انهيار الليرة السورية وازدهار الدولار/ نائل حريري
نائل حريري
قرّر وزير الاقتصاد والتجارة السابق محمد نضال الشعار أن يخوض في موضوع مستقبل الليرة السورية وسعرها بإزاء الدولار، الذي يعتبره “تقنياً ومعقداً”. هكذا أعلن عبر صفحته على الـ”فايسبوك” من خلال ملاحظة نشرها منذ أيام عدّة. يقول الشعار إن الحقيقة الثابتة الوحيدة في الوضع الاقتصادي السوري حالياً “أخذاً بعين الاعتبار ما يحصل في سورية من تخريب وتدمير وتوقف في عجلة الاقتصاد”، هي أن سعر صرف العملة السورية “ما زال مدهشاً من الناحية النظرية”، وأنّ المتوقع بالنسبة للظروف الحالية أن يكون الوضع أسوأ بكثير.
برأي الشعار، يعود هذا الاستقرار النسبي إلى عوامل أهمها وأكثرهاً أماناً الشريحة الواسعة من الشعب السوري – التي تتضمن ملايين موظفي الحكومة وأصحاب الدخل المحدود – الذين يحصلون على دخلهم بالعملة السورية. فهؤلاء يشكلون قاعدة استهلاكية ضخمة لا تمتلك خياراً سوى الاعتماد على الليرة. أمّا العوامل الأخرى فهي الواردات من معونات وإغاثات وتبرعات التي تدخل العملة الصعبة إلى سوريا لغاياتٍ متعددة. إذ عوضت جزئياً الأموال التي نزحت إلى الخارج، مع وجود عامل إضافي نشأ “بالمصادفة” كما يقول الشعار. يضيف “تاريخياً وقبل العام 2011 هناك كمية محدودة من العملة السورية في التداول برغم سلبيات هذه الحالة من الناحية التوسعية، ولا يمكن اعتبار هذه الحالة وسيلة مقصودة لتحقيق الاستقرار في سعر صرف العملة”.
هذه العوامل التي تحدث عنها الشعار تبدو مغاليةً في التبسيط، وتحمل في طياتها تجاوزاً مقصوداً لأهم الأسباب وأكثرها جدية: ما هي الأموال التي نزحت من الخارج؟ ومن المسؤول عن نزوحها؟ وكيف تقلص الاحتياطي النقدي إلى ما يقل عن 5% قياساً على مستوياته في عامين؟ وعلى من يقع اللوم في تبني سياسة الأرض المحروقة عسكرياً دافعاً بالصناعيين والتجار للهجرة بما تبقى لديهم من أموال؟ يبقى هذا الحديث مجرد نقد بعيد عن أصل المشكلة ما دام يأبى وضع الإصبع على الخلل الحقيقي بحجة عدم الدخول في أتون الاصطفاف السياسي. وما دام النظام السوري غير ملوم على فشل عسكري ذريع، متبوع بفشل مالي أكبر، فلا أمل في أن تخرج تحليلات كهذه خارج إطار التنظير غير البناء.
يرى الشعار أنه “في ظل الارتفاع المستمر للأسعار هناك احتمال أن تقوم أغلب فئات الدخل المحدود بالعملة السورية بإيجاد دخل إضافي لها، وعلى الأغلب سيكون هذا الدخل مقيماً بالعملة الأجنبية (…) وهذا يتزامن مع عملية التسعير بالدولار والتي بدأت منذ عام على أقل تقدير”. قد يكون هذا الاعتراف هو الأول الذي يطرح في الاعتبار مسائل التقييم كجزء من أزمة الليرة، لكنّه يتوقف عند هذا الحد دون الحديث عن السبب الحقيقي وراء أزمة التقييم ما يوحي بأن الشعار يتبنى نظرية (العامل النفسي) التي يحمل لواءها حاكم المصرف المركزي أديب ميالة. وفي حين أن أزمة التقييم تنبع من أسواق البضائع التي تودّع آخر بقايا الإنتاج الوطني، وتربط نفسها بمنتوجات مستوردة من دول الجوار، يبدو أن آلية الهروب من مواجهة المشاكل الاقتصادية للبلاد عند مهندسي الاقتصاد السابق والحالي – الشعار وميالة – واحدة.
غير أن رأي الشعار يكتسب – برغم بديهيته الواضحة – أهمية، نظراً لصدوره عن طرف حكومي سابق. ففي حين يعترف الشعار أن تضاؤل قيمة الدخل لدى المواطنين سيؤدي إلى الدولرة في نهاية الأمر، وحلقة مفرغة من انهيارات العملة وارتفاع في الاعتماد على الدولار، لم يقدم الشعار أي رأي في الحلول التي تقدمها الحكومة، أو أي نقد لسياستها المالية الحالية. كلّ ما قدّمه لا يعدو الحلول العاطفية الفارغة: “هناك حل مبدئي معقول مع أنه ليس بحل كامل، يكمن في إصرار فئات الشعب على الاستمرار في استخدام العملة السورية، ورفض الدولرة، والإصرار على استهلاك المنتجات المحلية”.
إذن على المواطن أن يستمر بتحمل تبعات سياسة حكومته العرجاء، والإصرار على استخدام العملة التي تنهار، وشراء المنتجات المحلية الأكثر إلتهاماً لدخله. أما الحكومة فليست مطالبةً بشيء سوى الاستمرار في تقييد الاستيراد وخنق سوق العملة وضخ ميزانيتها في العمل العسكري وصرف الرواتب بعملةٍ معدومة القيمة.
لكن كل هذا غير مهم. فالمواطنون اليوم في موقع المواجهة وعليهم أن ينقذوا حكومتهم العزيزة. هكذا يقول رجل الاقتصاد السابق مؤكداً نظريات رجال الاقتصاد الحاليين. وبين هؤلاء وأولئك يحتضر الاقتصاد، مناشداً الشعب ليكون كبش فداء لحكومة أحرقت البلاد بمن عليها ولم تستطع بعد عامين كاملين أن تعترف – ولو بينها وبين نفسها – أنها مخطئة.