حساسيّة كردية تجاه مؤتمرات المعارضة!/ فاروق حجّي مصطفى
هذه ليست المرة الأولى التي يستنفر فيها الكُرد ويلومون قادتهم، وخاصة القادة الذين حضروا مؤتمر القـــاهرة مؤخراً. فالكُرد ما أن يحضروا مؤتمراً حتى تقوم الدنيا ولا تقعد، بدءاً من مؤتـــمر سميراميــــس الأول بعد أشهر قليلة من انطلاق الثورة، وانـــتهاء بمؤتمر القاهرة الـــذي بيّن بوضــوح تراجعاً، ليس في الأداء السياسيّ الكُرديّ فحسب، بل حتى في مستوى الاتفاقيات التي كانت موقعة بين الكُرد والمجلس الوطني السوري قبـــل أكثر من عامين، وتبني الائتلاف لـ «وثيقة العهد الوطني الخاص بالكُرد»، بمعنى أنّ الكُرد تراجعوا في محورين: الأول في الأداء السياسي، حيث لم يستطيعوا إعداد أنفـــسهم جيداً لـــهذا المحفل مع المعارضة، وذهبوا إلى الـــقاهـــرة من دون اتفاق مسبق في ما بينهم، وخاصة الشخصيّات الكُرديّة المحســوبة على المجلس الوطني الكُردي ووفد «تــف دم» الذي شـــارك بحضور كبير ضمّ ممثلي «الكانـــتونات» و«قوات الحماية الشعــبيّة» و«الاتحاد الديموقراطي». وإضافة إلى عدم التحضير، كان هـــناك غيــــاب للتخطيط المسبق كما غـــابت الاستراتيجيّة الواضحة المستندة إلى الحجج والأسانيد.
والمحور الثاني هو تراجع في كيفية انتزاع حقوق الكُرد الذين ما أن يحضر ممثل لهم مؤتمراً حتى يتابعوه ويترقبوه بحذر آملين منه انتزاع الحقوق المشروعة للكُرد!
في المحور الأول، يبدو أن الشقاق الكُردي يؤثر في الأداء السياسيّ في شكل مباشر، وهناك فشل واضح في المرجعيّة، على رغم التوقيع عليها من قبل جميع الأحزاب وتحت رعاية الرئيس مسعود بارزاني. أما في المحور الثاني، فكانت الخسارة الكبيرة التي مُني بها الممثل الكُرديّ في مؤتمر القاهرة وبنود بيانه الختامي المتعلقة بالكُرد التي لم ترتق إلى مستوى الحدث السياسيّ أولاً، وإلى الاتفاقيّات السابقة وخاصة وثيقة العهد بين الائتلاف والكُرد ثانياً.
ما يثير الاستغراب أنّ المعارضة التي اجتمعت في القاهرة، على رغم أن غالبيتها تُعتبر، أو ترى نفسها، معارضة ديموقراطيّة ووطنيّة، لم تحسن الاستجابة للوفد الكردي في المؤتمر ولم تمتلك روح الديموقراطية للتجاوب مع حقوق الكُرد، وأيضاً تخليص سورية من تركات النظام السابق بدءاً من الاسم وانتهاء بهويّة سورية. فكأنّ المشهد يراوح في مرحلة قبل الثورة، بل فترة ما قبل ربيع وإعلان دمشق، حيث تم الاعتراف، إلى حد بعيد، بحقوق الكُرد وديموقراطيّة سورية.
بقي القول إنّ مؤتمر القاهرة كشف عورة الطرفين، الطرف الكُردي الذي بدا وكأنه حقّق مقولة جوناثان راندل في كتابه «أمة في شقاق»: «يخوض الكرد أشرس المعارك وينتصرون لكنّهم يضيّعون هذا الانتصار على طاولة المفاوضات»، وطرف المعارضة التي ظهرت متعصّبة، ولم ترتق إلى مستوى حداثوية التفكير، بل إلى مستوى الشعور بالمسؤولية تجاه كل المكونات. ومعارضة مؤتمر القاهرة تحتاج إلى الكثير حتى ترتقي إلى مستوى رجال يبنون دولة.
* كاتب كردي سوري
الحياة