تجربة 63 ساعة كبيسة بالأمن الجنائي + 5 ساعات هريسة بالقصر العدلي + ساعتين شنيعات بهجوم الشبيحة
دانا بقدونس
أعشق الحرية .. واتنفس هوائها مع كل شهيق وزفير ..لكن النظام أراد لي تجربة الاختناق
فلا الشوق ولا الأحلام ولا الأماني يمكن تحقيقها في ظل خانقي الأنفاس …. خرجت مع مجموعة من أصحابي وأحبابي نطلب هواءً نقياً لاتشوبه شائبه
بتاريخ 13/7/2011 يوم الأربعاء أمام جامع الحسن التقيت بمي سكاف ويم مشهدي وريما فليحان وساشا أيوب وغيفارا نمر ومجدولين حسن وسارة الطويل ورنا الشبلي ونهلة الزين واياد شربجي والأخوين محمد وأحمد ملص ونضال حسن وفادي حسين وفادي زيدان ومظفر ومهند وبلند حمزة شركائي في الحلم …فمنّا السني والعلوي والمسيحي والدرزي والشركسي والكردي لكننا صوت واحد وقلب واحد سلمِي ينشد الحـــريــة …أكان فناناً أو مثقفاً او عالماً أو متعلماً لايهم أحد منّا إلا ان نرفع الوطن على رؤوسنا وأن نرتفع به كسوريين أحرار
وفي قمة انفعالنا لنصرة بلدنا وشعبنا رغم قلة عددنا الذي لم يكتمل بعد جاءنا مايزيد عن مئتي عنصر أمني ليبين لنا بوقفته الرائعة أن احلامنا ستتحطم على صخرة الواقع .. لأنه لايحق للسوري أن يرفع رأسه ابداً .. إلا اذا نافق وحاد عن الحق …
كانت الساعة السادسة إلا ثلث .. والأصل أن المظاهرة تبدأ الساعة السادسة …وفي حدمة نقاشنا مع الأمن الذي خيرنا بين الإعتقال أو فك التجمع .. واجهتنا سلاحف النينجا من شبيحة النظام لتهتف لأبو حافظ والله سوريا بشار وبس … ووجدنا أنفسنا نصرخ الــلّــه ســـوريـــا حـــريـــة وبــــــس و واحد واحد واحد الشعب السوري واحد
أخذ الشبية يستهزئون بمي وريما وغيرهم ممن كتب سابقاً بيان مساعدة أطفال درعا .. ويقولون لهم (يا تبعات الحليب .. وكلام بذيء جداً) رغم وجود الأمن …هنا بدأت مي وريما واياد بالصراخ والقول للأمن انتوا واجبكم تحمونا من هؤلاء نحن سلميين ووجدت نفسي أنا ويم خشية (رزالة الشبيحة ) نصرخ وين الباصات خدونا عالباصات !!! فالإعتقال والسجن أهون ألف مرة من أن نرى أبناء جلدتنا بهذه الأخلاق وكم من مفراقة بينهم وهم أشباه الرجال ولا رجال وبين انثى بخلق الرجال وبرجولة الأبطال انها مي سكاف التي حرصوا ان لا تعتفل معنا خشية الرأي العام .. لكنها لحقت بنا إلى الباصتم سياقنا بأعنف الطرق الى الباصات كما تم ضرب بعض الشباب ومنهم احمد ملص بالهراوات على رأسه
تم أخذنا الى مقر الأمن الجنائي بباب مصلى (لنستلقى وعدنا )وكان كبش الفداء الصحفي اياد شربجي الذي اجاب أنا المسؤول حين سألوا من المسؤول عن التجمع … اجبنا كلنا .. لكنه أبى إلا ان يتحمل هو المسؤولية … اخذوه الى غرفة التحقيق وكنّا نسمع صفقات الضرب على وجهه فوق العشرين مرة … ساشا لم تحتمل أن تسمع الصوت فوقفت بشكل فجائي عندها تلقت لكمة على وجهها .. قابلها الشرطي بكلمة “عفواً “بعدها تم اخذ هوياتنا وأغراضنا وكانت جميع النظرات التي توجه إلينا نظرات ازدراء واستحقار وتم فصل البنات بسجن والشباب في سجن آخر كنا عشر صبايا … وكان السجن صغير جدا لدرجة انه لايسعنا لكي ننام جميعنا به فإذا نام تسع بقيت العاشرة واقفة… وغير كسر الخاطر تكسرت اضلاعنا من النومة على البلاط .. ورافقنا في النوم على مايبدو سجناء دائمين “انهم صراصير النظام” …مساكين ما اقدرنا على غيرهم “فعصناهم بالصرماية “…كان موجود في الغرفة كاميرات للمراقبة لأنها اصلاً غرفة تحقيق ….
