«المنبر الديموقراطي السوري».. إما إضافة حاسمة أو دكان جديد
ميشيل كيلو
لا يستقيم أي عمل ديموقراطي في سوريا الحالية والمستقبلية من دون الاستناد إلى مسلمات، لا قيام لـ«المنبر الديموقراطي السوري» من دونها:
أ – استمرار التظاهر من أجل الحرية كمبدأ جامع لتنتهي أزمة سوريا القائمة إذا لم ينعم به جميع المواطنين، مع تأكيد طابعه السلمي، والعمل بدأب وإصرار لتوسيعه ونشره في جميع مناطق البلاد، ليكون تعبيرا عن وحدة المجتمع السوري ورفضه للنظام الحالي، وعن التفافه حول هدفه المنشود: إقامة نظام ديموقراطي بديل.
ب – زيادة أعداد المتظاهرين عبر استعادة من تركوا الشارع، وإقناع المترددين والمحايدين والمخوفين بحتمية انضمامهم إلى النضال في سبيل الحرية، إن كانوا يريدون نيل حريتهم الخاصة، والحفاظ على حياة المواطنين السوريين وصيانة دمائهم وممتلكاتهم، وإنهاء نظام لا يرى غير العنف المتصاعد وسيلة للتعامل مع مواطنات ومواطنين عزل ومسالمين، يتظاهرون في معظم قرى وبلدات ومدن سورية من أجل أن يعاملوا كبشر، ويعيشوا في نظام ركيزته الحرية والكرامة، وتحقيق العدالة لجميع السوريين والمساواة بينهم من دون تمييز أو استثناء، علما بان السوريين لا يريدون ولا ينوون التوقف عن المطالبة بما هو حق لهم، بعد ما قدموه من تضحيات جسيمة، وما عانوه من قتل وجراح وملاحقة واعتقال وإخفاء واختفاء، لاقتناعهم أنه ليس فقط حقا يكفله لهم دستور بلادهم، وإنما كذلك لأن حياتهم لن تكون جديرة بالبشر، بل حياة حيوانية، إن استمر حرمانهم منه.
ج- إضعاف النظام وتفكيكه من خلال الضغط بجميع السبل والوسائل الممكنة والمطلوبة، لكسر الاستعصاء القائم اليوم، الذي يعبر عن نفسه في عجز قواته وأمنه وشبيحته عن إخراج الشعب من الشارع، وعجز الحراك الشعبي عن إسقاطه طيلة اربعة شهرا إلى الآن. سيفعل المنبر الديموقراطي السوري كل ما يلزمه واجبه الوطني بفعله من أجل ترجيح كفة الشعب على كفة النظام، عبر الخطوات التالية:
1- بلورة أسس ومشتركات وطنية جامعة تتصل بوحدة الدولة وسيادتها على كامل أراضيها، وبوحدة الشعب والمجتمع السوري، وبالحرية كمبدأ ترتكز عليه الدولة وترعاه في علاقاتها مع مواطنيها، وبالمواطنة كحامل وحاضنة للنظام العام، وبحقوق الإنسان والمواطن كأساس للنظام القانوني وللعدالة الاجتماعية والمساواة العامة في الحقوق والواجبات، على أن تقدم لجميع أطراف السياسة السورية، لمناقشتها والوصول منها إلى أسس تعتمدها في مواقفها من مختلف المسائل الراهنة والمستقبلية، سواء كانت على صلة بالنظام القائم أم النظام البديل، على أن ينتج توافقها عليها الوحدة المطلوبة بين فصائلها، التي ستكون وحدة