المواقف الدولية من الازمة السورية/ د. يوسف نور عوض
أكثر من ثلاث سنوات والشعب السوري يواجه ظروفا قاسية، ومع ذلك لا يبدو هناك ضوء في آخر النفق، كما أن المواقف الدولية لا تبدو واضحة في مواجهة أزمة هذا الشعب. وعلى الرغم من أن أحوال كثير من دول العالم العربي لا تدعو إلى الإطمئنان، فإن الموقف السوري بصفة خاصة يثير تساؤلات كثيرة حول المواقف الدولية.
بعض الآراء تقول إن معظم دول العالم لا تريد أن تتدخل بصورة مباشرة في الصراع الدائر في سوريا، ويذهب آخرون إلى القول بأن العقوبات المزعومة قد تجبر الرئيس بشار الأسد إلى تغيير مواقفه في مرحلة من المراحل.
والغريب أن الجامعة العربية ثبتت نفسها في حالة من التردد والضعف لم يسبق لها مثيل، وقد يفسر ذلك من زاوية أن الجامعة العربية لا تملك قدرات لوجستية تمكنها من التدخل المباشر في سوريا، ولكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا يسمح المجتمع الدولي باتساع هذه المأساة على هذا النحو؟
هنا لا يتحدث الكثيرون عن الانحياز لأي فريق ضد الآخر وإنما يتحدثون عن وقف المجازر التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا في العصر الحديث، فهل هناك أي حاكم أو نظام حكم من مهمته أن يقتل شعبه ويدمر بلاده على هذا النحو؟
ليس الغرض من الإجابة على هذا السؤال المهم توجيه الإدانات، بل الهدف هو اللجوء إلى المنطق الذي أصبح غائبا في عالم اختلطت فيه الأوراق خاصة حين يزعم أن مرحلة الحرب الباردة قد انتهت في الوقت الذي نرى فيه معظم المواقف الدولية تتحكم فيها الاستراتيجيات نفسها التي كانت سائدة خلال تلك الحرب.
يقول الكثيرون إن هناك الآن حالة من التردد في استخدام القوة لحل الأزمة السورية، ويرجعون ذلك إلى الأسباب التالية :
اولا عدم وجود اتفاق دولي على ما يجب فعله في سوريا، ويختلف هذا الموقف عما كان عليه الحال في ليبيا عندما فرض مجلس الأمن منطقة لحظر الطيران فوقها حماية لشعبها، وهذا ما لا يستطيع المجلس فعله الآن بسبب المعارضة الروسية والصينية، ويحاول البلدان إقناع المجتمع الدولي بأن الموافقة على التدخل في سوريا سوف يدخل هذا البلد في حالة من الظلام، وهل هناك ظلام اكثر مما هو فيه البلد الآن؟
ثانيا: لا توجد هناك أي جهة في العالم تريد أن تتخذ قرارا منفردا يضع حدا لما يجري في سوريا على الرغم من بعض الضغوط، كما هو شأن المحافظين في الولايات المتحدة الذين يضغطون على الرئيس أوباما كي يتخذ موقفا منفردا من أجل التدخل في سوريا.
وهناك الكثيرون الذين لا يؤيدون هذا الاتجاه ويرون أنه قد يؤدي إلى كارثة، ويريدون من الأمريكيين أن يتذكروا ما حدث في العراق بعد التدخل الأمريكي.
ثالثا: يثير الكثيرون تساؤلات حول المعارضة السورية وطبيعتها، وما إذا كانت على درجة من القوة بحيث تطيح بنظام بشار الأسد، ولا يقتصر الأمر على قوة المعارضة وحدها بل على وحدتها، وما إذا كانت تحمل مفاهيم متقاربة.
ويرى الكثيرون أن من الخطورة بمكان إعطاء الأسلحة للمعارضة قبل التأكد من هويتها، وكما نرى فلايعدم المترددون الأسباب التي يبررون بها مواقفهم دون أن يحددوا الوسائل التي يتمكنون بها من تحقيق ما يريدون.