تم تفتيشنا من قبل “ام علي ” الي تم احضارها من منزلها بنص الليل كرمالنا “طرقونا منّية “
“بالنسبة للطعام … تم تقديم الخبز والحلاوة لنا مساء يوم الأربعاء ..وقد قال من أكل منها منّا أن طعمها “كالجبصين ..
أضربتُ أنا والبعض عن الطعام منذ دخولنا الى السجن … وأضرب الباقي معنا بعد أكل الحلاوة …كنّا لانمييز بين الصباح والمساء ولانعلم متى سنخرج …
مرة من المرات كنّا نتحدث سوية مع بعضنا البعض وعلت أصوات ضحكاتنا … كنّا نبحث عن اي شيء كي نتكلم ونتسلى به ..جاء إثر أصواتنا عناصر الأمن .. وتم شتمنا جميعاً وإهانتنا وتم استبدال مكان سجننا إلى مكان آخر أكثر ضيقاً وظلمةً .. وبما أننا جماعة من أهل الثقافة والفن والأدب وجدوا انه من الأنسب لنا أن نوضع مع فتيات دعارة …لأنه كان ينقصنا ثقافة بهذه المادة …جلسنا مايقارب الساعتين معهم “ربونا” ورجعنا لغرفتنا الأساسية .. تم التحقيق معنا واحدة تلوَ الأخرى يوم الخميس واسغرق التحقيق يوماً كاملاً ..
وشر البلية مايضحك .. أن توضع فنانات وأديبات ومثقفات بمثل الموقف الذي وضعنا فيه وهو انه اخذ لنا فيش وتشبيه وهذا هو المضحك المبكي …. ركضنا وراء الحريّة فوضعونا بالسجن والعبودية .. ظنوا انهم بذلك وضعونا بالذل والعار لكننا رأينا فيه تاج الحرية وإكليل الغار …
كان التحقيق للنساء بدون عنف والرجال حسب ما علمنا لاحقاً ” أجاركم الله ” ..عند عودة الرجال إلى الغرفة التي بجانبنا ..أخبرناهم عن الإضراب وقرروا الإضراب عن الطعام حتى نعلم مصيرنا أو ليأتي الرائد ليتحدث معنا …وفعلاً حضر الرائد الخميس مساءً ليلة الجمعة … وأعطانا وعداً بالخروج للمحاكمة السبت صباحاً .. حادثنا بلطف لم يكن متوقع … وطلب منّا فك الإضراب
كان هناك خلاف بيننا بالرأي فمنا من كان يريد فك الإضراب ومنا رفض ذلك …مما أخاف العميد أكثر … وكان يوجد بيننا نهلة الصبية ذات الوزن 40 كيلو قد بدا عليها آثار الإضراب والتعب الشديد ومع ذلك بقيت معي مصرة على الإضراب.. بالنهاية قررنا أن نصوت من كان مع الإضراب 13 ومن كان ضد الإضراب 15 فقررنا التوقف عن الإضراب …
عندها قالت صديقتي الطرطوسية الجميلة مجدولين حسن للرائد “شفتوا كيف الديموقراطية حل لكلشي ” نحنا هلق مانعطيكِن درس بالديموقراطية 🙂 ….
