بوتين يخسر رهانه/ علي العبدالله
غضب … ارتباك … تشنج، ثلاث سمات لموقف روسيا كما عكسته تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الروس تعليقا على التصعيد الأميركي المفاجئ بقصف مطار الشعيرات السوري وتحميل موسكو مسؤولية قصف خان شيخون بالكيماوي (“عدوان وانتهاك للقانون الدولي”، وفق بيان للكرملين. “عمل عدواني يتعارض مع القانون الدولي، تداعياته سلبية على الجهود المشتركة في التصدي للإرهاب”، وفق بيان مجلس الأمن القومي الروسي، “قصف ضد حليف لروسيا (…) استناداً إلى حجج واهية”، وفق تصريح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف. “لم تكلف نفسها عناء التحقق مما جرى٬ وذهبت نحو استعراض القوة٬ وقلبت الحقائق حول ما جرى في إدلب لتبرير عمليتها العسكرية”، وفق بيان الخارجية الروسية. “ويهدف إلى تقويض العملية السياسية”، و “أعرب عن أمله بأن لا تأخذ الضربة الأميركية التعاون بين موسكو وواشنطن في الشأن السوري إلى نقطة اللاعودة”، وفق تصريح وزير الخارجية الروسي. “قرار الخارجية وقف العمل مع الولايات المتحدة حصرا بمذكرة تفادي الحوادث في الأجواء السورية”. “توجيه وزارة الدفاع الروسية تحذيرات مبطنة إلى الولايات المتحدة٬ من أن طائراتها لن تكون بأمان في سوريا بعد اليوم”، وفق تصريح الجنرال إيغور كوناشينكوف).
لقد حصل ما كان مستبعدا حصوله، بل حصل ما كانت روسيا تنتظر حصول عكسه: تسليم أميركي بوجهة نظرها في الملف السوري في ضوء الغزل المتبادل بين ترامب وبوتين، أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية وبعدها، وتصريحات أركان الإدارة الجديدة (وزير الخارجية والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة) قبل الضربة بأيام حول مصير رئيس النظام السوري.
جاء القصف الأميركي ليعكس اتجاه الريح ويدخل العلاقات بين أميركا وروسيا في عنق زجاجة يعيدها إلى حالة التوتر والجمود التي عرفتها في الفترة الثانية لإدارة باراك اوباما، وليلقي ظلالا من الشك على مستقبل المسار التفاوضي في أستانة وجنيف برعاية وتوجيه روسي عبر تغيير قواعد اللعبة (قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، “بأن واشنطن تعود إلى مطالبها الأولى بأن أي تسوية في سوريا لا بد أن تشتمل على جدول زمني واضح المعالم٬ ومحدد الخطوات٬ وقصير الأمد… ذلك الذي ينتهي بمغادرة الرئيس بشار الأسد السلطة في البلاد”) وعبر العودة الأميركية القوية إلى الصراع في سورية وانخراطها المباشر فيها، واستعادة دورها كطرف رئيس مقرّر فيها، والى طاولة المفاوضات حول مستقبل سورية، وإعادتها طرح مصير رئيس النظام على الطاولة من جديد، وفق ما جاء في حديث وزير الخارجية الأميركية عن “خطوات تتخذ من اجل رحيل الأسد”، وقوله إنّ “الإدارة الأميركية التي كانت أعلنت أنّ تغيير نظام الأسد ليس في سلّم أولوياتها، ستعمل الآن على إزالة نظام الأسد ولكن بطرق دبلوماسية”، وقول المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، في مقابلة مع برنامج (ستيت أوف ذا يونيون)، بثتها شبكة سي.إن.إن يوم 9 الجاري، “إن أولويات واشنطن هي هزيمة تنظيم الدولة، والتخلص من النفوذ الإيراني في سورية، وإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد”.
