تصريحات أمريكا حول نهاية الأسد مرهونة بإضعاف روسيا وإيران
أدلى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الخميس الماضي بتصريح لافت حول اقتراب نهاية حكم الرئيس السوري بشار الأسد، معيدا مقولة أمريكية وأوروبية تكررت على مدار السنوات الست الماضية، وهي إن لا مكان لأسرة الأسد في مستقبل سوريا.
التصريح جاء بعد لقاء تيلرسون بالمندوب الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا وفي سياق التعليق على إعلان الأخير أن مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام ستستأنف في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، غير أن معاني التصريح يمكن أن تفيض عن هذه الواقعة المحددة وتتشعّب في اتجاهات أخرى لا تقتصر على الوضع السوري بل تمتد إلى مجريات الأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة والعالم.
يجيء التصريح بعد فشل الولايات المتحدة في تمرير قرار قدّمته لمجلس الأمن الثلاثاء الماضي لتمديد تفويض لجنة التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا بعد استخدام روسيا لحق النقض «الفيتو» ضده، وتوازى ذلك مع اتهام واشنطن لموسكو عبر حلف الأطلسي (الناتو) بتضليل الحلف بشأن نطاق مناوراتها الحربية الشهر الماضي ما اعتبر انتهاكا لقواعد تستهدف «خفض التوتر بين الشرق والغرب» وبأن قواتها حاكت هجوما على الغرب. وحسب الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ فإن «عدد القوات المشاركة في المناورات تجاوز بصورة كبيرة العدد المعلن قبلها والسيناريو كان مختلفا والنطاق الجغرافي أكبر مما سبق الإعلان عنه».
هاتان الحادثتان مثالان على المناوشات الجارية بين البلدين، وكان التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وردود الأفعال المتصلة عليه، من تخفيض أعداد الدبلوماسيين وإغلاق القنصليات ومنع الإعلانات الروسية في وسائل التواصل أحد أشكال هذه المناوشات.
ورغم أن تيلرسون لم يتطرق لكل هذه الوقائع التي سبقت تصريحه لكنّ تتبع آثار ذلك ممكن من خلال الرابط في قوله إن السبب الوحيد في نجاح قوات الأسد في تحويل دفة الحرب المستمرة منذ أكثر من ست سنوات هو «الدعم الجوي الذي تلقته من روسيا».
وإذا كانت الرسائل المتبادلة بين واشنطن وموسكو على الساحة السورية، وارتباطها بأشكال النزال العسكري والدبلوماسي بين الطرفين واضحة للعيان، فإن التصعيد اللفظي الأخير يرتبط أيضاً ومن دون شك بالتحركات الأمريكية والإقليمية لاحتواء النفوذ الإيراني في سوريا والمشرق العربي وكانت آخر المستجدات في هذا الموضوع العقوبات التي أقرها مجلس النواب الأمريكي (الكونغرس) على «حزب الله» في لبنان، ورعاية واشنطن للتقارب السعودي ـ العراقي، وملامح التوجه السياسي الأمريكي فيما يخص المنطقة بعد الانتهاء من تنظيم «الدولة الإسلامية» واستيعاب النقلات التي ترتّبت على إعلان الاستفتاء الكردي وهجوم «الحشد الشعبي» على كركوك ومطالبة تيلرسون بخروج «الميليشيات الإيرانية» من العراق.
وإذا نظرنا إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي حول «اقتراب نهاية الأسد» ضمن هذا السياق فإن المقصود منه قد يعتبر تهديداً لدكتاتور قصر المهاجرين لدفعه للابتعاد عن إيران أكثر من كونه اشتغالا أمريكياً فعلياً على تحقيق تلك «النهاية». فالإدارة الأمريكية على مدار السنوات الستّ الماضية (باستثناء الضربة المختصرة التي تلقّاها النظام على مطار الشعيرات بعد قصفه بلدة خان شيخون بالسلاح الكيميائي)، ساهمت، خلال إدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب، هي أيضاً في الإبقاء على النظام السوري، رغم كل الإعلانات الصاخبة المستمرة عن انتهاء أيامه وضرورة رحيله.
ففي شهور الثورة السورية الأولى مارست واشنطن ضغوطاً هائلة لقولبة المعارضة ضمن أجندتها، ومنعت إنشاء حكومة انتقالية تلغي شرعية النظام، ثم انشغلت بترتيب الاتفاق النووي مع إيران، ولاحقاً بلعت «خطوطها الحمر» للنظام وركّزت على تفكيك ترسانته الكيميائية. لتسلّم بعدها أوراق اللعبة للروس وتخذل تركيا حين حاولت التصدي لهم.
وفي مرحلة أخرى، حاولت أمريكا تمويل معارضة تتفرغ لقتال حركات الجهادية المسلحة وتتحاشى قتال النظام، وقوّت خصوم أنقرة اللدودين من واجهات حزب العمال الكردستاني في سوريا الخ. وعليه، فإن دعم روسيا وإيران للنظام لم يكونا السبب الوحيد في عدم سقوطه.
التصعيد الأمريكي، بهذا المعنى، محدود، بحدود معارك واشنطن الدبلوماسية والاستخباراتية مع روسيا، وبمحاولتها تقليم أظافر طهران في المشرق العربي.
ما يعني أن التصريحات عن «نهاية الأسد» لن يكون لها تأثير سريع على مجريات الأحداث في سوريا (ناهيك عن تأثيرها على مفاوضات جنيف المقبلة) ما لم تحصل تغيّرات حقيقية في المنطقة العربية أو العالم تضعف دعم روسيا وإيران للنظام السوري ورئيسه.
القدس العربي