النظام السوري والمسيرات المزوّرة
بدرالدين حسن قربي
مظاهرات بعشرات الآلاف أطلقها النظام السوري إظهاراً للدعم الجماهيري لشخصه وسياساته، وتأكيداً على التفافها حول قيادته المقاومِة المستبدة والممانِعة الفاسدة، والناس فيها كلهم حول رئيسهم وناسه بين حالات اللف والالتفاف والملفوف، ولايقع فيها حادث واحد من قتل أو جرح أو ضرب بعصي أو غاز مسيّل للدموع أو حتى إطلاق للرصاص في الهواء. وهي بالتأكيد، مسيرات مبرمجة مسيّرة ومأمورة مزوّرة من قبل أجهزة النظام ومؤسساته الأمنية والرسمية ومغطّاة من قبل أجهزة إعلامه، تشخصن الوطن بالفرد، الذي تفديه بالغالي والرخيص وأن أرواحها ودمها فدوى له، مع أن التظاهر ممنوع حسب قانون الطوارئ المعمول به في سورية منذ قرابة خمسين عاماً. أما مظاهرات الاحتجاج والتي توصف بآحاد الأرقام وعشراتها المعارضِة حسب الرواية الرسمية للنظام وسياساته، والتي تُظهر شعاراتها التفافها حول الوطن لأنه عشقها وهي تفديه بالروح والدم، وأن لها عشيقة هي الحرية، وأن معارضتها هدفها إنهاء القمع والاستبداد والخلاص من النهب لثروات البلاد والعباد من قبل جماعة النظام ومقربيه، تواجَه هذه المظاهرات البسيطة بالرصاص وكل أدوات القمع من حرس جمهوري وأمن وشبيحة. وعليه، فإن مظاهرات غير الموالين ممنوعة ومقموعة لأن البلاد في حالة إعلان طوارئ لاتسمح بمثل هذه الأعمال التي توهن الوطن، وتضعف نفسيته خصوصاً لمن هم في قمة النظام، فنداءاتها وشعاراتها وبكلماتها المعدودات بعيداً عن الشخصنة والتعبد تجعلها مخيفة بل مرعبة لهم، لأن من بيدهم الأمر يعلمون حقيقة التسيير والتدبير والتزوير فيما يسيّرونه ويفعلونه. ومن ثم فلو كان متظاهرنا فرداً واحداً فإنه مرعبهم، فليس غريباً أن يكون هو ذالك الرجل الذي تقمص روح الشاب بوعزيزي مخلّص الشعب التونسي، الذي كان السبب الرئيس في الرحيل المبكّر لابن علي. ومثله في الرعب أيضاً إذا كان النداء كلمةً وحيدةً لاغير اسمها حرية. وعليه، فكيف إذا كان الفرد أفراداً ومئاتٍ وآلافاً، وكيف إذا كانت الكلمة الواحدة كلماتٍ وسطورأً بل جملاً ومقالات.
فلئن قالوا: مسيراتنا بمئات الألوف تتحداكم، ونحن مستعدون ولدينا من القوة والسلاح مايقمعكم ، قلنا: كذلك قال الذين من قبلكم في تونس ومصر وليبيا، ولكنه الباطل لايبدئ ولايعيد، غثائية خادعة تُجسّد المستبد القامع والفرد اللص الفاسد، من خانة (اللي بيقتل) شعبه خاين. ولئن قالوا: مظاهراتكم بالآحاد والعشرات، قلنا: ماينفع الناس يمكث في الأرض، وهؤلاء القليلون هم ملح الأرض يرعبونكم ويهزون كراسيكم بقلوب مؤمنة بعدالة قضيتها، وألسنة تلهج بنداء حريتها: حرية حرية، وبالروح بالدم نفديك سورية، وإلا لم كل هذا التوحش في القتل وإراقة الدماء في وجه آحادٍ ومئاتٍ قلّة مسالمين مطالبين بالحرية والكرامة، ورافضين لقيم الذل والخنوع إلا أن تكون قلوبكم هواء خوفاً وهلعاً ورعباً.
إن آحاد المطالبين بالحق والكرامة وعشراتهم ومئاتهم أبقى حتى من عشرات ألوفكم المرغمة بتسلطكم واستبدادكم على الخروج في مظاهرات مزيفة، مثلها مثل المظاهرات التي كانت للراحل ابن علي وللمتنحي مبارك وللقذافي المتنّح.
مسيراتكم ليست غير مسيراتهم ولكنهم رحلوا وفرقونا والناس خلصت منهم، وإن تأخر القذافي قليلاً فلأنه أشدهم تناحةً، وإنما شعبنا السوري أصدر حكمه بعد مداولات دامت أكثر من أربعين عاماً بين حكم الآب والابن، وقال كلمته وهو أقوى من الحاكم مهما بلغ جبروته وطغيانه وقمعه وقتله: الشعب يريد إسقاط النظام.