حقوق للنساء إلا في ظل الدولة الديموقراطية الحديثة/ ميّة الرحبي
بادرتنا إحدى الناشطات النسويات الغربيات بالقول: «عليكنَّ كحركة سياسية نسوية أن تذهبنَ إلى سوتشي». وعندما سألتها: «ولماذا يا رعاك الله؟»، أجابت: «ماذا لو لم يكن هناك نساء، ماذا لو أُغفِلَت حقوق النساء من البيان الختامي؟».
وأعتقدُ أن الجهات الأجنبية الموجِّهَة للنظام السوري لفتت نظره إلى هذه المسألة، فحشدَ كمّاً كبيراً من النساء، وإن لم يتجاوز على ما أعتقد -ولست متأكدة- عُشرَ الموجودين في القاعة، ولكن هذا الكم كان كافياً لتطبيق سياسة النظام في تزيين وجه الكعكة بعدد من النساء، كي يُقال عنه إنه نظام علماني تقدمي.
وكذلك تم نصحه بأن يضمِّنَ البيان الختامي الجملة التي دعونا لها منذ أكثر من 20 سنة: «على ألا يقل تمثيل النساء عن 30% سعياً إلى المناصفة». وكذلك أن يضمِّنَ ما أُطلقَ عليه اللجنة الدستورية أسماء بعض النساء، ولو أن أسماء بعض من كانوا في اللجنة الدستورية حسب معرفتي، لا يفقهون معنى كلمة دستور.
والسؤال الهام الذي يطرح نفسه هنا: ما مدى علاقة النسوية بالقضايا الوطنية؟ كثير من النسويات الغربيات يعتبرن أن النضال النسوي نضال عالمي لا يعترف بالحدود ولا بالدول القومية، ولكن نسويات العالم الثالث يربطن دائماً النضال النسوي بقضايا التحرر الوطني كما عبرت نوال السعداوي عن ذلك بقولها: «تضامنت النساء لضرب الاستعمار الخارجي والداخلي معاً، السياسي الاقتصادي الديني العنصري في آن واحد، استعمار الأرض والجسد والعقل في آن واحد، يشملُ التحريرُ الثلاثةَ معاً: الأرض والجسد والعقل. لا يمكن تحرير نصف المجتمع من النساء في ظل الاحتلال أو الاستعمار». وأضيفُ: أو الاستبداد.
كيف يمكن لنا اليوم أن نفصل مطالب حقوق النساء وقضاياهن عن مطالب شعبنا في الحرية والعدالة؟ كيف يمكن أن نتحدث عن حقوق النساء بمعزل عما يحدث اليوم من قتل وتهجير وتعذيب وتنكيل بحق شعبنا؟
هل يمكن الحديث عن حقوق النساء في ظل نظام قتلَ ما يقارب مليون سوري وسورية، مستخدماً شتى أنواع الأسلحة، جلّهم من المدنيين، وهجر داخلياً أكثر من 7 ملايين، وخارجياً أكثر من 5 ملايين، أي ما مجمله نصف الشعب السوري، ونهبَ وأفقرَ الشعب على مدى عقود، واعتقلَ مئات الألوف، ومات تحت التعذيب في سجونه عشرات الألوف وفق وثائق مثبتة، مستخدماً جميع أشكال التعذيب بما فيها العنف الجنسي بجميع أشكاله ضد النساء؟
هل النسوية تبحث عن حق مجرد لا علاقة له بحقوق الإنسان بشكل عام؟ وهل يمكن للنساء نيل حقوقهن في ظل نظام استبدادي كان ماهراً في ربط الاستبداد السياسي بالأبوي بالديني؟
كان وضع النساء في ظل هذا النظام الذي ادعى العلمانية لا يختلف عن وضعهن تحت حكم أي نظام استبداد ديني، فقد منع ترخيص أي جمعية نسوية تطالب بحقوق النساء. لم يتغير خلال ما يقارب الـ 50 سنة من حكمه أيٌّ من مئات المواد القانونية المميزة ضد المرأة، باستثناء تغييرين طفيفين على قانون الحضانة تمّ من خلالهما فقط رفع سن الحضانة للأولاد، دون إعطاء أي حقوق للأم الحاضنة، وتغييرين طفييفين غير جذريين على مادتين في قانون العقوبات، متعلقين بجرائم الشرف وعقوبة المغتصب. بل كرَّسَ دستور 2012 الحق للطوائف الدينية بوضع قوانين أحوال شخصية مختصة بها، بقيت كلها مُمِّيزةً ضد النساء وتمّيزُ بين النساء والنساء في الوطن الواحد.
عدا عن وضع النساء في مراكز صنع قرار شكلية غير فعالة وغير مؤثرة كمنصب نائبة رئيس الجمهورية، أو وزيرة لوزارة غير سيادية، أو نائبات في مجلس الشعب لا حول لهنَّ ولا قوة، حتى أنهنَّ صوتنَ بالإجماع على إبقاء تحفظات سوريا على اتفاقية السيداو، أي صوتنَ لما هو ضدهنّ وضد مصالحهنّ، ولا أعتقد أنهنَّ كنَ قد اطلعنَ على الاتفاقية أو التحفظات المتعلقة بها قبل هذا التصويت، أو كنَّ قادرات على التعبير عن رفضهنَّ أو تحفظهنَّ فيما لو كنَ مطلعات عليها. هذا عدا عن التجاوزات الكبيرة التي ارتكبها المتنفذون بحق النساء، واعتقال النظام آلاف النساء المناضلات وتعذيبهنّ حتى قبل الثورة.
خلاصة القول، إن أي مواطن رجلًا كان أم امرأة، لا يمكن أن ينال حقوقه في ظل نظام استبدادي لا يقيم وزناً للقانون أصلاً، ولا ينتخب الشعب فيه ممثليه أصلاً، ولا يوجد سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية لها صلاحياتها المعروفة أصلاً، يعيش فيه الشعب تحت سيطرة أجهزة أمنية تتحكم في تفاصيل حياته، حتى أنها يمكن لها أن تسلبه حياته دون محاسبة.
كيف يمكن للنساء الحصول على حقوقهن في ظل هكذا نظام؟
ذلك عدا عن أن النظام الذي يدعونا سوتشي للقبول به نظام أجرمَ بحق شعبه إجراماً لا مثيل له في التاريخ المعاصر، هل يُنتَظَرُ من هكذا نظام مجرم أن يتيح للبشر مجرد المطالبة بحقوقهم، ناهيك عن نيلها.
النضال النسوي لا ينفصل عن النضال الديموقراطي، ولا يمكن للنساء نيل حقوقهن بمعزل عن إقامة الدولة الديموقراطية الحديثة، القائمة على أسس المواطنة المتساوية، دون تمييز بين مواطنيها على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة أو المنطقة أو أي أساس كان، دولة حيادية تجاه كل أطياف الشعب، دولة القانون التي تساوي بين نسائها ورجالها دون تمييز، وتجرّمُ أي عنف ضد النساء، بضمانة دستور ضامن لحقوق النساء يكون أساساً لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة على جميع الأصعدة السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويضمن مشاركة النساء مشاركة فاعلة في جميع مراكز صنع القرار.
ولذا أعلنا في الحركة السياسية النسوية أننا ضد مؤتمر سوتشي وكل ما ينجم عنه، لأنه يمثل إعادة تأهيل للنظام السوري، وفرض حلول تتوافق مع رغباته ورغبات روسيا التي تسانده في قصف وقتل شعبنا. لن ننال حقوقنا إلا بربط نضالاتنا بمطالب ثورة شعبنا في الكرامة والحرية والعدالة.
وهنا أقول لصديقتي النسوية الغربية: إن أردتم مناصرة قضايانا النسوية، عليكم مناصرة قضايا شعوبنا العادلة، وربط النضال النسوي العالمي بالنضال العام لتغيير بنية النظام البطريركي الذكوري، القائم على السيطرة والقوة واستثمار خيرات الشعوب المستضعفة، وإبقائها تحت حكم نظم استبدادية تابعة، وتأجيج صراعات بينها، وإدارة حروب بالوكالة على أرضها، فالإنسانية والحضارة وحقوق البشر كلٌّ واحدٌ لا يتجزأ.
موقع الجمهورية