…سألنا الرائد اذا كان ينقصنا شيء وعن طلباتنا والفرح بفك الإضراب يملئ وجهه …وكان اقسى وأكثر حلم يتمناه جميعنا في الزنزانة فرشة طرية كي ننام عليها … وفعلاً تحقق ذلك …
في صباح يوم السبت استلمنا جميعاً أماناتنا وخرجنا مربوطين بسلاسل وقيود تجمعنا جميعاً مع بعضنا البعض .. وتم سياقنا إلى الباص .. ليتم بعد ذلك تحويلنا إلى المحاكمة …
.. واحد من الأمن بشرنا انه يمكن أخذنا الى سجن عدرا وهناك يوجد راحة أكتر .. ومنقدر نتحمم …
ركبنا الباص ونحن مكبلي الأيدي … كلنا غنينا النشيد الوطني … حماة الديار عليكم سلام …انتهينا وبدأنا بالبدء بغناء نشيد موطني … وعندها تم شتمنا بعبارات بذيئة .. والتهديد انهم لن يأخدونا عالمحكمة وسيعودوا بنا للسجن .. دخلنا إلى المحكمة … بصمنا كثيراً على أوراق ودخلنا الى سجن القصر العدلي … السجن كان كبيراً جدا .. فرحنا باتساعه بالبداية .. ولكن لم تكمل فرحتنا .. لأنه بعد دخولنا عليه بعشر دقائق تم ادخال باص كامل من فتيات التشرد والدعارة مرة اخرى … هنا كان القمع من الداخل وليس من عناصر الأمن … كان يوجد هناك فتاة بعمر السادسة عشرة حامل وتهمتها التشرد كانت تشتمنا بكلام بذيء جداً .. والغريب بالموضوع انها كانت تعلم أننا متظاهرين من أجل الحرية …
كنّا كل ماتكلمنا مع بعضنا البعض صرخت بوجهنا وطلبت منّا أن نخرس قابلتها ريما فليحان ومي سكاف بالتهدئة والعناق… ويسؤالها عن قصتها .. ومالبث ان هدأت
بعدها عرضنا بعدها إلى القاضي وتم الإفراج عنّا .. علماً أنه ستتم محاكمتنا جميعاً بعد شهر …عندما خرجت .. كان شعوري لايوصف .. استقبلوني أهلي وأصحابي وأشخاص لا أعرفهم بكثير من الحب … لن انسى تلك اللحظة أبداً .. احسست اننا بالفعل جميعاً عصافير تحلق بسماء وأفق لاحدود لهما …كنت من الدفعة الأولى التي خرجت .. أنا ومي وريما وشادي ويم وساشا وسالم ..كنّا حريصين أن لانذهب حتى يخرج الجميع .. جلسنا على أرض الشارع وأحبابنا جميعاً يلتفون حولنا بكثير من الحب …ولكثرة عددنا طلب منّا عنصار الأمن الذهاب خوفاً من التجمع ..ذهبنا عندها إلى مقهى خلف القصر العدلي .. لانتظار بقية أصدقائنابعدها هجمت علينا عناصر الشبيحة أمام المقهى وعند أصدقائنا أمام القصر العدلي وهم يهتفون ” طز فيكي حرية .. نحنا الأمة الأسدية ” وأبو حافظ .. أبو حافظ “حاصرونا ولم نعد نستطيع الخروج .. وبعد ساعة قريباً استطعنا الركض للخارج للهروب من الشبيحة وتم رمينا بالبيض والحجارة …لم يصب أحد مننا بأذى باستثناء صديق لي وشخص أخر ضربوا لأنهم كانوا يحاولون حمايتنا من قبل الشبيحة …انقسمنا لعدة مجموعات …ركبنا أنا وريما فليحان وشب وصبية بتكسي ..كنّا منفعلين جداً وتحدثنا عن الشبيحة وكم هم حقراء .. سمعنا صاحب التكسي .. أوقف سيارته وأقفل النوافذ والأبواب وركض ليبلغ عنّا …
فتحنا السيارة بسرعة وركضنا وأختبئنا داخل بناية بنفس المنطقة حوالي النصف ساعة .. بعدها خرجنا وذهبنا الى منازلنا
حاولت ان اختصر قدر المستطاع التجرية التي مررت بها
شكرا لكل كلمة حب صادقة جمعني بها معكم حب الوطن
عاشت سوريا حٌرّة