الوضع في سورية خطر جداً
جهاد الخازن
لم أخفْ قَطّ على مصر رغم ثورة الغضب والتظاهرات المليونية في ميدان التحرير، فقد كانت قناعتي ولا تزال أن مصر لن تواجه خطر حرب أهلية سواء بقي الرئيس أو رحل، فرئيس سنّي سيخلف رئيساً سنّياً، مع وجود غالبية سنّية تزيد على 90 في المئة من السكان. في سورية لا أشعر بالطمأنينة نفسها، فهي بلد يضم أقليات كثيرة، وتغيير الحكم أو الحاكم لا يمكن أن يتحقق سلْماً، وهذا يعني كارثة مضاعفة لأن سورية تتمتع بأفضل سجل في الشرق الأوسط كله في حسن التعايش بين طوائفها المختلفة، ويكفي أن ننظر على سبيل المقارنة الى ما تعاني منه الأقليتان الأشورية في العراق والقبطية في مصر.
إذا كان من قاسم مشترك بين الوضعين في مصر وسورية، فهو أن كلاًّ من الرئيسين تأخر في اتخاذ الخطوات المطلوبة لتنفيس الاحتقان الشعبي. وفي حين كنت أتوقع أن يتأخر الرئيس حسني مبارك فهو مسنّ ومريض، إلاّ انني اعتقدت أن الرئيس بشار الأسد سيسبق جمهوره الى عرض الإصلاحات التي يريدونها، فهو شاب وذكي وله قدرة على العمل 18 ساعة في اليوم، والى جانبه قرينته أسماء الأسد وهي شعلة ذكاء، مع جهد واجتهاد وحسن وشباب.
لو أن الرئيس مبارك صرّح قبل أيام من 25 كانون الثاني (يناير) بما صرح به بعده، لما احتاج شباب مصر الى الثورة. ولو أن الرئيس الأسد عرض في خطابه في البرلمان الشهر الماضي برنامجه الإصلاحي لما انتشرت التظاهرات من درعا الى بقية المدن السورية.
الرئيس بشار الأسد ما كان ليحتاج الى تظاهرة أصلاً ليبدأ حركة إصلاحية، فمنذ عرفته، وكل حديث لي معه يتطرق الى الإصلاح ومكافحة الفساد. وكنت أقابل الدكتور بشار بعد عودته الى سورية من لندن إثر وفاة أخيه الأكبر باسل في مكتب في جبل قاسيون، ويشمل كل حديث أفكاره عن إصلاح العمل السياسي ومكافحة الفساد. واستمر هذا الحديث بيننا عندما تولى الحكم سنة 2000، وأصبحت أقابله في قصر الروضة في دمشق، وبعد ذلك في قصر الرئاسة الجميل المطل على دمشق.
اليوم أنظر الى تطورات الأوضاع في سورية وأقلق كثيراً فأنا أريد أن يُغيِّر الرئيس النظام، لا أن يتغير النظام، وقناعتي هي أن ألف دكتور بشار ولا مرة البديل الأكثر احتمالاً من جماعات أصولية متطرفة، وقد رأينا أفعال السلفيين في مصر والأردن وقطاع غزة، وسمعنا أقوالهم، وهم لا يختلفون كثيراً عن طالبان والقاعدة وعقلية الكهوف.
السطور السابقة هي عن المتطرفين المتخلفين دينياً وعقلياً وسياسياً وليست عن الإخوان المسلمين أو الشباب المتظاهرين وما لهم من طلبات محقة. ثم إن عندي سبباً إضافياً للقلق سأختصره بمثلين.
– السيناتور الليكودي جو ليبرمان الذي يمثل إسرائيل في الكونغرس ضد مصلحة «بلاده» الولايات المتحدة قال إن إدارة أوباما لا تفعل شيئاً لدعم المقاتلين من أجل الحرية في سورية.
– «واشنطن بوست» الليبرالية في كل شيء باستثناء صفحة الرأي نشرت مقالاً افتتاحياً عنوانه «القمع الدموي في سورية» حرض الإدارة على فرض عقوبات على سورية وتحويلها الى مجلس الأمن وسحب السفير الأميركي «لأن هذه ستكون خطوات ضد نظام هو حليف إيران الأقرب في الشرق الأوسط ويزود حماس وحزب الله بصواريخ لإطلاقها على المدن الإسرائيلية…».
الفقرة التي اخترتها تكاد تكون زلة لسان فرويدية، فالعقوبات التي تطلبها الجريدة أسبابها إسرائيلية خالصة، وأقول للمرة الألف إن حماس وحزب الله فصيلا مقاومة ضد دولة مجرمة محتلة تقودها عصابة إرهابية تقتل النساء والأطفال بسلاح أميركي، وبحماية الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.
الأميركيون عندهم عبارة تقول «احذر أن تحصل على ما تتمنى» والليكوديون لو حققوا ما تمنّوا لوجدوا أنفسهم أمام متطرفين انتحاريين يحترفون الإرهاب ويستحيل أن يعترفوا بإسرائيل في أي عملية سلام.
كل ما سبق لا ينفي أن الوضع في سورية خطر جداً، وقد سقط قتلى في التظاهرات، وقتلى أثناء تشييع الضحايا، ولم أقرأ بعد رقماً واحداً مرتين، فنحن إذا عجزنا عن التحديد نقول «عشرات» وبالإنكليزية يُقال «دزينات» وأيضاً «عشرينات»، وقد قرأت 300 قتيل حتى الآن في تقديرات منظمة مراقبة حقوق الإنسان، و200 قتيل في تقديرات منظمة العفو الدولية، وهي لو كانت ثلاثة قتلى أو أربعة تظل كارثة إنسانية، لذلك بداية الحل وقف القتل وبدء حوار بنيّة صافية.
الحياة