حوار برعاية “داعش”/ حسام كنفاني
فجأة، ظهرت ملامح المحبة والتسامح والتقارب بين الأطراف اللبنانية المتصارعة. هكذا، من دون سابق إنذار، نصبت طاولات الحوار في أماكن متفرقة من البلاد، بين الفرقاء السياسيين الذين كانوا، إلى الأمس القريب، متخاصمين ومتقاتلين، وكادوا يدخلون البلاد في حرب أهلية لم تنتهِ تداعياتها إلى الآن. فتأثيرات التصريحات والمواقف التي يطلقها السياسيون لا تنتهي عندما يقرر هؤلاء المسؤولون أنفسهم أن الوقت حان للتراجع، بل تبقى تداعياتها على الأرض.
هذا تحديداً ما هو حاصل في لبنان، اليوم، فقرار تيار المستقبل وحزب الله الدخول في حوار، لتنفيس الاحتقان في الشارع، بات غير ذي جدوى فعلية. فبعد سنوات من الحقن الطائفي والمذهبي، بات الشارع في مكان آخر، وقارئاً للتكاذب السياسي القائم خلف الأبواب المغلقة، خصوصاً أن لهذا التكاذب أسبابه المعلومة، فالحوار القائم هو عملياً برعاية “داعش”، بعدما بات تنظيم الدولة الإسلامية يمثّل رعباً للممثلين السياسيين للسنّة والشيعة.
التمدّد الكبير لهذا التنظيم الإرهابي، والذي وصلت تشعباته إلى الداخل اللبناني، وضع الأطراف السياسية الإسلامية أمام تحدي حصر ما يمكن من أضرار، واحتواء الحالة المتصاعدة للتنظيم، خصوصاً في الأوساط الشعبية السنية في لبنان، حيث لم يعد مستغرباً مجاهرة بعض الشبان بمناصرتهم الدولة، بحكم ما يرون أنه مظلومية يتعرضون لها منذ سنوات، وأن هذا التنظيم سيأتي لنصرتهم. الأمر قد لا يتوقف على الشبان في لبنان فقط، بل هو ممتد من العراق إلى سورية، وصولاً ربما إلى اليمن، مع ما تشهده البلاد هناك من تغوّل للحوثيين برعاية إيرانية.
تلقفت الأطراف السياسية الإسلامية في لبنان التوجهات الخطرة للأمور، وهرعت إلى الحوار الذي من المفترض أن يكون احتوائياً، غير أن الأمور لن تكون مضمونة النتائج، في حال بقي هذا الحوار عند الحدود الشكلية ولم يتطرق إلى النقاط الخلافية الأساسية، التي أوصلت البلاد إلى الاحتراب، وفتحته على مصراعيه أمام الأفكار المتطرفة. الحوار لا يزال غامضاً، كل ما يصدر عنه هو “احتواء التشنج”، وهي الغاية الأساسية منه، وليس الوصول إلى أي توافق أو اتفاق.
المفارقة أن عدوى الحوار وصلت إلى الأطراف المسيحية اللبنانية، ولا سيما بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وهو حوار، أيضاً، يجري برعاية “داعش”، وإن بشكل غير مباشر، خصوصاً أنه انعكاس مباشر للحوار الإسلامي الجاري في الطرف الآخر من البلاد. حوار بداعي الخوف. خوف من توافق إسلامي هناك ينعكس على المسيحيين هنا، فلا بد، إذن، من إجراءات استباقية تقاربية، هي، في الغالب، شكلية أيضاً. فالشارع، هنا، كذلك، عاش السنوات الماضية على وقع الشحن السياسي الذي لا ينهيه حوار متقطّع، وغير واضح المعالم كهذا.
في الحالتين، الإسلامية والمسيحية، هذا حوار الضرورة والخوف، الذي يفرضه “داعش” على المتخاصمين اللبنانيين. لكن التحدي ليس في جلوس السياسيين على الطاولة، والضحك أمام عدسات الكاميرات، وهم، بالعادة، يضحكون، دائماً، في جلساتهم المغلقة، قبل الحوار وبعده. لكن، في مدى القدرة السياسية على نقل الأجواء الحقيقية للحوار إلى الشارع. لن يكون الأمر سهلاً، وخصوصاً عند الطرف السياسي السني، الممثل بتيار المستقبل، الذي بات واضحاً أن زمام الشارع بات يفلت من بين يديه، وهو بحاجة إلى أوراق أساسية تعيد له حضوره في الشارع. أوراق قد يكون حزب الله قادراً على إعطائه إياها، عبر منحه نقاطاً في الحوار، غير أن السؤال ما إذا كان الحزب راغباً أو مالكاً لقرار منح هذه النقاط. لا إجابة حاضرة الآن، ربما بانتظار تقييم الحزب معاركه في سورية، وتقدير أرباحه وخسائره التي قد تسمح، أو لا تسمح، له بتقديم تنازلات داخلية.
وحتى ذلك الوقت، يبقى الحوار شكلياً، فيما الخطر الداعشي “باقٍ ويتمدّد” داخلياً.
العربي الجديد