ويذهب البعض إلى القول، على الرغم مما يجري في سوريا فإن بشار الأسد مازال يمتلك بين عشرين إلى ثلاثين في المئة من تأييد شعبه، ولكن حتى لوكان يمتلك ذلك فهل يعتبر ذلك كافيا لكي يحدث كل هذا الدمار في بلاده؟
يبدو في نظر الكثيرين أن المشِكلة لها أبعاد أخرى، فهي لا تقتصر على جوانبها السياسية إذ لها أبعاد طائفية ودينية، ويرى الكثيرون أن أغلب مؤيدي الأٍسد من المسيحيين والعلويين والطائفيين، وهو ما يجعله يتحدث إلى هذه الطوائف بكل ثقة بأنهم سيكونون في مأمن فقط تحت راية حكمه. ويرى الكثيرون أن الأهم من كل ذلك هو أن الأسد يلقى دعما كبيرا من الجيش والقوات المسلحة التي هي في نظرهم أقوى بكثير من الجيش الليبي في عهد معمر القذافي، ويجعل ذلك في نظر الكثيرين من الصعوبة بمكان أن تحل المشكلة السورية من خلال تدخل عسكري، خاصة إذا كان من المتوقع أن يجد الجيش السوري مزيدا من الدعم من الصين وروسيا في حال تعرضت البلاد لتدخل من قوى أجنبية خارجية.
ويعتقد البعض أن هناك صعوبة في التدخل العسكري في سوريا لأن وضع البلاد يختلف عنه في ليبيا التي كانت سائر المواقع فيها على الساحل، وليس هذا هو وضع سوريا التي لا يتوقع أن تقدم الدول المجاورة لها أي دعم لتدخل خارجي .خاصة من جانب العراق ولبنان والاحتمال الوحيد هو أن يكون التدخل من جانب تركيا ولكن لن يكون ذلك أيضا بدون مخاطر.
وعلى الرغم من هذه المحاذير فلا يبدو أن الولايات المتحدة قد استبعدت كل الاحتمالات، ولكنها بكل تأكيد تفضل في هذه المرحلة أن تعتمد على العقوبات وحدها. وتبرر الولايات المتحدة هذا الموقف بأنها لا تريد أن تشعل مزيدا من النيران من أجل أن تتسع دائرة الحرب الأهلية لتصبح حربا شاملة في داخل البلاد. وترى الولايات المتحدة أن نظام الأسد لا يستطيع أن يصمد طويلا وهو يواجه هذه الظروف الصعبة، خاصة أن المشقة التي يواجهها المواطنون قد تجعل المزيد منهم ينقلبون ضد النظام، ولا يستثنى في ذلك جنود القوات المسلحة، ويذهب الخبراء إلى أن مصير الأسد يعتمد على تحرك الطبقة الوسطى، ويعتمد تحرك هذه الطبقة على الضائقة المعيشية التي قد يصادفونها في مثل هذه الظروف، ولا شك أن لهذا الرأي وجاهته بشرط ألا يلقى الرئيس بشار الأسد دعما من القوى المناصرة له، ومنها روسيا والصين.
والمهم في كل ذلك هو أن التركيز الآن أصبح على الجوانب الاقتصادية التي يعتقد الكثيرون أنها ستكون العامل الحاسم في تحديد مصير نظام الاسد.
ويبدو في حالة الصراع الدائر في سوريا، أن النظام سيواصل سياساته حتى آخر لحظة، إذ لا يوجد ملاذ آمن لقادته، بكونهم عملوا على تقتيل مئات الآلاف من أفراد شعبهم،وتلك مسؤولية كبيرة قد تجد بعض الدول صعوبة كبيرة في المساومة حولها.
‘كاتب من السودان
القدس العربي