ايران تواصل استخدام الطائرات (المدنية الوهمية) لإعادة إمداد بشار الأسد/ فرزين نديمي
في الوقت الذي تنصب فيه أنظار قطاع الطيران ووسائل الإعلام الدولية على الطلبات التي أجرتها مؤخراً الخطوط الجوية الإيرانية لطائرات بوينغ وإيرباص، تواصل طهران شراء الطائرات وقطع الغيار المستعملة بهدوء عبر شركات أصغر حجماً، والتحايل بفاعلية على العقوبات المرتبطة بالإرهاب والمفروضة على شركات طيران وأفراد معينين. وتسعى إيران إلى تعزيز قدرتها على النقل الجوي في المنطقة من خلال الدمج ما بين المكونات العسكرية والمدنية للطائرات. إلّا أن أي شركة منخرطة في هذا النشاط – حتى بصورة غير مباشرة – تضع نفسها في مرمى سياسة العقوبات الأمريكية.
لطالما استعان «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بالموارد ذات الطابع المدني الوهمي لمساعدة حلفاء إيران في سوريا. وقد قام «الحرس الثوري» بإنشاء خطوطه الجوية وشركات الخدمات الخاصة التي يستخدمها للتمويه لتقديم المساعدة اللوجستية وزيادة إيراداته،هذا بالإضافة إلى الدعم الحثيث الذي يحظى به من “شركة ماهان للطيران” (انظر القسم التالي).
تُعتبر “شركة طيران بويا” الخطوط الجوية الرئيسية التي يديرها «الحرس الثوري» الإيراني و”شركة طيران بارس” التابعة إليه، مع العلم بأن سابقاتها – أي “بارس للطيران” و “ياس للطيران” – صُنّفتا من قبل الولايات المتحدة ككيانات إرهابية في عام 2012. وقد اتهمت الولايات المتحدة هاتين الشركتين بنقل الأسلحة إلى النظام السوري. واليوم تدير “شركة طيران بويا” ست طائرات شحن روسية الصنع تستأجرها من «القوة الجوية التابعة للحرس الثوري الإسلامي». وفي الآونة الأخيرة، اشترى «الحرس الثوري» طائرتين إقليميتين برازيليّتَي الصنع من نوع “إمبراير إي آر جاي-145 إي آر” (أرقام التسجيل “إي پي-آر أي أي” و “إي پي-آر أي دي”) يصل مداهما إلى نحو ثلاثة آلاف كيلومتر ويمكن أن تتّسعان لما يصل إلى خمسين راكباً. وقد تم تسجيل أولى هذه الطائرات في جنوب أفريقيا من قبل رجل إعمال إيراني مقيم في اسطنبول يدعى حسين حافظ أميني وسُلِّمت إلى “شركة طيران بويا” في 31 آذار/مارس. ويشار إلى أن كلا الطائرتين شوهدتا لاحقاً في “مطار مهر آباد الدولي” في طهران وكانتا لا تزالان تحملان شارة التسجيل من جنوب أفريقيا والزي الرسمي لـ “شركة راي للطيران”. ولدى «الحرس الثوري» علاقات وثيقة مع شركة الطيران الأخيرة، التي تشكل على ما يبدو شركة تغطية غامضة لها موقع إلكتروني وهمي تم إنشاؤه منذ أكثر من عامين. وتشير التقارير المتوفرة إلى أن مركز تسجيل “راي” هو جنوب أفريقيا، إلا أن العنوان المذكور على موقعها الإلكتروني موجود في اسطنبول.
وبالإضافة إلى الإيرادات التي يجنيها «الحرس الثوري» من رحلات الركاب، يتمكن كذلك من ادّخار المال عبر استخدام طائراته الخاصة لنقل عناصره وعائلاتهم. والأهم من ذلك، أن امتلاكه لأسطول جوي للشحن والسفر خاص به يتيح له نقل عناصره أو شحناته السرية تحت أدنى درجات الرقابة من سلطات الطيران المدني.
وظهرت مؤخراً تحت الأضواء شركة أخرى خاضعة لـ «الحرس الثوري»، وهي “طيران فارس قشم” التي استلمت من الشركة الأفغانية “كام للطيران” طائرتي شحن عتيقتين من طراز “بوينغ 747-200 أف” عن طريق وسيط أرمني. ومن غير الواضح ما إذا كان المسؤولون الأفغان يدركون الوجهة النهائية لتلك الطائرات. وقد تم على الفور استخدام أولى هذه الطائرات، وهي طائرة “إي پي-أف أي أي”، من خلال تسيير رحلات جوية يومية من طهران إلى دمشق (أرقام الرحلات “كيو إف زي 9950” و “كيو إف زي 9951“). وتخضع الطائرة الثانية للصيانة في مركز “فارسكو” للصيانة والإصلاح في طهران. ويُقال أن “شركة ماهان للطيران” هي التي تسيّر طائرات الـ “بوينغ” التي تم شراؤها حديثاً.
