تركيا وإيران والخروج من النفق السوري
محمد نور الدين
بمعزل عن احتمال تحقق وقف نار خلال عيد الأضحى في سوريا أم لا، فإن حركة الاتصالات التي ظهرت مؤخراً وشاركت فيها أطراف إقليمية مؤثرة، يمكن تسجيلها في خانة التطورات التي لم تعرفها الأزمة السورية منذ أشهر طويلة .
بعد وقت قصير من انفجار الوضع في سوريا استسلمت القوى المعنية بالوضع ولا سيما الخارجية منها، إلى خياراتها المسبقة .
فتشكلت جبهتان ومحوران لم ينجُ منهما بلد واحد . ما عاد من وسيط على مسافة واحدة من الجميع .
كانت تركيا قبل الأزمة السورية عنواناً للأدوار الوسيطة بين سوريا و»إسرائيل« وبين فتح وحماس وبين سوريا والعراق وبين اللبنانيين والقائمة طويلة . لكن هذا الدور الوسيط بات ينتمي إلى مرحلة انتهت، بل ماتت . وبسبب الأزمة السورية أنهت تركيا بنفسها هذا الدور عندما اختارت أن تكون طرفاً في الصراع الداخلي في سوريا فدعمت المعارضة السياسية والمسلحة، بل احتضنت على أراضيها »الجيش السوري الحر« وسائر قوى المعارضة المسلحة من كل الأهواء والمشارب ووضعت أنقرة هدفاً واحداً هو إسقاط النظام السوري .
كما اختارت تركيا إقليمياً ان تكون في طرف ضد طرف . وإقليمياً وقفت تركيا إلى جانب الغرب وضد روسيا والصين .
البلد الوحيد الذي كان قادراً على القيام بدور وساطة كانت تركيا . وإذ خسرت بنفسها هذا الدور فقدت احد أبرز عناصر تأثيرها في المنطقة . لذلك استطالت الأزمة السورية وتكاد تحرق الأخضر واليابس في الداخل والدول المجاورة .
مؤخراً التقت تركيا وإيران مع مصر بدعوة مصرية في ما عرف بلجنة رباعية على أساس أن السعودية رابعتها . لكن السعودية التي حضر مندوب لها الاجتماع الأول غابت عن الثاني وسقطت اللجنة . مع ذلك فقد كانت اللجنة المذكورة أول محاولة لتحرك له صفة مؤسساتية تضم دولاً متناقضة المواقف ومعنية مباشرة بالأزمة السورية .
وجاء اجتماع الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قبل أيام على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي »إيكو« في باكو عاصمة اذربيجان، ليشكل، ربما، محطة مهمة على طريق استكمال النهج الذي بدأ يُلمح للوصول إلى حل للمشكلة السورية عن طريق التعاون بين دول المنطقة .
كانت إيران وتركيا ترددان أن مشكلات المنطقة تُحل فقط من داخل المنطقة باعتبار أن المصالح العربية والإسلامية تختلف عن مصالح القوى الخارجية . وبقدر ما تكثر الأطراف الخارجية بقدر ما تأكل من مصالح شعوب المنطقة .
وكان لا بد أن يمر وقت طويل قبل أن تقتنع الأطراف جميعها، ولا سيما الداخلية والإقليمية أن الحل العسكري والأمني لن يسفر سوى عن تضرر الجميع . وقد بان ذلك من خلال التوترات الأمنية في لبنان وآخرها اغتيال اللواء وسام الحسن المسؤول الأمني البارز في لبنان .
ولكن تطاير شرارات الأزمة السورية إلى تركيا كان عاملاً ربما أكثر أهمية لتُقارِب انقرة المشكلة السورية بطريقة أقل حدّة من السابق .
إذ لا يكاد يمر يوم في تركيا من دون سقوط قتلى من الجيش التركي على يد حزب العمال الكردستاني . والمخاطر الاقتصادية واشتداد الاحتقانات المذهبية والاجتماعية في تركيا باتت ترخي بظلالها على المشهد التركي، فضلاً عن التوتر العسكري وتزايد احتمالات نشوب حرب تركية- سورية . كذلك تشعر إيران بوطأة العقوبات الغربية على اقتصادها . كما أن واشنطن تضغط لمنع تواجد عناصر القاعدة والسلفيين في سوريا خصوصاً بعد الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي ومقتل السفير الأمريكي هناك .
كل ذلك بات يضغط على القوى المعنية . المعارضة السورية مفككة، النظام السوري يواجه تحديات كبيرة، وإيران امام مخاطر وتركيا أمام مخاطر أكبر .
وأمام الموقف الروسي الصلب المؤيد للنظام وادراك الولايات المتحدة ان تغيير المعادلة في سوريا والمنطقة دونه انفجار عسكري اقليمي ودولي، فإن الرياح المحيطة التي تعصف في المنطقة تبدو في طريقها للانحسار . ومع أن التفاؤل مبكر جداً لكن طبيعة التحركات والاتصالات التي ظهرت مؤخراً على مستوى الدول المعنية تعطي مبرراً لتفاؤل حذر
الخليج