صفحات سوريةفلورنس غزلان

بيرق الأسد!


فلورنس غزلان

ــ مراسيم جمهورية تفتقت عنها ذهنية نظام الأسد ومعاونيه ومستشاريه القدماء الجدد، أي مَن عزلهم سابقاً ممن كانوا الأذرعة الضاربة والوفية لحكم الأسد الأب، إلى جانب من اختارهم الإبن فيما بعد ليكونوا حزمة القبضة الأمنية ، التي تؤمن له التوريث والبقاء وديمومة السلطة، وتقبض على مقدرات الوطن من كل جوانبها وعلى عنق المواطن وتسلبه كل مايمكن أن يتعلق بالحياة والإنسانية والمواطنة، لأن أوكسجين الحياة يشكل خطراً على بقاء العفن السلطوي يمارس طقوسه وشعوذاته وصنوف جنون عظمته وإبداعه في سلطة مطلقة لاتقبل اللا….ولا الاختلاف والاعتراض، ..فحين بدأ الخناق يضيق على رقبة النظام، وكل ما استخدمه من صنوف التوحش والبربرية لم تجدِ نفعاً مع شعب صمم على الحياة..على الحرية مهما كلفه من ثمن، وراح يخسر يوماً بعد الآخر كل من حوله من أصدقاء شرقاً وغرباً..عاد ليستعين بأذرعة والده ونُصحها وإرشادها في مهمات القتل والإبادة وباعها الطويل والشهير في مذابح سجلها لها التاريخ السوري بصفحات العقاب يوم الحساب، فأعاد للسادة ” علي دوبا، ومحمد الخولي” مجدهما الاستشاري في قصره المملوكي…علَّ آراءهم النيرة تعينه في فرصته الأخيره أو نفسه الأخير..وها جاءت مراسيم الرئيس تشي بما يبيته للشعب السوري من موت أوسع إطاراً وانتشاراً وأكثر تحطيماً وتخريباً..فماذا يضير الأسد..؟.

أعوانه في لبنان الشقيق..يصرخون به أن( اقتل ولا يرمش لك جفن ،ماذا يعني مليون سوري ؟ أو حتى خمسة مليون!!..فداك ياسيادة القائد..الشعب السوري بأكمله فداك)!!..يمكنك إبادة مالم يستطع أعتى الغزاة أن يفعلوه وأعظم قوى الاحتلال والاستعمار أن تجرؤ عليه، فمن عدو الأمس الجنرال العتيد ” عون”، اقتصرها على قتل مليون سوري…بينما المزاود الأكبر والمنافق الأشهر ” جوزيف أبو خاطر” يمنحه هبه من عنده..وفداء سلطته قتل خمس ملايين سوري..حسبته بسيطة..ماذا يعني موت خمس ملايين لبقاء ابن الأسد؟؟!! وهل يمكنكم أن تجدوا منافقين أكبر وأكثر انحطاطاً وذيلية من هؤلاء المنتفعين المربوطة ذيولهم بالعهد الأسدي؟!، ..وباعتقادي أنه لايحتاج لمثل هذه النصائح، طالما أنه استعان بأصحاب التاريخ الأشهر في القتل والابادة والسحل والتعذيب في أقبية ” الأمن العسكري( علي دوبا)، أو الأمن الجوي ( محمد الخولي)..فمابالكم بما يمكن أن يقوله السيد حسن نصر الله”؟! ، لكني أعتقد أنه أكثر ذكاء من غوغائية هؤلاء..لأنه يحسبها جيداً وأقواله تأتمر بما يأتيه من طهران..فقبل أسبوع أو أكثر صرح وزير الخارجية الإيراني ” علي أكبر صالحي” أن ” على الحكومات أن تستجيب لمطالب شعوبها العادلة، سواء في سوريا أم في اليمن، الشعوب في هذه الدول تمثل مطالب شرعية على الحكومات أن تستجيب لها بسرعة”!!

ولم يبق الأمر ضمن هذا النطاق بل تعداه لنصيحة ايرانية جاءت على لسان الصديق الصدوق للأسد ” أحمدي نجاد”، ومن خلفه علي خامنئي المرشد الأكبر في الجمهورية الإسلامية الإيرانية..من خلال زيارة سرية عاجلة قام بها الأسد لطهران خلال اليومين السابقين ” ــ حسب مصادر الصحف الإسرائيلية ــ فقد نصحه أحمدي نجاد بقبول ” المبادرة العربية” ، التي سيطرحها نبيل العربي..يوم غدٍ السبت..وأن يتحاور معه على ضوئها..وهذا دليل على الأسباب الكامنة خلف رفض المبادرة العربية سابقاً وعلى تأجيل زيارة العربي، ثم تحديد موعد جديد لها!!