وفي الفترة الأخيرة شهد الجسر الجوي بين إيران وسوريا حركة ناشطة مع رحلات تسيّرها عدة شركات طيران مدنية وعسكرية، وهي: “ماهان للطيران” (“إيرباص أي 300 ” و “أي 310“)، و”الخطوط الجوية الإيرانية” (“إيرباص أي 300” و “أي 320″)، و”القوات الجوية الوطنية الإيرانية”/”طيران ساها” (“بوينغ إف 747” و “سي-130“)، و”طيران «الحرس الثوري»/”طيران فارس قشم”/ “بويا للطيران” (“بوينغ 747” و “آي إيل 76″)، و”الخطوط الجوية السورية” (“آي أل-76″) و”أجنحة الشام للطيران” (“أي 320”). وهذه الأخيرة هي شركة طيران سورية خاصة تسيّر رحلات منتظمة بين طهران ودمشق واستهدفتها العقوبات الأمريكية في عام 2016. والجدير بالذكر أن غالبية رحلات “الخط السوري السريع” التي تسيّرها هذه الشركات تجري ليلاً لإعاقة عملية رصدها عبر الأقمار الاصطناعية. وبالإضافة إلى هذا الخط الناشط بين طهران ودمشق، ثمة ثلاث خطوط جوية (“ماهان”، و”الخطوط الجوية الإيرانية”، و”الخطوط الجوية السورية”) تحطّ في “مطار عبادان” بشكل متقطع، حيث تُنقل إليها عناصر الميليشيات الشيعية العراقية بالحافلات من النجف والبصرة لتستقل الطائرات إلى دمشق.
وبالإجمال، نقلت “الخطوط الجوية الإيرانية” و”السورية” نحو 21 ألف مسافر بين طهران/عبادان ودمشق خلال الشهرين الماضيين فقط، بالإضافة إلى إمدادات فاق وزنها5,000 طن. وبما أن قلة من الحجّاج يسافرون إلى سوريا هذه الأيام، فبذلك يكون معظم هؤلاء المسافرين من القوات العسكرية أو شبه العسكرية. وجميع هذه الرحلات تقريباً مستأجرة بالكامل من قبل «الحرس الثوري» الإسلامي وعادةً ما تكون غير متاحة لعامة الشعب.
دور المخاطر العالية لـ “شركة ماهان”
في عام 1992، تأُسست “شركة ماهان للطيران”، ثاني أكبر شركة طيران إيرانية، من قبل “شركة مل مفاه الدين القابضة في كرمان” كشركة صغيرة تسيّر رحلاتها على متن بضع طائرات روسية الصنع. وبعد فترة من عدم الاستقرار، قامت الشركة في عام 1998 بتكليف إدارة عملياتها لضابط سابق في «الحرس الثوري» ويدعى حميد عرب نجاد. وخلال الحرب بين إيران والعراق، عمل عرب نجاد نائباً لقائد إحدى أنشط الوحدات القتالية التابعة لـ «الحرس الثوري»، وهي “شعبة العمليات ثأر الله 41” بقيادة القائد الحالي لـ «فيلق القدس» قاسم سليماني. ثم تولى عرب نجاد لاحقاً رئاسة المكتب الإيراني للإعمار في البوسنة والهرسك، وهومنصب مرتبط على الأرجح بعمليات «فيلق القدس» في البلقان.
ويقيناً، أن توظيف ضابط سابق في «الحرس الثوري» الإيراني ليس بالضرورة بالأمر المقلق، لأن العديد من مدراء شركات الطيران الإيرانية الأخرى هم من قدامى «الحرس الثوري». لكن العلاقة الوثيقة التي تربط عرب نجاد بسليماني و«فيلق القدس» تبعث على القلق. كما أن أعمال “ماهان” غير المشروعة التي تنفذها بالنيابة عن «الحرس الثوري» قد وضعت الشركة على رأس قوائم العقوبات الدولية منذ عام 2011، وبالتالي فإن أي شركة تتعامل معها تكون معرضة لمخاطر كبيرة.
وعلى الرغم من التأثيرات المؤلمة التي فرضتها العقوبات على القيمة الجوية لطائرات “ماهان”، وجدت الشركة أساليب مبتكرة لاستيراد أسطول من الطائرات الغربية الصنع خلال السنوات الأخيرة، من بينها ثماني طائرات “إيرباص أي340” البعيدة المدى. وفي الواقع أن الطائرات التي استحوذت عليها عبر الشركات الوهمية الأرمنية تجعلها الخطوط الجوية الإيرانية الوحيدة التي تستطيع تسيير رحلات لمسافات طويلة.
