المعارك الأخيرة للنظام السوري
عمر كوش
مع دخول الثورة السورية شهرها الحادي والعشرين، برزت متغيرات كثيرة في المشهد السوري، حيث تزايدت الانشقاقات بين صفوف العسكريين، ولم تتوقف،من جهتها، الانشقاقات بين صفوف السياسيين، خاصة مع انشقاق جهاد مقدسي، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السورية، وفراره إلى خارج البلاد، حيث يحمل انشقاقه دلالات أعمق من انشقاق شخصيات أخرى، كونه اختير في مرحلة صعود الثورة، كي يدافع عن رؤية النظام، ويبرر ممارساته، أمام وسائل الإعلام، وتوصيل رسائل للعالم الخارجي.
ولعل أبرز المتغيرات هو التقدم الكبير الذي يحرزه الجيش الحر والتشكيلات المسلحة الأخرى في مختلف مناطق سوريا، وخاصة في حلب والمناطق المحيطة بالعاصمة دمشق ومطارها، وبما يفضي إلى اقتراب المعركة الأخيرة فيها، بوصفها معركة انتهاء النظام.
بالمقابل، لا يتوانى ساسة النظام السوري وقادته العسكريين عن الحديث عن المعارك البطولية التي يخوضها “الجيش والقوات المسلحة” ضد الثائرين وحاضنته الشعبية، فمنذ منتصف العام الماضي، راح العديد من المسؤولين السوريين يتحدثون عن معركة الحسم في حمص، ثم انتقلوا إلى الحسم في إدلب، ثم في درعا، ثم تحدثوا عن “أم المعارك” في حلب، في حين أن كل هذه المعارك كانت تطلق من أجل شدّ أزر الموالين للنظام، وإيهام الرأي العام في سوريا وخارجها، بأن النظام قوي، وهو من يمتلك زمام الامور ويوجه المعارك. لكنه في الواقع، اختبر أسلوب التدمير الذي اتعبه في مختلف المناطق السورية منذ البداية ولم يُفلح، ثم لجأ إلى ارتكاب المجازر كذلك، ولم يدرك إلى اليوم أن أسلوب التدمير والقتل لا أثر له على أرض الواقع، سوى جعل الناس في المناطق الثائرة يزدادون إصراراً على المضي في الدرب الذي بدأوه، والسير فيه حتى تتحقق مطالبهم وتطلعاتهم في العيش بحرية وكرامة.
وبعد كل هذه المعارك، لا يمكن لمتابع حصيف أن يجادل في أن النظام السوري، بعد كل هذه المعارك، يمكنه أن يصمد طويلاً أمام ثورة السوريين ومقاومتهم، فنهاية هذا النظام محتومة، وبدأت عندما كسرت جموع السوريين حاجز الخوف، وخرجت في تظاهرات سلمية تطالب بإسقاطه، ومازالت مصرة على بلوغ غايتها، ونيل مرادها في الحرية والكرامة، بالرغم من الكلفة الإنسانية الباهظة التي تدفعها يومياً، منذ واحد وعشرين شهراً، فضلاً عما تلاقيه من ملاحقة، وتهجير، وتشريد، وتخريب، وتدمير، وحرق لأملاكها، وأماكن عيشها وسكناها.
ويدفع التفكير باقتراب المعركة الأخيرة للنظام إلى الخشية من الفراغ الذي قد يحدثه سقوط مفاجئ، وحدوث فوضى. وما يدعم توقع ذلك هو فقدان النظام السيطرة على مساحات كبيرة من سوريا، وذلك بعد التقدم الواضح للجيش السوري الحر والتشكيلات العسكرية الأخرى، بالرغم من فارق القوة العسكرية واللوجستية ما بين قوات النظام وسائر المجموعات العسكرية المدافعة عن الثورة، الأمر الذي يفسره، ليس فقط حالة الانهاك التي بات يعاني منها الجيش السوري، بعد اقحامه في معارك الشوارع والأحياء والبلدات السورية، وحدوث انشقاقات متتالية ومتسارعة في تركيبته، بل هناك أمور عديدة، تتعلق بأن المجندين داخل الجيش النظامي مكرهون في معظمهم على القيام بما يطلب منهم، تحت تهديد الإعدام الميداني والتصفية والاعتقال، وقسم منهم مغرر به، ويستخدم ضحية أو وقوداً لخدمة بقاء رموز النظام في السلطة. بالمقابل، فإن الثوار بغالبيتهم يدافعون عن أحيائهم وبلداتهم وأماكن عيشهم وسكناهم في وجه اجتياحات وحدات الجيش وقوى الأمن وقطعان الشبيحة، وبالتالي، فإنهم مسلحون ليس بالعزيمة والإصرار والاستعداد للتضحية فقط، بل يحظون بالاحتضان من طرف الناس، الذين يجمعهم الإيمان بضرورة الخلاص مهما كانت التضحيات والخسائر.
وهناك تقارير تشير بوضوح إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وشحّ الموارد المالية، التي يسخرها النظام من أجل تمويل شبيحته وقواه الأمنية والعسكرية، وهبوط قيمة الليرة السورية السريع، في الآونة الأخيرة، أمام العملات الأجنبية، بما يؤشر على اقتراب النظام من حالة الإفلاس والانهيار المالي والاقتصادي، التي يحدّ منها بشكل أو بآخر، تدفق الدعم المالي والاقتصادي الإيراني، والاسناد الروسي، ودعم بعض أفراد مافيات النظام وأعوانه، الذين عاشوا طويلاً على نهب مقدرات البلد واستثمار حالة الفساد والافساد، إلى جانب دعم بعض الأطراف من دول الجوار.
وعلى الصعيد الدولي، تجري اتصالات مكثفة مع “الائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة السورية”، لتشكيل حكومة انتقالية وتصعيد عزلة النظام، فيما لا تخفي الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية، تخوفها من تنامي قوة بعض التشكيلات المسلحة المتطرفة، في ظل توارد تقارير عن تدفق عناصر متشددة إلى سوريا، ووجود تشكيلات عسكرية مثل “جبهة النصرة” وبعض المجموعات السلفية المتشددة الصغيرة، حيث كثر اللغط والأحاديث عن وجود عناصر من تنظيم “القاعدة” في سوريا قدموا من شمال العراق ومن أماكن أخرى، وعن الخشية من أن تتحول البلاد إلى دولة فاشلة، ومأوى لما يسمى المجموعات الإرهابية والمتطرفة.
وينظر إلى الائتلاف الجديد، بوصفه إطاراً يعبئ طاقات وقوى الثورة السورية، يهدف إلى توفير الدعم للشعب، ويمثل توجهات الثورة وأهدافها على الوجه الأمثل، من خلال السعي إلى عمل كل ما من شأنه أن يسهم في قلب موازين القوى، لصالح إسقاط النظام، وانتصار الثورة على الصعيدين الداخلي السوري والخارجي.
ويأمل غالبية السوريين أن تؤثر الموازين الجديدة باتجاه الدفع بإمكانيات الثورة في مواجهة النظام، وذلك من خلال تمكن الائتلاف الجديد من تجاوز خلافات المعارضة فيما بينهما، على المستوى الإيديولوجي والسياسي، وعدم جعلها معوقاً، أو مانعاً أمام توحيد وتنسيق الجهود من أجل المعركة الأخيرة للنظام.