كل هذه التطورات المناطقية لم تغير من موقف النظام العنفي قيد أنملة، بل تزيده تعنتاً وشراسة..ففي الوقت الذي يلعب فيه على حبال الدبلوماسية ، فيرسل مستشارته” بثينة شعبان” لموسكو خشية من أن يغير الحليف الأكبر موقفه الداعم لنظام الأسد بعد ضغط” آلان جوبيه” وزير خارجية فرنسا في زيارته الأخيرة من جهة، ومحاولات المعارضة السورية الزائرة للعاصمة الروسية للمرة الثانية لتطمين روسيا على مصالحها وقاعدتها الطرطوسية من جهة ثانية حين يتغير النظام، يزيد من بطشه وقتله على الأرض…بل ويصدر مراسيماً تظهر مدى الخطورة والهول الذي يَعِد فيه الأسد الشعب السوري في الأيام القادمة، فمراسيمه المتعلقة بمعاقبة كل متظاهر ( دون ترخيص)!! ــ وكأنه يحق للمتظاهرين الحصول على تراخيص ؟! ــ بغرامه تقدر قيمتها بخمسن ألف ليرة سورية أو الحبس من ستة أشهر إلى سنة ، وفي حالة تكرار التظاهر ترتفع التسعيرة لتصل إلى مائة ألف ليرة سورية ــ علماً أن القانون السوري يحدد العقوبة بمائة ليرة سورية ” سابقا قبل المرسوم”!!..هذا دليل قاطع على أن النظام تشبيحي بكل معاني الكلمة ومن كل أنواع التشبيح، الخزينة السورية خاوية..والشبيحة القتلة لم تدفع لهم فواتيرهم منذ مدة..فتفتقت أذهان القادة العائدين كمستشارين أمنيين على هذا الحل الجهنمي..أولاًــ ..لإضعاف حجم التظاهر ومحاولة لانحساره..وهم الأعرف بأن أوضاع البلد والمواطنين تتردى بفضل النظام التشبيحي، ثانياً ــ يحلبون جيوب المواطنين كي يدفعوا رواتب الشبيحة…أي يدفع المقتول ثمن قتله للقاتل!!.

!ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه لما هو أسوأ مايمكن لديكتاتور أن يفعله..فقد أعلن الأسد النفير العام أو” التعبئة العامة” ، وهذا الأمر لايمكن حصوله إلا في حالات الكوارث الإنسانية والطبيعية، أو إعتداء غاشم وشامل على الأراضي السورية من عدوٍ شرس يبغي احتلالها، ويبدو للأسد وأسرة حكمه الأمنية..أنه يعيش تسونامي وطني…وإلا لمَ التعبئة العامة؟..هذا يعني طواريء جديدة، هذا يعني أن كل مواطن قادر على حمل السلاح ودون الستين يعتبر من قوات الاحتياط، ويمكنه أن ينتظر دعوته للسحب في أي لحظة قادمة..هي حرب معلنة وصريحة ضد الشعب السوري..ولم يعد يأبه لكل الأصوات..فقد أغلق أذنيه منذ أمد بعيد..وأغلق أبوابه ونوافذه كذلك، كما ألغى من خرائط الكون كل الدول ، التي لاتعترف به حاكماً ” شرعياً ” لسوريا..يقف إذن وحيداً فوق تلة الجماجم السورية، ويرنو من بعيد لإيران تارة، ولروسيا والصين تارة أخرى، وقد عَنوَّن حملته العسكرية على الشعب باسم ” بيارق الأسد”!!، يبدو أنه يعتلي صهوة التحرير..تحرير الوطن من شعبه…فيرفع بيارق الأسد..ــ عادة في الحروب ترفع رايات الدول لا الأشخاص ــ هو يتصور أنه الدولة والنظام، والشعب ملكه والحكم المطلق له..فكيف يمكنه القبول بمبادرات عربية أو غير عربية؟ ..إن اتفقنا مع بعضها أو رفضنا بعضها الآخر…لكن حتى أصغر بند فيها لايمكن لنظام الأسد القبول فيه، لأنه يعني نهايته الحتمية، وهذا خارج إطار استيعابه العقلي.