فضلاً عن ذلك، استلمت “ماهان” مؤخراً الطائرة الأولى من بين ثلاث طائرات “إيرباص أي340” مستعملة من طراز (“يو پي-أي4001” وإلى “يو پي-أي 4003”) من سريلانكا واليونان، مستخدمةً هذه المرة “شركة بيك للطيران” الكازاخستانية كوسيط في العملية. وقد تم تسليم واحدة على الأقل من هذه الطائرات إلى “الخطوط الجوية السورية” وقد قامت للتو برحلتها الافتتاحية الأولى إلى دبي. وتفيد التقارير أن هذه الطائرة التابعة لـ “شركة ماهان” سوف تسيّر الرحلات إلى أمريكا الجنوبية وشرق آسيا أيضاً. كما تسيّر “شركة ماهان”ّ طائرة “إيرباص أي300” لصالح “الخطوط الجوية السورية”. لكن الجدوى الاقتصادية لهذه الطرق الجوية محل شك لأن “الخطوط الجوية السورية” تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012 والعقوبات الأمريكية منذ عام 2013.
وعلى نطاق الأوسع، صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية عدة شركات مقرها في أرمينيا وقيرغيزستان وأوكرانيا وتايلاند وتركيا كشركات تغطية لـ “ماهان”. وقد عملت هذه الشركات كوسيطة لشراء الطائرات والمعدات المرتبطة بها من قبل الكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات.
وإذا احتسبنا هذه المعطيات مجتمعة، فإن أسطول “ماهان” الحالي يضم أكثر من 37 طائرة كبيرة يبلغ متوسط عمرها 24 عاماً، وتقوم برحلات داخلية وخارجية على السواء تشمل آسيا وأوروبا. وفي الواقع، تسيّر “ماهان” 15 في المائة من الرحلات الدولية في إيران، أي ما يقرب من ضعف حصة “الخطوط الجوية الإيرانية” (8.5 في المائة). وليس هذا بالأمر المفاجئ نظراً إلى أن معظم طائرات الرحلات لمسافات طويلة لدى “الخطوط الجوية الإيرانية” كانت قد مُنعت من التحليق أو وُضعت تدريجياً خارج الخدمة قبل رفع العقوبات النووية. وفي حين وضعت الولايات المتحدة “شركة ماهان للطيران” على لائحة الإرهاب في تشرين الأول/أكتوبر 2011 بسبب إمدادها «فيلق القدس» بالدعم المالي والمادي والتكنولوجي، فقد وجدت الشركة سُبلاً مختلفة للحفاظ على أسطولها في الخدمة.
الخاتمة
في عام 1981، نُشرت مقالة في “مجلة القوات المسلحة” تم فيها تعريف “الخطوط الجوية الروسية – إيروفلوت” – بالذراع اللوجستي للأعمال السرية للاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، كما تم وصف الكيفية التي استخدم بموجبها الكرملين الخطوط الجوية الوطنية كأداة رئيسية لتنفيذ “أهدافه السياسية والعسكرية في جميع أنحاء العالم”. وعلى الرغم من تفوق إمكانيات “إيروفلوت” بشكل كبير على كل ما يمكن لـ «الحرس الثوري» والجهات التابعة له أن تستطيع جمعه، إلا أن «الحرس الثوري» يتبع بوضوح نهجاً مماثلاً في بسط نفوذه.
وخلال السنوات القليلة المقبلة، سوف تصل إلى إيران مجموعة من طائرات “إيرباص” و”بوينغ” جديدة بما يرافقها من تدريبات وخدمات. ولكن إذا كانت “الخطوط الجوية الإيرانية” تأمل استغلال هذه الموارد، فسوف تحتاج إلى تجنب التعاملات التجارية مع “ماهان للطيران” وغيرها من الكيانات المصنفة على لائحة الإرهاب، بما أن “ماهان” تبدو عازمة على إبقاء دورها الفعلي كـ “الخطوط الجوية لـ «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي»”. وعلى سبيل المثال، إذا قررت “الخطوط الجوية الإيرانية” و”آسمان للطيران” استخدام طائراتها الجديدة في ترتيبات الإقراض والتأجير أو تقاسم الرموز مع “شركة ماهان” أو شركات شبه مدنية مشابهة، فإنها قد تواجه عرقلة كبيرة في الدعم التقني من شركات التصنيع الأجنبية، بالإضافة إلى فقدان أي مكانة عالمية تكون قد استعادتها بعد الاتفاق النووي. وكون “ماهان للطيران” تقدم دعماً مباشراً للحرب التي يشنها «الحرس الثوري» من خلال وكلائه، من الممكن أن تجد نفسها مرغمة في النهاية على الإقفال تحت وطأة الضغوط الناتجة عن العقوبات – وربما تجرّ معها شركات طيران إيرانية أخرى إلى الهاوية.
معهد واشنطن