية أو التكنو قراط أو وجود ثقل كمي أونوعي داخل بنى القوى الثورية التي لاتتعدى وجودها فيها المكياج السياسي.
وأصبح من الجلي عبر تلك الحقبة الطويلة جداً سياسياً في مرحلة الثورات عقم هذه التجسدات السياسية سواء بالمجلس الوطني السوري ومايمثله من تحالف مسخ بين الإخوان وحزب الشعب وإعلان دمشق، أو هيئة التنسيق متمثلة بحزب الإتحاد الإشتراكي وملحقاتها السياسية من قبيل المنبر الديمقراطي وخالفه وبعض الشخوص المقربة من الروس.
هذه التجسدات السياسية تؤدلجات خشبية تفتقر لأبجديات الفعل المؤسساتي أو المؤسس على قاعدة وطنية وتعتمد على مركزية تقوم على شخص على عقلية شخص واحد بالغالب، وتقودها عجائز متناحرة من أجل منافعها الشخصية وإنتماءاتها الضيقة والتي تصل لشخصنة التؤدلجات وكوادرها من أجل تحقيقها. ولم تتعدى المؤتمرات والندوات والإجتماعات الكثيرة جداً والتي هدر عليها من أجلها أهم المكتسبات الثورية المادية والسياسية من أجل تقديم شيء، سوى إستعراضات إعلامية لاترتقي لأبجديات التعاطي الإعلامي لشخوص لاتتدرك حتى الضبط الإصطلاحي للتثاقف السياسي ومزودات هنا وهناك للإستهلاك المؤتمراتي والنفعي.
وليس هناك مايثير الإستغراب بالفشل الذريع لهذه القوى الكلاسيكية، كونها جسيم غريب ودخيل على الثورة السورية، حيث أن أصحاب الفعل الحقيقي فيها القوى الثورية الشابة التي نجحت في ربط جهودها بالميدان وتنسيق أفعالها لتصبح تراكمية راغبة بالتغيير عبر حشد الشارع المتعطش للتغيير، وهذه القوى موزاييك من الشباب الذي يمثل نسيج الطيف الإجتماعي السوري ولا يعيب الثوررة السورية ذات الطبع الشعبي وجود شخوص نخبوية شابة بين حواضن ولادتها ونموها، حيث أن التنسيقيات يوتوبيا فكرية متكاملة على كافة أصعدة الحياة وإكتسبت عبر تلك الممارسة الطويلة نضج وعمق لتكون حوامل سياسية لمشاريع هم أصحابها الشرعيين.
وتقديم نماذج حية على ذلك متوفرة بكثرة ويطول سردها، بدءاً من شباب تنسيقيات أحياء دمشق، أصحاب الجهد الأكبر في تحريك أحياء قلب دمشق، ورفد وسائل الإعلام في ظل إفتقارها للظرف النموذجي للنقل الخبري والتوثيق- بالتوثيق الخبري بمهنية ودقة عالية لحظة بلحظة، وتصوير وتأريخ الحراك الثوري بأفلام وثيقية حازت جوائز عالمية، ورصد إنتهاكات وممارسات النظام الدموية والقمعية، وعانى نشطائها ماعانوا من إعتقالات في أقبية المخابرات السورية لفترات طويلة طويلة جداً، وأصبح ملفهم معروف لدى الفروع الأمنية ‘ملف تنسيقية أحياء دمشق’، مما دفع بأغلبيتهم لترك البلاد تجنباً للتصفية الجسدية التي كان مزعم تنفيذها ضدهم. و’المركز السوري لحرية للإعلام وحرية التعبير’صاحب البصمة الأوضح في إعلام الثورة السورية عبر رصد الإنتهاكات الممارسة بحق الصحافيين والمثقفيين السوريين المؤيدين للثورة، حيث تعرض كافة طاقم المركز للإعتقال والتنكيل وأفرج عن قسم منهم ولايزالقسم الأخر يقبع في أقبية المخابرات الجوية ومنهم الناشط الحقوقي والصحافي مازن درويش رئيس المركز- بالنسب الممعارضة السورية حال الرئيس اللاشرعي بشار الأسد لم يسمعوا بمازن- الذي دخل اليوم 188 في الإعتقال وأنباء عن نية النظام تحويله للمحكمة العسكرية الميدانية.
ربما كان الخطأ الاكبر الذي إرتكبه نشطاء البدايات في الثورة السورية عزوفهم عن العمل السياسي لصالح ساسة متناحرين واكتفاءهم بتجربة الإشتغال الميداني، وتعدى الأمر ليصل لتسليعهم وإستثمارهم في المحافل الدولية، والمسرحية الهزلية في مؤتمر’أصدقاء سوريا’ الذي عقد في باريس ينيط اللثام عن صحة المصبو إليه، ليتصدر الساسة العجائز المنبر والحديث ولايسمح لشباب تنسيقيات أحياء دمشق وناشطي الحراك الثوري سوى بالحضور والحديث لبعضهم بمدة لا تتجاوز الثلاث دقائق والتي هدرت على غث الكلام نتيجة التقييد والتوجهيات الأبوية والتسلطية الممارسة من المجلس الوطني.
الشارع السوري الثائر نزف وما يزال ينزف الدم، ولن ينتظر توحيد صفوف شخوص لم يعد يعول عليهم بشيء، والمجلس الوطني الآن يحتضر ويلتقط أنفاسه الأخيرة، وصار من اللازم على شتات ناشطي الحراك المدني الموزعين في أركان المعمورة وبالتنسيق مع القوى الثورية بالداخل تجمعيهم قواهم في كيان سياسي قادر على أن يطرح نفسه ككمثل شرعي ووحيد للشعب السوري، مما يشجع على ذلك تجاهل المجتمع الدولي بالاونة الأخيرة للمجلس الوطني خاصةً والمعارضة بالعموم، وزيارة كلينتون الاخيرة لإسطنبول وتجاهلها للمجلس وإلتقائها ببعض نشطاء الحراك المدني والعسكري دليل على افول نجم الساسة الكلاسكيين.
وربما من المفيد ختم ماسرده سابقاً بعبارة للكاتب السوري حازم العظم فحواه: ‘في جميع أنحاء العالم المعارضة الثورية تشتكي من: غياب الشعب في سوريا الشعب يشتكي: من غياب المعارضة’.
‘ صحافي سوري
القدس العربي