تحريك معطيات الأزمة السورية/ غازى دحمان
يحصل في الميدان السوري أن يصار إلي التلاعب بالمعطيات لتتوافق وظروف اللاعبين ومدي قدراتهم الدبلوماسية وطبيعة المقاربات التي يؤسسونها للحل السوري.
جملة من التحركات علي ساحة الحدث السوري, تشير إلي وجود هذا النمط من الفعل بقصد تجهيز بيئة مناسبة لتنفيذ التصورات الإقليمية والدولية للحل في سوريا, حيث يجري صناعة آليات الحل واشتراطاته وعدته الميدانية والميثاقية, وهو ما يؤكد نظرية ان الحل السوري بات رهين توافق دولي وليس لأطرافه المحلية تأثير ولا وزن كبير في هذا الحل. يدخل في هذا السياق قيام كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بوقف الدعم العسكري غير القاتل للجيش الحر, بالتزامن مع إطلاق مفاوضات مع قيادة جبهة القوي الإسلامية, بذريعة ان هذه القوي لديها سيطرة اكبر وقدرات وإمكانات تؤهلها للقيام بوظائف قد تتطلبها الحالة السورية مستقبلا.
كان سبق ذلك تحذير المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه مايكل هايدن, من سيناريوهات مرعبة جدا جدا تلوح في الأفق السوري, ليس من بينها انتصار المعارضة, ولعل المفارقة الكبري اعتبار انتصار الأسد من أفضل تلك السيناريوهات, ولا شك ان مثل هذه الرؤي التأثير في عمليات تقدير المواقف التي تجريها الأطراف الغربية تجاه الحدث السوري وتاليا التأثير في صناعة القرار الخاص بالحدث. هذه التحولات وغيرها من المواقف الغربية حول المسألة السورية, يجري بناؤها في ظل ما يسمي بالتوجه الواقعي في التعامل مع الأزمات العالمية, وقد جرت ترجمته الحرفية في اتفاقي الكيماوي والنووي مع نظام بشار الأسد في سوريا ونظام الملالي في إيران, وقد جري تبرير عقد هذين الاتفاقين تحت ذريعة أفضل الممكن والمتاح, علي اعتبار أنه الخيار الأقل سوءا من الخيارات الأخري والتي كانت تتطلب إجراءات عسكرية غير مضمونة النتائج.
هذه السياسة الواقعية تحاول تكريس مرتكزاتها عبر المختبر السوري تحديدا, حيث نقطة الانطلاق تتمثل بالتوافق الدولي, وهو ما يتطلب أن تضمن التوافقات المدرجة في إطارها قبول الأطراف الدولية بصيغة الحل, مما يعني انطواء الحل المطروح علي توليفة معينة تناسب تلك الأطراف, أما المرتكز الثاني فيقوم علي تكييف الأوضاع الميدانية مع مقتضيات الحلول السياسية ومقاساتها بحيث تتوافق تلك الأوضاع مع التصاميم المعمولة للحلول وليس بناء الحلول تبعا للأوضاع الميدانية ومتغيراتها. تبعا لهذا التحليل, صار واضحا أن حالة الإستاتيكو التي تكرست لفترة طويلة في الواقع الميداني السوري, لم تكن تعبر عن أوضاع ميدانية حقيقية, بقدر ما هي إدارة خارجية لمسرح العمليات وهندسة دقيقة كان المقصود منها تجهيز مسرح الحدث للحل, بعد إقناع الأطراف المتصارعة باستحالة الفوز بالمعركة.
غير ان عملية بناء المعطيات الجديدة في الواقع السوري بدا وكأنها تطلبت تدخلات دولية عنيفة وترتيبات خاصة لإجراء تعديلات معينة في تأثير بعض الأطراف الداعمة للمعارضة, فليس سرا التداخلات الهائلة التي تنطوي عليها قوي المعارضة واختلاف طبيعة عملها وتكتيكاتها واستراتيجياتها الميدانية والسياسية تبعا لأهداف الأطراف الخارجية الداعمة, بل وطبيعة رؤيتها للصراع وأهدافه ومآلاته. وعليه فإن تظهير فصيل سوري وتهميش فصيل آخر تعني فيما تعني الحد من أدوار الأطراف الإقليمية الداعمة له. والسؤال الذي يطرح نفسه تاليا, بناء علي جملة المناقلات الحاصلة في المسرح السوري وتغيير أدوار ومواقف الأطراف ذات التأثير المهم استباقا لمؤتمر جنيف, وبالنظر إلي السياسة الواقعية التي تحاول تأطير الحل وإخراجه وفق مقتضياتها, كيف ستكون طبيعة الحل المنتظر وما هي احتمالاته؟.
في الواقع, تشير التوجهات الأمريكية الجديدة, والموقف الروسي الداعي إلي تشكيل قوي جديدة من النظام والثورة لمحاربة الجهات المتطرفة باعتبارها الخطر الأساسي والملح في هذه المرحلة, إلي نمط جديد من الحلول يقوم علي صيغة قريبة من هذه الأطروحات, بحيث تتم المحافظة علي جزء من النظام والإبقاء علي هيكلية المؤسسات الموجودة, مع تطعيم هذه المؤسسات بقوي جديدة تمثل المعارضة أو الجزء الذي يراد تأهيله وتجهيزه لهذه المرحلة, علي أن يجري لاحقا قوننة هذه الحالة من خلال دستور جديد يمثل العقد الاجتماعي الجديد لسوريا يتضمن الضمانات المطلوبة لمختلف أطراف الصراع وحقوق المكونات كافة.
هل من الممكن توطين مثل هذا الحل في البيئة السورية؟, الجواب, الصراعات الوطنية التي غالبا ما تفتح علي تدخلات خارجية تصبح رهينة توافق المتدخلين, ذلك أن القرار فيها يصبح بدرجة كبيرة للطرف الممول والداعم والحامي…متي؟. عندما تفقد أطراف الصراع الداخلية كل عوامل القوة الذاتية. هل وصلت أطراف الصراع السوري إلي تلك العتبة؟
الأهرام