صفحات العالم

حول المأزق السوري والجوار: العرب … «تتكلّم تركي»!


عادل مالك *

كل ما يجري في المنطقة تطوّرات غير مسبوقة من عملية عزل سورية بقرار من الجامعة العربية التي تسعى جاهدةً لاسترداد بعض ما فقده النظام العربي من أقصى المحيط الى أقصى الخليج، وما بعد المحيط والخليج.

تساءَلنا في المقال السابق، وفي هذا المجال بالذات، أن الأحداث في سورية بلغت شهرها التاسع، وفي العادة هذا هو «شهر الوضع»، فهل نحن أمام «حالة وضع أم عملية إجهاض؟» (الحياة 19 تشرين الثاني/نوفمبر) ومنذ ذلك الحين والأحداث تـتـسارع بوتـيـرة عـاليـة في سيـاق المنـازلة بين سورية من جهة والعالم العربي الرسمي وصولاً الى الغرب الأميركي منه والأوروبي. ومع انقضاء هذه الفترة الزمنية بكل ما حفلت به من تداعيات أكثر من تطور يجب التوقف عنده في نقاط رئيسة:

أولاً: منذ اندلاع الأحداث في سورية، لم يتوقّع العاملون على تقويض النظام السوري، لأن ساعة انهياره قد أزفت، أن يتمكّن هذا النظام من «الصمود» في وجه هذا الإعصار الهائل. وفي المقابل، لم يتوقع النظام، ربما أن «يصمد» الساعون والعاملون على مواجهة بشار الأسد كل هذا الوقت الطويل نسبياً. وفي ضوء هذا الواقع لا بد لكل الأطراف المتداخلة والمتدخلة في عملية قلب نظام الأسد من أن تجري إعادة عملية تقويم لما جرى حتى الآن، والعمل على استشراف ما هو آتٍ على المنطقة.

ثانياً: كان الغرب الأميركي منه والأوروبي نزع الصلاحية عن النظام في دمشق لكنّه بحاجة الى مظلّة عربية للتشديد على جديّة المجتمع الدولي في سعيه الى تعديل نظام الأسد وتبديله. وتأمن هذا الغطاء بإقدام 19 دولة عربية على محاصرة سورية من كل جانب، تبريراً للتصعيد في مواقف الدول الأطراف الفاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفي هذا المجال بدا واضحاً أن تركيا هي رأس الحربة في ما يجري وما يتوقع له أن يجري.

وتتصف تركيا بواقع جغرافي مميّز لسورية، والإجراءات والتدابير التي أعلنت عنها أنقره قبل أيام قليلة تعكس حقيقة هذا الدور. على أن اللافت في هذا المجال بالذات هو انضمام تركيا الى مؤسسة الجامعة العربية في سعي منها لتقديم جرعات من الدعم لسحب البساط من تحت أرجل النظام السوري.

وفي هذا السياق يمكن أن نقول من وحي ما نشهده ان العالم العربي في معظمه، ومع بعض الاستثناء، يتكلّم التركية بطلاقة. والسؤال هنا: هل إن واقع الحال يؤشر الى «تعريب» تركيا أم الى «تتريك» العرب؟ وهذا في واقع الأمر توصيف جديد دخل الى قاموس المرحلة المصيرية التي تجتازها المنطقة.

ثالثاً: إنه زمن التسلّم والتسليم بين عدد من الزعماء العرب وبإشراف مباشر من حالة العداء العربية لسورية النظام، وليس الشعب، كما تقول العرب.

وفي المقابل، لا يزال زعماء العالم من باراك أوباما في واشنطن الى آلان جوبيه في باريس، الى سائر عواصم القرار في حال انهماك من إجراء المناقلات والتغييرات بين بعض القادة العرب، بعد ما جرى حتى الآن من تونس الى مصر الى ليبيا، الى اليمن، والبقية تأتي. وبناءً عليه، فإن «تسريح» عدد من الزعماء العرب قد أحدث حالة من البطالة على هذا الصعيد، وهناك بعض الفرص المتاحة لمن يجد في نفسه الكفاءة لتولّي هذه المناصب وما عليه إلاّ الحصول على شهادة حسن سلوك أميركياً وإقليمياً.

وفي مقابل إنجاز بعض الفصول من «لعبة الأمم» برز تسخين الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا التي برز دورها وتعاظم منذ نشوء ونشوب أزمات المنطقة. وأدّى الموقف الرسمي الداعم الى تجنيب سورية بيان إدانة من مجلس الأمن الدولي، بفضل «الفيتو» الروسي، والامتناع الصيني التقليدي.

وقد لوحظ ارتفاع الأصوات الصادرة عن موسكو بضرورة عدم «استيراد» أو تصدير السيناريو الليبي الى سورية. وفي رأيها إن التعاطي مع النظام السوري لا يكون بهذا الشكل، لأن الموقف الروسي يستند الى وقف العمليات المسلّحة التي يقوم بها بعض المقاتلين ضد العسكريين والمدنيين في سورية. وهذا الأمر كان موضع شكوى لدى دمشق بما أن دول الجامعة العربية والدول الأخرى لا تأخذ في الاعتبار وجود عناصر مسلّحة تتحكّم في مسار الأحداث في سورية. وتؤكد بعض المعلومات أن اتصالات مكثفة تجري خلف الستار بين موسكو وواشنطن ودول عربية وغربية أخرى في سعي الى تجنيب ما تشهده سورية من تطوّرات.

