جمهورية الفلول السورية
عبد الوهاب بدرخان
تأجل الحوار الوطني، أو لعله توقف، بعدما تحققت الغاية التي حددها “حزب الله” لاستئنافه، وهو انذار “الفريق الآخر” بالتزام التهدئة وعدم التدخل في الأزمة السورية لمصلحة المعارضة. اما الحزب نفسه فلا يتدخل لأنه منذ اللحظة الاولى جزء عضوي لا يتجزأ من حملة النظام على الشعب السوري، وجزء من الدعم الايراني المطلق للنظام. لذلك، فإن الافضل من الحوار هو عدم الحوار عندما يكون حول اوهام، ولم يخف “حزب الله” وضوحه في شأن سلاحه، فهو لا يريد اخضاعه للنقاش، وليس مستعدا لتسليمه في اي حال، ولا لالتزام عدم استخدامه في الداخل.
بعد خطاب السيد حسن نصرالله، وخطب النائب محمد رعد، تلاشت التوقعات “الايجابية” التي استبقتها وتبين انها مجرد بالونات اختبار. اذ دخل “حزب الله” مزاجا جديدا على خلفية تيقنه الآن بأن النظام السوري مندفع الى نهايته. لم يتخلّ عن حذره، ولم تتبدد مخاوفه، لكنه اقصى نهائيا كل الاطروحات التي اقترحت عليه القيام بمبادرات طيبة سواء نحو الداخل اللبناني او نحو انفتاح ما على المعارضة السورية. فالحزب يتموضع الآن نفسيا، الى حد ما عملانيا، مع ما يستشرفه من تطورات في سوريا ستنعكس حتما على لبنان.
لن يبقى النظام الحالي في دمشق وانما سينكفئ الى الساحل، والى لبنان. لا جديد في ذلك، فكثيرون يعرفونه منذ فترة ويجتهدون في استقراء التواصل الجغرافي الذي تقيمه المجازر والعمليات العسكرية بين حمص وريفها وبين الشريط الساحلي الواقع تحت الهيمنة العلوية، ثم تواصلهما الجغرافي مع الشمال والشمال الشرقي اللبنانيين. ستكون لـ”حزب الله” وظيفة جديدة هي تأمين هذه المناطق لمصلحة “الدويلة” المرتقبة، بالاضافة الى استرهانه جنوب لبنان في مواجهة العدو الاسرائيلي (الذي يوفر له الذرائع ويحميها) لكن لمصلحة الأب الايراني واحتمال تعرض ايران لحرب تخوضها ضدها اسرائيل والدول الغربية. وفي كل ذلك يعوّل “حزب الله” على “تعاون” لا يبدو الجيش اللبناني مخيرا في امكان حجبه او منحه.
اذا كان للدويلة العلوية ان تقوم، حتى لو لم يعترف بها احد، فإنها ستتمتع بضمان روسيا ودعم ايران. وسيعتبر لبنان تلقائيا مدى حيويا لها، بسبب ما تشكله العقوبات الغربية من صعوبات. وبفضل سياسة النأي بالنفس التي استعدت المعارضين السوريين، تكون بيروت قد اسست لعلاقة جديدة غيير سليمة مع سوريا والنظام الجديد المتوقع في دمشق. ومع وجود اعداد كبيرة متوقعة من “فلول النظام” وعائلاتهم و… اسلحتهم على ارض لبنان، وبتسهيلات من “حزب الله” وأذرعه في الدولة وأجهزتها، سيتعزز التواصل مع “الدويلة” وتتضاعف الهيمنة والوصاية المتجددتان، ستصبح الجمهورية اللبنانية “جمهورية الفلول” بحكم الأمر الواقع. بديهي ان هذا مجرد سيناريو لكن ارهاصاته باتت ملموسة خصوصا مع انتقال “حزب الله” من تقليب الاحتمالات الى التشدد في المواقف والخيارات.
النهار