أعاد القصف الأميركي لمطار الشعيرات أجواء الشك وانعدام الثقة إلى العلاقات الأميركية الروسية مطلقا عملية تجاذب وضغوط وعض أصابع جديدة بين الطرفين( قول المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة أن الرئيس دونالد ترامب، يفكر بإمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران، وإقلاع طائرات من مطار الشعيرات وقصفها مواقع في خان شيخون، وتهديد بيان مركز القيادة المشتركة المكونة من روسيا وإيران وحزب الله بالرد بقوة على أي عدوان وأي تجاوز للخطوط الحمراء من قبل أي كان وأميركا تعلم قدراتنا على الرد جيدا)، وفتح(القصف الأميركي) من جديد البازار حول الملف السوري، “فالقصف يفترض أميركيا الإعداد لمرحلة ما بعده على المستويات السياسية والعسكرية في سورية، واستخدام الورقة العسكرية للضغط من أجل إطار سياسي مع روسيا”، وفق تصريح السفير الأميركي السابق والمسؤول السابق في وزارة الدفاع لينكولن بلومفيلد. موقف أكده تصعيد وزارة الدفاع الأميركية لهجتها تجاه الدور الروسي في سورية، وحديث البنتاغون عن دور روسيا في القصف بالأسلحة الكيماوية على خان شيخون، وعن تقصّي المعلومات عن هوية الطاقم الذي قاد الطائرتين اللتين نفذتا الغارة الكيماوية على دفعتين، وسط شكوك عن وجود روس في إحدى الطائرتين، في ضوء وجود عسكريين روس في مطار الشعيرات الذي أقلعت منه الطائرتان اللتان قصفتا خان شيخون، وتلميحات جهات أميركية إلى أن موسكو ربما تكون زوّدت الحكومة السورية بذخائر تحتوي على مواد كيماوية، واعتبار مصادر أميركية “أن ثبوت صحة الأدلة عن تورط الروس في تغطية هجمات كيماوية شنتها قوات الأسد، وربما المشاركة بها مباشرة، سينسف كل التفاهمات وعمليات التنسيق الميداني بين الجيشين الأميركي والروسي في سورية”. وقد طرح، الاحتمال الذي يجري بحثه، علامات استفهام جديدة حول البرنامج الكيماوي السوري، الذي أشرفت موسكو على تفكيكه، وماهية المعلومات المتوفرة عند الروس بشأن ما تبقى من هذا البرنامج، وموقف موسكو المشجع لنظام الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية، وفق مصادر إعلامية.
لقد وضع قصف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية روسيا في موقف “غير مريح للغاية”، وفق تعبير الغارديان البريطانية، فقد استدرج الرد الأميركي، وهذا أظهر حجم روسيا الحقيقي وأن دورها الفاعل يعود أساسا إلى غياب الفعل الأميركي، فالقصف الأميركي، وفق تعليقات محللين سياسيين، رسالة واضحة إلى روسيا “بأنها لم تعد تملك حرية العمل في دعمها النظام السوري، وبأنه بات من الضروري لها أن تنسّق جهودها العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية والتركيز على محاربة الإرهاب، وأن تضغط على النظام لتغيير سلوكه، وبالتالي وقف قتل المدنيين والانخراط فعليا في البحث عن حل سياسي للأزمة، بدل التشدّق بتحقيق انتصار عسكري حاسم”، وقاد(القصف بالكيماوي) إلى تغيير موقف الإدارة الجديدة من رئيس النظام، فإعادة طرح مصير رئيس النظام ينطوي على رسالة سلبية إلى الدول والقوى التي تدعم بقاءه، وخاصة روسيا، ونسف القصف الأميركي كل المخططات الروسية لتمرير خطتها في سورية وحجز موقع ند للولايات المتحدة في المعادلة الدولية وفرضه عليها بإعطائه الولايات المتّحدة أفضلية تمكّنها من التوصل مع الروس إلى حل للصراع في سورية وعليها، وفقا لبعض المحللين. وانطلاقا من ذلك يبدو أن علاقة أميركا وروسيا، التي ظن القيصر أنها ستكون ممتازة جدّا وأن أميركا ستكون الطرف الأضعف فيها، ستشهد مزيدا من التدهور، علما أن أميركا المؤسسات عادت إلى اعتبار روسيا عدوّا.
المدن