ــ هذه الشدة والبطش المفرط ، الذي أراد من ورائه النظام الأسدي أن يدفع بالشعب السوري إلى خانة اليأس..إلى زاوية لايجد له منها مفراً ، وبهذا يمنحه الحق الشرعي بقتله…اليوم هو يوم ” جمعة الحماية الدولية”!!، لم أصوت على التسميات منذ مدة طويلة ــ لكني أقرأها بأنها استغاثة المنكوب..وصرخة الثكالى..ــ وأفسرها انطلاقاً من خوفي على وطني، وحرصي على دماء أبنائه ــ على أنها مراقبة دولية، تجبر النظام على سحب قواته العسكرية والأمنية من المدن والقرى..وتفسح للمواطنين مجالا للتظاهر والتعبير عن آرائهم ومطاليبهم الشرعية ، وبنفس الوقت إغاثتهم إنسانياً، وإسماع صوتهم للعالم من خلال السماح لوسائل الإعلام العربية والعالمية بالدخول إلى الأراضي السورية وإرسال تقاريرها الشفافة والصريحة عما يجري، وبعدها يمكن للجان الوطنية أن تشكل حكومتها الانتقالية تحت إشراف دولي يتم من خلاله التغيير حقناً للدماء…

ــ أما ما أسمعه على الشاشات وما أقرأه هنا وهناك في وسائل الإعلام من دعوات صريحة لتدخل عسكري خارجي، أو لعسكرة الانتفاضة!..فلا أستطيع إزاءه إلا أن أغرق في ألمي ووجعي، وقد سبق وحذرت وكتبت عن الفوارق بيننا وبين ليبيا ، وبيننا وبين مصر وتونس، ..ربما سيقول منكم قائل وقد سمعتها أكثر من مرة:” أنت تعيشين في الخارج، ومن يعيش تحت السياط ويرى الدماء تسيل من حوله ، يعيش العوز والحصار ، ليس كمن يعيش الحرية”..ربما في نقطة واحدة فقط أوافقه عليها وهي:ــ البعد الجغرافي، لكن من يموت، ويُقمع ويُجرح ويعتقل، هم أهلي وعائلتي وأقربائي وأخوتي وأهل حارتي وأصدقائي ورفاقي..ومن ثم وطني..فمع كل خبر أموت، ومع كل قذيفة أقرأ عنها أموت، ومع كل خراب تتدمر أعصابي وتنهش الآلام قلبي وأحشائي..

وقفت وأقف داعمة الانتفاضة، لأنها انتفاضة الكرامة والحرية، ..لأنها رفعت السلمية رايتها، ووقفت صامدة بوجه الطائفية ولفظتها، ووقفت صامدة بوجه كل مخططات النظام وأحابيله ومؤامراته ومكائده..وانتصرت عليها ، وأثبتت وحدة الصف السوري على تعدد ألوان طيفه الاجتماعي والسياسي، وتوافقه على التغيير وإنهاء حكم الاستبداد والفساد الأسدي وإسقاطه، ثم أثبتت لجان التنسيقيات وهيئة الثورة السورية في أكثر من بيان، أنها ضد التدخل العسكري الأجنبي وضد أي محاولة لعسكرة الانتفاضة ، إيماناً منها بأنه لابد وأن يأتي اليوم ، الذي تصحو فيه ضمائر الكثير من أبنائنا في الجيش السوري فيتخذ موقفه إلى جانب الشعب ويكون هو الدرع الحامي له..من بطش بشار الأسد وزبانيته، وما هذه الانشقاقات، التي تزداد وتتعمق يوماً بعد يوم بشكل شاقولي وأفقي إلا دليلاً صارخاً على أن الأمل موجود ويجب أن نعقده على جيش نحن بنيناه وهو من أبنائنا لامن أبناء الأسد ومواليه…ربما فيه الكثير من القادة الموالين، لكن معظمه ينتمي لنا.. للوطن..وليس ببعيد يوم ينتصر لأصوله الوطنية ويهب واقفاً إلى جانب ثورتنا..لهذا أنا ضد تخوين وتعميم التخوين على الجيش برمته..ربما أتفهم أصوات الاستغاثة للمساعدة الدولية ..ربما أتفهم وجعكم..وربما أقف صامتة لاحول لي ولا قول..حين أرى قاذفات الناتو أو غيره ــ هذا إن حصل ــ تلقي بحممها فوق المدن والقرى السورية لتصطاد الأسد وأعوانه وبطريقها تصطاد عشرات البيوت الآمنة والأرواح المدنية،.لكني لن أرضى لنفسي أبداً أن أعود بعد صبر وانتظار عمره يقترب من السابع والعشرين عاماً على ظهر دبابة فرنسية أو أمريكية..فاعذروني.

ــ باريس9/9/2011.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى