تسمية إحتجاجات الجمعة: وسيلة أم غاية في حد ذاتها؟
هيفيدار ملا
منذ بداية الإحتجاجات في سوريا العام الفائت، تولّت صفحة الفيسبوك “الثورة السورية ضد بشار الأسد” تنظيم عملية التصويت على شعار المظاهرات كل يوم جمعة. كانت معظم التسميات في بداية الحركة الإحتجاجية تتسم بالطابع الوطني العام عبر استعادة أسماء شخصيات سورية تاريخية تنتمي لطوائف دينية غير سُنية، مثل “جمعة سلطان باشا الأطرش”، بالإضافة إلى مخاطبة الجماعات الدينية والعرقية من غير المسلمين السُّنة العرب مباشرة ً، عبر اختيار تسميات مثل “الجمعة العظيمة”، وهي مناسبة تخص المسيحيين، و”جمعة آزادي” التي تعني “الحرية” باللغة الكردية. بدت هذه التسميات كردٍّ على الخطاب الرسمي السوري الذي يتهم الحراك الإحتجاجي بالتعصب الديني.
إلا أنّ الشعارات أخذت منحى دينياً إسلامياً، ترافق مع عسكرة الثورة، مما خلق جدلاً بين نشطاء المعارضة، إذ اشتكى العلمانيون منهم أنّ هذه التسميات تضع الثورة تحت هيمنة حركات الإسلام السياسي بدل أن تبقيها حركةً وطنية شاملة.
أدى هذا الوضع إلى اعتماد آلية جديدة للتصويت، فكان أول شعار تم اختياره على إثر ذلك “جمعة أبطال حلب” التي صادفت يوم 18 أيار/مايو 2012، والتي كانت تحيةً للإحتجاجات التي قام بها طلاب جامعة حلب، مع العلم أنّ تسمية الجمعة الأخيرة لم تخلُ من الإشارات الدينية، حيث جرت المظاهرات يوم الجمعة 29 حزيران/يونيو الماضي تحت إسم “واثقون بنصر الله.”
في استعادة للظروف التي أحاطت بعمل هذه الآلية الجديدة، بعد أكثر من شهر على اعتمادها، يشرح سامي، وهو عضو في صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد، أنّ التغيير الأساسي كان تقنياً، حيث اعتُمِد تطبيقٌ على الفيسبوك يمنع المستخدم الواحد من التصويت أكثر من مرة، كما يحد من دور الصفحات الوهمية في التصويت. إلا أنّ سامي لا ينكر أنّ إدارة الصفحة قد منحت جهاتٍ ثوريةً أخرى هامشاً أكبر في اقتراح الأسماء التي تخضع للتصويت، وذلك “انطلاقاً من إيماننا بأن الثورة ثورةٌ على النفس أولاً وأنّ ما نريد أن نراه في الأرض علينا أن نطبقه،” على حد تعبيره، مع العلم، كما يقول سامي، أنّ التنسيقيات والجماعات المعارضة الأخرى لطالما حظيت بدور في عملية اختيار الأسماء. أمّا الجديد، فهو أنّ “هذه الأسماء صارت تمر على لجنة لتنقيحها وتعديلها وعرضها بالشكل الأمثل والأنسب، وتحديد الرسائل المختارة منها قدر المستطاع بحيث لا يكون هناك أكثر من اسم لذات الرسالة كي لا تتشتت الأصوات، كما تقوم هذه اللجنة بمهمة التدقيق اللغوي أيضاً،” يقول سامي.
من جانب آخر، تحدث مؤيد سكيف، وهو صحفي وعضو في رابطة الصحفيين السوريين، عن الأسباب التي أثارت قلق الناشطين ودفعتهم إلى المطالبة بتغيير آلية التصويت، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا ينكر حدوث “تطور ملحوظ بالأداء بعد حملة الإنتقادات التي حصلت والتي أدّت إلى تغير آلية التصويت،” على حد تعبيره.
“مع بداية الثورة لم أكن مهتماً بتسمية يوم الجمعة (…) فهي تحصيل حاصل،” يقول سكيف. “ولكن حينما أصبحت هذه التسميات أمراً يأخذ بنا نحو التطرف وبدأت تفرض تسميات غير معقولة صار لزاماً التعبير عن رأينا في الموضوع و(…) التحرك من أجل لجم هذه اللامبالاة التي تأخذ الثورة نحو المجهول،” يضيف سكيف.
ينفي سكيف معارضته للتسميات المقتبسة من القرآن، إذ لا يمانع أن تكون التسمية دينية، إذا كانت تحمل بعداً وطنياً جامعاً ومعنى واضحاً ويعبر عن حقيقة الثورة، على حد تعبيره.
“لا يمكن أن نسأل ما الذي تعنيه تسمية “ثورة لكل السوريين” أو “أطفال الحولة مشاعل النصر”، ولكن سوف نستفسر فعلاً حينما نقرأ عبارة “من جهز غازياً فقد غزا” أو “نصر من الله وفتح قريب”،” يضيف سكيف، مؤكداً أنه يؤمن أنّ النصر قريب، لكن معنى كلمة “فتح”، دينياً وتاريخياً، لا يعبّر عن الوضع السوري الراهن.
“نحن لا نقوم بفتح بلادنا ولا نقوم بغزوها،” يقول سكيف، “وهذا إن عبر عن شيء فيعبر عن العقلية التي تنتج هذا النوع من الخطاب طيلة الوقت والتي تسيء إلى ثورتنا الشعبية من خلال تسويقها الخاطئ لخطاب أحادي،” مضيفاً أنّ الثورة يجب أن تبتعد عن أي اتجاه أيديولوجي.
سامي، من جهته، يؤكد حيادية صفحة الثورة وينفي ارتباطها بأجندة معينة، مع أنه لا ينكر أنه بات هناك تواصل بين الصفحة وبين المعارضة السورية – متمثلة بالمجلس الوطني، إذ ترشح الأخيرة لهم بعض الأسماء التي تراها ملائمة للظروف التي تمر بها الثورة، ويتم التعامل مع المجلس الوطني كأي جهة ثورية، بحسب تعبيره، حيث يتم إدراج اقتراحهم في التصويت العام إلى جانب باقي المقترحات، على حد قوله.
إذاً، هل باتت عملية التصويت على الأسماء على السكة الصحيحة من حيث ابتعادها عن التفرّد بالرأي من جهة، وخدمتها أهدافاً أوسع من التسمية نفسها من جهة أخرى؟
فيما يتعلق بهذه النقطة، يقلّل سامي من أهمية الخلاف مع أفرقاء المعارضة.
“الإختلاف أمر طبيعي بل ومطلوب في كثير من الأحيان ذلك أن الاختلاف يحمل في ثناياه الإقتراب من الحالة المثلى للديمقراطية التي نسعى لها،” على حد قوله. “ولكن الأمر الذي قد يعيق التقدم والإقتراب من النصر هو الإقتتال، وهذا ما لم نصل له حتى الآن.” فاسم الجمعة “عبارة عن وسيلة لإيصال رسالة وليس غاية بحد ذاته وكل خلاف تحت هذه المظلة مقبول وقابل للنقاش ما دام يصب في الغاية الكبرى وهي تحقيق مصالح الوطن عن طريق الثورة،” يضيف سامي.”أن تأتينا الإنتقادات من أخوة وشركاء لنا في الثورة خير من أن تأتينا من عدو لنا يطعننا في الظهر”.