رابعاً: في واحدة من المفارقات التي تميّز المشهد السوري وما يتبعه، كان دعم المعارضة السورية في الداخل والخارج للعمل على تقويض نظام بشار الأسد، لكن من دون إعلان هذه الدول اعترافها بالمجلس الوطني الموقت. كذلك لوحظ أن بعض العواصم الغربية – تحديداً» لا تكف عن دعوة «المعارضات السورية» الى جمع صفوفها، والعمل على تضييق فجوة الاختلافات في ما بينها.

إذاً، ما زال الصراع المحموم على أشدّه بين «السورنة»، و «التتريك» والتدويل. أما بالنسبة الى العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سورية، لا يمكن إلاّ الاعتراف بأنها ستؤثر في الواقع السوري، لكن في المقابل هذا يعني أن عملية التأديب السياسية والاقتصادية التي يخضع لها النظام السوري سيمر بعض الوقت قبل أن تبدأ هذه العقوبات للشعور بوطأتها على النظام من جهة وعلى الشعب السوري من جهة ثانية. علماً أن الدول الضاغطة على الحكم في سورية تحاول بالمناداة من أن هذه العقوبات تمس النظام في شكل مباشر، لكن رُوعي في الاعتبار تجنيب الشعب السوري هذه التدابير. ومثل هذا الواقع شهدناه حيال الوضع في العراق زمن صدام حسين. فهل نحن أمام تكرار المشهد العراقي وقصة أسلحة الدمار الشامل، والتي تبيّن أنها مزاعم لا تستند الى معطيات أو قرائن حسيّة؟

وفي حقبة حافلة بالتطوّرات تتدخل الوقائع المادية مع الجانب النفسي من الحرب القائمة. وفي هذا المجال وفي سياق المواجهة الديبلوماسية بين روسيا وسائر دول العرب والعالم تمّ تسريب معلومات تتحدث عن لجوء سورية الى اتخاذ قرار بنشر صواريخ «سكود» على الحدود مع تركيا، وأن هذا التطوّر في حال التأكد من صدقيته، يأخذ بالأزمة في سورية ودول الجوار الى أبعاد جديدة بالغة التكلفة. وفي سعي من دمشق للعمل على التخفيف من حدة التوتر، ولو قليلاً، تم الإفراج عن أعداد «غير قليلة» من المعتقلين الذين يقدرون بالآلاف.

(في واحدة من مسرحيات الأخوين رحباني تقول السيدة فيروز «ما في حبوس تساع كل الناس»)، وهذا الإجراء تمّ استجابةً لبعض بنود «الحل العربي» الذي صدر عن جامعة الدول العربية وتركيّا!

وفي إطار المساعي الهادفة الى تبريد هذه الأزمة، عقد في جدة مؤتمر منظمة الدول الاسلامية والذي شارك فيه وزير خارجية سورية وليد المعلم، علماً أن المشادات التي وقعت بين المعلم وبعض المندوبين وأخصهم مندوب قطر وتركيا هي التي خيّمت على أجواء هذا اللقاء.

وبعد… هل من رؤية لاستشراف ما هو مقبل على المنطقة من أحداث؟

ضباب كثيف يلف الواقع السوري والواقع العربي في شكلٍ عام. وعلى رغم أن الخيارات المتاحة ليست كثيرة، يشير بعض المراقبين الدوليين المتابعين عن قرب لما يجري الى الاحتمالات الآتية:

> إقدام الرئيس بشار الأسد على تقديم «انحناءة ما» في محاولة أو سعي لاحتواء التدابير المتعاظمة التي اتخذت بحق سورية.

> سعي النظام في دمشق الى إظهار قوّته الشعبية عبر التظاهرات المؤيدة التي يشهدها عدد من المدن السورية، وهذا للقول إن مقابل التظاهرات المعادية هناك تظاهرات مؤيدة.

> دخول روسيا في شكل أكثر مباشرة على خط المساعي الآيلة الى احتواء الأزمة، بوقوف روسيا في شكل قوي ضد تغيير نظام الرئيس الأسد بالقوة. وهذا التطور إذا حدث يؤشر الى تعاظم الدور الروسي – المصلحي في المنطقة. وتعمل موسكو على استدراك الموقف حيال عجزها عن التأثير في مجرى الأحداث التي أدّت الى اقتلاع معمّر القذافي من جذوره، وسعي دول حلف الأطلسي للسيطرة على المغانم والمناجم القائمة في ليبيا.

ومن هذا المنطلق تكرر روسيا أنها لن تسمح بتكرار «السيناريو الليبي» مرّة أخرى في سورية. إضافة الى ممانعة روسيا للنداءات التي توجه يومياً الى الرئيس بشار الأسد بضرورة التنحي والمناداة بأن «أيامه باتت معدودة».

> إن تركيا تقود حملة شعواء على ما يجري في سورية وهي الأقرب جغرافياً إليها، في سعي من رجب طيّب أردوغان ومنظّر حكمه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو للخروج من الأزمة القائمة بنفوذ إقليمي بارز. لكن ليس في الأفق، حتى كتابة هذه السطور على الأقل، أن الدور الاقتحامي الذي تضطلع به تركيا ستكون له الغلبة، لأن الوضع في سورية أكثر تعقيداً مما يتراءى للبعض.

وعليه… العرب تتكلّم تركي! بانتظار تطوّر آخر قد يحدث بين يوم وآخر، بل بين ساعة وأخرى.

* إعلامي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى