النظام السوري يراوغ… يترنّح… يكسب الوقت
زين الشامي
بعد يوم واحد فقط على إعلان النظام السوري موافقته على خطة الجامعة العربية لوقف العنف وتسوية الأزمة في سورية، والتي قضت بالتوقف عن قتل المتظاهرين والمعارضين، وبإخلاء المدن والأحياء السكنية من المظاهر المسلحة للجيش وسحب القوات الأمنية… بعد يوم واحد فقط قتل هذا النظام نحو خمسة وعشرين مدنياً غالبيتهم من مدينة حمص.
ليس ذلك فحسب، فالنظام السوري الملطخة أياديه بالدم، والذي لديه تاريخ طويل ومستمر إلى الآن في نقض تعهداته ووعوده، يعمل على تجويع وإذلال الأهالي المنتفضين، وبخاصة في الأماكن والبؤر الملتهبة التي لم تستطع القوات الأمنية اخفات صوتها رغم كل حملات الاقتحام والقتل والاعتقال.
ففي مدينة حمص، التي قتل فيها أكثر من ثلاثة أرباع من قتلوا من كل السوريين منذ بدء الاحتجاجات في منتصف مارس، يعاني أهلها من نقص حاد في الخبز والدقيق، وعملت السلطات الأمنية و«البعثية» هناك على تعطيل الكثير من المخابز بغية حصار الناس في لقمة العيش وإذلالهم وتركيعهم. وقالت تقارير نقلا عن سكان المدينة ان الحكومة السورية قلصت مخصصات مادة الطحين والوقود إلى الأفران عن الأحياء المعروفة بمعارضتها للنظام، والتي تتجاوز نسبتها الـ 85 في المئة من أحياء المدينة. إن هذه السياسة في التعامل مع السكان هي سياسة قوى أجنبية واحتلالية لا تشبه إلا تعامل السلطات الإسرائيلية مع سكان غزة.
وعودة لموافقة النظام على بنود الخطة العربية فلابد من القول ان رد النظام كان واضحا في حمص بعد يوم واحد من التوقيع عليها في مقر الجامعة العربية في القاهرة، لكن رغم ذلك يجب الانتباه إلى أن هذه الموافقة تعتبر نصراً للمعارضة والمتظاهرين، لأن موافقة النظام بعد ثمانية أشهر من رفض الاعتراف بوجود تظاهرات سلمية معارضة له وإصراره على تصوير الأزمة كما لو أنها بين الجيش و«جماعات إرهابية مسلحة» تعني أن النظام بات مقتنعاً أنه لن يستطيع القضاء على التظاهرات بواسطة الحل الأمن. ومن ناحية أخرى فإن الموافقة على كل الشروط التي وضعتها اللجنة الوزارية العربية تعني في ما تعنيه أن كل خطاب النظام الإعلامي سابقا كان خطابا كاذبا، فالموافقة على سحب القوات الأمنية والمظاهرالمسلحة ووقف العنف يعني اعترافا ضمنيا بارتكابه القمع والقتل ضد المتظاهرين، وقبوله الحوار مع المعارضة ينفي وجود «عصابات مسلحة إرهابية» هي من كانت تتسبب في العنف ونزول الجيش إلى الشوارع واحتلال المدن والقرى والبلدات المنتفضة في غالبية المحافظات السورية.
كذلك فإن الموافقة على الإفراج عن المعتقلين منذ بدء الاحتجاجات، يعني أن الاعتقالات كانت سياسية وليست جرمية، وهي اعتقالات مورست ضد متظاهرين سلميين وليس «عصابات» كما كان يدعي خطاب النظام الإعلامي ومسؤوليه. أيضا الموافقة على الحوار مع المعارضة السورية خارج الأراضي السورية يعني قبول النظام بها كطرف ند ومواز له، وليس مجرد «عملاء مرتبطين بالخارج ويننفذون مؤامرة مشبوهة للنيل من مواقف سورية القومية والعربية»، وأيضا فإن الموافقة على الحوار مع المعارضة تنسف كل ما قيل عن مؤامرة «عربية وتركية وإسرائيلية وقطرية وسعودية ولبنانية وأميركية».
نحن نعرف تماما أن النظام السوري ما كان ليوافق على المبادرة العربية لولا جملة ضغوطات مارستها عليه كل من روسيا والصين علّها تشكل فرصة اخيرة للنظام، وتمنع سيناريوات أسوء تنتظره في حال استمراره في تعنته ورفضه، ومن ناحية ثانية تشعر موسكو وبكين باحراج كبير نتيجة الضغوط التي تمارس عليهما من قبل الغرب والرأي العام العالمي على خلفية مواقفهما الداعمة للنظام القمعي في سورية.
لكن ما هي حظوظ نجاح هذه المبادرة، وهل ستصمد في ظل استخدام النظام لها ونظرته الضمنية لها على أنها مجرد فرصة لكسب الوقت؟ كذلك هل ستصمد لطالما أن المنتفضين والمتظاهرين لم يروا فيها إلا مهلة إضافية تمنحها الجامعة العربية للنظام من أجل اعطائه فرصة جديدة للقتل؟ أيضا فإن حظوظ نجاح المبادرة تبقى واهية طالما أن المجلس الوطني السوري، وهو أهم أطراف المعارضة التي تعبر عن الحراك الداخلي، لم يوافق عليها.
من الواضح أن الرئيس السوري لم يقبل الاتفاق إلا لكسب الوقت وليؤجل سقوطه، فالاتفاق لن يحترم «لأن هذا النظام لا يمكن شفاؤه من إدمانه القتل» حسب المحامي والناشط الحقوقي هيثم المالح.
إن السوريين، ومعهم غالبية المجتمع العربي والمجتمع الدولي، يعرفون تماما حقيقة هذا النظام، ويعرفون تماما مصدر القتل المنظّم الذي تعيشه سورية منذ ثمانية أشهر، لا بل منذ أكثر من أربعين عاما. إنهم يعرفون من يعتقل ومن يقصف المدن والقرى والأحياء، ليس ذلك فحسب، إنه نظام ممعن في سياسة القتل، ولو رجعنا قليلا إلى تاريخ هذا النظام منذ السبعينات وحتى اليوم، سنعرف تماما أنه نظام ممعن في القتل وإرهاب معارضيه حتى لو كانوا يعيشون خارج الأراضي السورية وحتى لو لم يكونوا سوريين.
وبصراحة أكبر ان النظام لن يعمل للحظة واحدة على تنفيذ خطة الجامعة العربية لأنه لو نفذها لسقط خلال أيام قليلة، لأن تنفيذها يعني عمليا خروج غالبية السوريين إلى ساحات المدن الكبرى وخاصة دمشق واحتلالها حتى إسقاط النظام وهو ما يعرفه ويدركه النظام تماما. إن النظام يترنح وسقوطه مسألة وقت والأيام القريبة ستثبت ذلك.
كاتب سوري