صفحات العالم

الأســد: أميـر الهزائـم


تحويل الانتكاسات إلى فُرَص هو السر الذي تعلمه الأسـد من أبيه

لويس باسيتس

ترجمة: الحدرامي الأميني

الولد سر أبيه. مُؤهَّلاً ومُدرَّبَاً من قِبَل والده من أجل خلافته. متكيفاً على السرية والتخفي اللذين بنى سلفُه نفسَه عليهما: سرية العسكر المتآمرين وتَخَفِّي العلويين، الطائفة الشيعية التي تمارس التقية في سبيل البقاء في عالم سني معاد. متربياً على العمل الدقيق والمتيقظ، على طول الأناة والتحسب، الخصائص المبكرة التي طوَّرها الأب، حافظ الأسـد، منذ أن شارك عام 1960 في تأسيس اللجنة العسكرية، من السوريين السائرين على خطى ضباط عبد الناصر الأحرار. لكن فوق كل شيء، متعلماً ومعتبراً، كأبيه، من الهزائم، القاعدة الأساسية للسلطة العائلية إضافةً إلى القمع: الهزائم على أيدي الجيوش الغريبة – إسرائيل – والانتصارات على القريبة – العرب –، مثله في ذلك مثل طغاة آخرين كثيرين وجيوش الانقلابيين عبر التاريخ.

يقاوم بشار الأسـد كثيراً لأنه يعرف، مثل أبيه، تحويل الانتكاسات السياسية إلى فرص من أجل البقاء في السلطة. متصفاً، مثل أبيه أيضاً، بشعور بالاستعلاء على منافسيه، “الذين لا يقومون بواجباتهم، ولهم ذاكرة قصيرة، ويتصرفون بطريقة مندفعة ” وفق باتريك سيل، كاتب سيرة الديكتاتور الراحل، والمصور الدؤوب لشخصيته المعقدة (الأســد، الصراع على الشرق الأوسط 1988).

لم يكن الأسـد الأصغر قد وُلد بعدُ عندما رُقيَّ والده إلى قيادة القوى الجوية السورية، وكان بالكاد في عامه الأول عندما أصبح والده وزيراً للدفاع سرعان ما تحول إلى رجل النظام القوي ليتسلم المسؤولية الأولى – عن طريق القوة، بطبيعة الحال، لكن بدون دماء هذه المرة – الأمر الذي حدث في عام 1971. هُزِم الأسـد الأب عسكرياً في مواقع مختلفة للمسؤولية، في حرب الأيام الستة، في حرب يوم الغفران (تشرين الأول|اكتوبر) وفي لبنان عام 1982. أما سياسياً وديبلوماسياً، فلا يُعلَم حتى عدد المرات التي تجرع بها مرارة الهزيمة. خاصةً بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل. هزيمته الأخيرة كانت عند نهاية الحرب الباردة مع اتفاقيات أوسلو. في العقود الثلاثة الأخيرة، كانت سوريا تخسر تحالفاتها وقواعدها في الشرق الأدنى، إلى أن بلغت الحالة الراهنة من العزلة القصوى وخسارة الأصدقاء. لتعتمد فقط على الفيتو الروسي والصيني المزدوج وعلى التحالف الشيعي مع إيران آيات الله.

الاستفادة من الضعف هي، بالتالي، تقنية (أسلوب) السلطة المُعَاشة في البيت والموروثة من الأب. من هزيمة إلى أخرى، ومع الدماء إلى الركب، استطاع الأسـد البقاء لأكثر من عام. وبفضل روسيا والصين حوَّل محاولات الإدانة في مجلس الأمن إلى رُخص للاستمرار في المذبحة. خلال هذا العام من الدم والنار قام بإصلاحات أكثر من تلك التي قام بها في تاريخه كله: جميعها عديمة الجدوى، ماكياج خالص بدون حجاب على وجه الديكتاتورية.

مباشرة بعد بداية الانتفاضة، رفع الأسـد حالة الطوارئ المفروضة منذ تسعة وأربعين عاماً، في 1963، قبل سنة من ولادته، عندما استولت جماعة من الانقلابيين البعثيين بينهم والده على السلطة بقوة الرصاص وبدون رحمة (800 قتيل و20 إعداماً). في هذا العام والنيف من الانتفاضة لم تكن تنقص الإجراءات الاصلاحية، وحتى الانتخابات، والاستفتاء، وإصلاحات دستورية تتضمن الاعتراف بالتعددية السياسية ونهاية احتكار حزب البعث للسلطة: إنها كوميديا شريرة، مصحوبة بقدر هائل من الدم والألم (9000 قتيل)، ويُراد بها مراعاة المظاهر، وفي الآن ذاته، إخفاء المعايب.

هذه الروح المعنوية العالية تجاه الهزيمة التي بنت عليها طغمة الأسـد العلوية سلطتها ليست هي التفسير الوحيد للمقاومة والمرونة بطبيعة الحال. فحسب ما يقول باتريك سيل، فإن والده “لم يكن يتقبل الهزيمة، حتى في أسوأ اللحظات”. لكنها تنفع في فهم استعداده الجيد للتفاوض وقبوله الشكلي لقسم كبير من الاقتراحات التي تُطرح عليه، مهما كانت قاسية ومتطلبة. فالبراعة في تحريفها وتشويهها لا نهاية لها. من هنا الحذر الذي يجب أن يُستَقبَلَ به قبوله لخطة السلام الأخيرة، التي حملها إليه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي انان.

لكن اقتراح انان له مزية: فهو ليس خطة للسلام بقدر ما هو امتحان حاسم، مقبول من الجميع، بمن فيهم النظام وحليفاه الروسي والصيني، من أجل تبيُّن الطريق. قليلون جداُ هم من يعتقدون في نجاحها. لكن في العاشر من ابريل| نيسان سيمكن التحقق من تطبيقها الصعب: يتوجب على الأسـد سحب قواته المسلحة من المدن، والسماح بالمساعدات للسكان المدنيين، وتوفير حرية الحركة للصحفيين، والاعتراف بحقوق التجمع والتظاهر. بالتزامن مع قبوله للخطة، أكد النظام أنه تم إخماد الانتفاضة بالفعل. كل شيء سيتضح يوم الثلاثاء القادم: فإذا امتلأت الشوارع من جديد بالمتظاهرين ولم يهاجمهم أحد، فسنعلم أن خطة انان قد نجحت وأن هناك تحولاً قد أطل برأسه، وفي حال عدنا إلى ما عهدناه خلال عام، وهو أمر مرجح كثيراً، فلن يكون هناك أي هامش، لا لأمير الهزائم ولا للمجتمع الدولي، للاستمرار في المهزلة.

http://internacional.elpais.com/internacional/2012/04/04/actualidad/1333568107_544891.htm

– صحيفة ال باييس الإسبانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى