انتخابات رئاسة ايران تحدِّد “الموقف السوري” لأميركا!
سركيس نعوم
الموقف الاميركي السلبي من النظام السوري معروف. والتأييد الاميركي لثورة غالبية الشعب السوري عليه، ولمطالبة رأسه بشار الاسد بالتنحّي معروف ايضاً. ولم يتغيَّر هذان الموقف والتأييد رغم دخول بضعة آلاف من الاسلاميين التكفيريين والعنفيين على خط الثورة، ورغم اقدام الادارة الاميركية على إدراج احد ابرز تجمعاتهم وهو “جبهة النصرة” على لائحة الارهاب. ذلك انها تعرف ان “النجاحات” الجغرافية التي حققها الثوار منذ نحو واحد وعشرين شهراً ما كانت لتتحقق لو لم تكن غالبيتهم من ابناء الشعب السوري الذين ما عادوا يطيقون استبداداً وعنفاً واستباحة وظلماً. إلا ان ترجمة السلبية تجاه النظام في دمشق والتأييد للثائرين عليه من اميركا لم تتعدَّ السياسة، ولم تصل الى حد القيام بعمل عسكري جدي مباشرة أو عبر حلفاء اقليميين، او الى حد تزويد الثوار الأسلحة التي تمكّنهم من انهاء النظام او دفعه الى التقهقر تدريجاً. وأسباب ذلك كثيرة منها موقفا روسيا والصين، ومنها الدعم الايراني الواسع للأسد. والامتناع عن الترجمة المذكورة افسح في المجال امام دخول “المجاهدين” او الارهابيين كما تسميهم اميركا الى جانب الثوار الذين كانوا في حاجة اليهم. ولذلك لم يكن منطقياً ان يقوم هؤلاء برفضهم او بإعادتهم الى المكان الذي اتوا منه.
طبعاً اثار الموقف الاميركي هذا شكوكاً كثيرة عند ثوار سوريا. وأثارت تطورات الثورة واستمرار النظام في ضربها نقاشات عدة داخل اميركا في الاوساط الاعلامية والبحثية والسياسية حول اي نهاية للحرب في سوريا تؤمن للأميركيين المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلادهم في الشرق الاوسط او تحميها. وهل هي انتصار النظام، او انتصار الثوار، او استمرار الحرب الاهلية طويلاً ريثما تتكون ظروف ملائمة داخل سوريا (تعب وانهيار متبادل) وفي الخارج الدولي لبدء حوار يؤدي الى تسوية تنهي الحرب في الداخل والى تسوية بين دول المنطقة والدول الكبرى في العالم من دونها يبقى تطبيق التسوية الاولى مستحيلاً.
في اختصار ومن دون الغوص طويلاً في كل ذلك يقول متابع اميركي من واشنطن ان بلاده لن تترجم موقفها السلبي جداً من الاسد والايجابي من الثوار الا بعد حصول امرين. الاول، الانتخابات الرئاسية الاميركية وانتهاء الرئيس المنتخب من تركيب فريق عمله ومن ترتيب اولوياته. والانتخابات اسفرت عن تمديد ولاية الرئيس الحالي اوباما، من شأن ذلك اختصار الوقت الذي يحتاج اليه لتقرير سياسته النهائية حيال سوريا. ذلك ان فريق عمله لا يحتاج الى “نفضة” شاملة، فضلاً عن ان سياساته الاقليمية واستراتيجيته الشرق الاوسطية محددتان على وجه الاجمال. اما الامر الثاني فهو حصول الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية في موعدها الدستوري اي حزيران 2013. واهمية هذا الامر تنبع من الدور الايراني المؤيد للاسد والمعادي لاميركا والغرب، ومن الخلاف الحاد والعميق بين واشنطن والمجتمع الدولي من جهة وطهران من جهة اخرى حول الملف النووي الايراني، وحول دور ايران في محيطها سواء العربي او الباكستاني او الافغاني او… كما انها تنبع من اقتناع بأن حسم الخلاف مع ايران سواء بتسوية ثابتة ونهائية ناتجة من تفاوض جدي او بحرب معها، يفترض الاميركيون انهم قادرون على الانتصار فيها وإعادة ايران الى الوراء من 50 الى 100 سنة (حرب غير برية)، يُسهِّل وعلى نحو كبير وضع نهاية للحرب في سوريا تنهي النظام من دون ان تهدد الطائفة التي تدعمه، وتفسح في المجال امام قيام نظام بديل على صعوبة ذلك. وبهذا المعنى فان التفاهم الاميركي – الايراني الجدي ربما يلغي الحاجة الى تفاهم واشنطن وموسكو حول سوريا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تقبل ايران التخلي عن روسيا وإن اتفقت مع اميركا؟ وألن تبقى في حاجة الى وجودها معها اذا استجدت ظروف بعد التسوية السورية من شأنها تهديدها جدياً سواء في الداخل او في المنطقة؟
ماذا يعني ذلك؟
يعني ان على السوريين ومعهم اللبنانيون المنخرطون في حربهم سواء مع النظام او مع الثوار وكذلك العرب انتظار الانتخابات الرئاسية في ايران. ولكن من يضمن ان تحسم نتيجتها ما يجري في سوريا في ظل معرفة الجميع ان صاحب القرار في ايران ليس رئيس جمهوريتها؟ ولذلك قد يكون من الأفضل ترقب الانتخابات المذكورة ومراقبة الاوضاع الداخلية في ايران قبل اطلاق اي توقع. كما قد يكون من الافضل تناول الحرب الاميركية على ايران بجدية وعلمية قبل اطلاق التوقعات حول من سينتصر فيها.
النهار