موقف ونظر، أكثر مما ستكون وحدة تنظيم وقيادة. لتحقيق هذا الهدف، يجب أن يشكل المنبر لجنتي تشاور وتعاون: واحدة في الداخل وأخرى في الخارج، يكلفهما بتطوير الحوار والتنسيق مع مختلف أطياف المعارضة بغض النظر عن الإطار الذي اختارت لنفسها العمل فيه، فضلا عن تقريب وجهات نظرها وتقديم مقترحات ملموسة وعملية تقلص أو تزيل خلافاتها، وتقديم بدائل في حالة وقوع استعصاء ما بينها، واقتراح سياسات وحلول تتيح تجاوز تناقضات المواقف والرؤى، ضمن نشاط تفاعلي مع الجميع يقيم بينهم جسورا للتوافق والتكامل. لن يتهاون المنبر في مقاومة أي سعي لتفتيت المعارضة أو لتمزيق ما هو قائم من مكوناتها، ولن يقبل أية خطة تعتمدها أية جهة منها لا تجعل التناقض مع النظام دليل عملها وواجبها الذي لا تحيد عنه، لأي سبب أو هدف كان، ولن تقبل المعارك الجانبية والخطط الخاصة التي تحيد عن هذا المبدأ، كما سترفض بتصميم أية محاولة يقوم بها أي طرف معارض لتطييف النضال الوطني، ولن يوقف جهوده لتوحيد صفوف الشعب من خلال حوار التنسيقيات، الذي يجب أن يقود إلى وحدة مواقفها ونضالاتها، ووحدة مواقف ونضالات المعارضة على أرضية وحدتها، التي يجب أن تكون راسخة في الوعي والواقع الشعبيين. وسيقاوم محاولات النظام لجر الشعب إلى ما يخالف هدف الحرية والعدالة والمساواة، مهما كانت الصورة التي تأخذها، وسيفعل وسعه لإقامة «لجان عمل وطني» متنوعة بتنوع مشكلات البلاد والعباد، تنتشر في كل مكان، وتضم مواطنين من مختلف الانتماءات السياسية والعقائد الدينية والأيديولوجية وشتى مناطق البلاد، من مهامها حماية الوحدة الوطنية من العبث الرسمي، وتأسيس نمط جديد من وحدة الشعب والمجتمع يقوم على تقويض العصبيات والنزعات التفريقية والتمزيقية، التي دأب النظام على رعايتها وتغذيتها خلال العام الماضي بصورة خاصة. ستغطي «لجان العمل الوطني» سائر الأنشطة العامة في كافة تجلياتها القانونية والإنسانية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية، وستركز على مواكبة هموم المواطنين وإيجاد حلول لها، من دون أن تتجاهل القضايا التي تتصل بإعادة ترميم ما مزقه الحل الأمني من لحمة وطنية ونسيج اجتماعي/ إنساني في المناطق التي استهدفها بعنفه الأعمى، على أن يتم ذلك بالتعاون مع كل من يريد التصدي، أو يتصدى بالفعل، لسياسات النظام في هذه المجالات، ومن يكرس نفسه لهذه المهام، بغض النظر عن هويته السياسية.
لقد مزق الحل الأمني بلادنا إنسانيا، وهو يكاد يمزقها جغرافيا، ولا بد ان يولي المنبر هذه النتائج المأساوية بالنسبة لمجتمعنا ودولتنا ما تستحقه من اهتمام عملي وتوعية عامة، سواء في عمله أم بالنسبة إلى علاقاته .
2- دعم الجهود، التي تبذلها مؤسسات وهيئات الشرعية الدولية، أو الدول مجتمعة ومتفرقة، في سبيل إيجاد حل سياسي لأزمة سوريا يوقف العنف الرسمي ويفرض مرحلة انتقالية تأخذ بلادنا إلى نظام ديموقراطي بديل لنظامها الراهن، الذي فقد شرعيته الشعبية بعد ان فقد منذ وقت طويل مسوغات وجوده، وكشفت نتائج سياساته خلال السنوات الأربعين الماضية كم استهتر بالمصالح العليا للدولة والمجتمع، واستهان بالشعب وأهانه، وكم عمل بروحية الفئة المغلقة المعادية لمحيطها الوطني، وركض وراء مصالح خاصة خربت علاقاته مع الشعب وأفقدته أية صدقية. لا بد أن يسعى المنبر كذلك إلى توحيد المواقف الدولية من الانتقال الديموقراطي ومن تصعيدها، للحيلولة بين النظام وبين الإفادة من خلافات وتناقضات الدول الكبرى، ولمنعه من إطالة عمره عبر تصعيد حلوله الحربية، التي اعتمدها طيلة ثلاثة عشر شهرا مضت، بعد أن زاد «الفيتو» الروسي فرص تحويل الصراع الخارجي إلى إطار تتصارع فيه وعبره الأطراف السورية الداخلية، لكنه ما لبث أن تطور بشكل مغاير خفف من حدة خلافاتها مع أميركا، عبر عنه بيان مجلس الأمن الرئاسي، الذي تمت ترجمته إلى مهمة تتضمن ست نقاط كلف الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي أنان بالإشراف على تنفيذها، طبقا لأهداف واضحة تلتزم بتحقيقها هي: وقف إطلاق النار وسحب الجيش إلى ثكناته… وصولا إلى إقامة نظام ديموقراطي، وذلك استنادا إلى مبادرة جامعة الدول العربية، التي سبق للنظام والمعارضة أن قبلا بها. من الطبيعي أن تنال مهمة أنان دعم «المنبر»، وأن يؤيد تطبيق بنودها بندا بندا: بدءا بوقف إطلاق النار ونشر مراقبين يسهمون في استتبابه، إلى حماية التظاهر السلمي والإشراف على إطلاق سراح المعتقلين، وصولا إلى النظام الديموقراطي البديل، الذي لا محيد عنه.
3- وضع مخططات تفصيلية تتضمن الخطوات التكتيكية المطلوبة لتنفيذ هذا البرنامج ببنوده الداخلية والخارجية، يكون محورها رؤية الخارج بدلالة الداخل وليس العكس، ورؤية الادوار الحزبية والجماعية بدلالة الداخل وليس الخارج، والتركيز على استقلالية قرار المعارضة الوطني في اتصالها مع سلمية ومجتمعية الحراك وحدهما وليس في علاقاتها بهذه الجهة الاجنبية أو تلك، وانتهاج سياسة ترى في الشعب قوة جبارة يمكنها حسم الصراع لصالح الحرية والعدالة والكرامة، وجهة وحيدة يجب أن تنصب جهودنا جميعها على تحصينها سياسيا، وتوطيد حراكها تنظيميا، وتعزيز قدرتها على حماية نفسها ومقاومة القتل والتدمير السلطوي، لكونها القوة التي تستطيع كذلك حماية الوطن من ألاعيب الخارج وأخطار الداخل، فمن الضروري والحتمي أن تكون قادرة دوما على التدخل للحفاظ على استقلال الدولة وسيادتها، والحيلولة دون نجاح النظام في أقلمة الصراع أو تطييفه، ولتحصين المجتمع في وجه تكسيره بالعنف السلطوي .
4- اتباع سياسة إعلامية تعبر عن سياسة المنبر ومصالح الشعب الوطنية وحراكه الثوري، تركز على الصلة بين الحرية وبين حقوق الإنسان والمواطن، وتفضح أي انتهاك يطاولها، وتواكب تطورات الأزمة الراهنة وملابساتها المحلية والإقليمية والخارجية، وتسهم في رص صفوف المواطنين وفضح ألاعيب النظام، وتشرح بموضوعية ولغة صريحة ما يراه المواطن من أحداث ويواجهه من تحديات، دون كذب أو مبالغة، أو التفاف على الحقائق والوقائع.
بهذا يمكن لـ«المنبر» أن يكون إضافة سياسية جدية إلى واقع سوري متهتك على كافة صعده، وأن يصير جهة مفصلية في سوريا اليوم والغد. بغير ذلك، لا يجوز أن يستمر يوما واحدا في الوجود، ومن الأفضل له أن يعلن حل نفسه من أن يتحول إلى دكان جديد في بازار السياسات السورية والعربية والإقليمية والدولية المفتوح على مصراعيه لكل من يريد أن يرتزق!.
كاتب وناشط سياسي ـ سوريا
السفير