حوار مع بيتر هارلينغ مدير مشروع ”مجموعة الأزمات الدولية”صعود الجهاديين سببه تقاعُس الغرب في دعم المعارضة السورية
لماذا استعانت المعارضة السورية المُسلَّحة بالمجموعات الجهادية؟ وما تأثير هذه الجماعات على إمكانية تدخُّل دولي؟ الخبير بيتر هارلينغ يحلل دور الجماعات الإسلامية في المشهد السوري، وكيف تتخذها بعض الدول شماعة لعدم التدخل في سوريا.
بيتر هارلينغ، أنت مدير مشروع “مجموعة الأزمات الدولية” من أجل العراق ولبنان وسوريا. نشرْتَ مؤخراً وثيقة بعنوان ” محاولات جهادية: المعارضة السورية الأصولية”، حيث توثّق لوجود مجموعات إسلامية مختلفة في سوريا. ما هي الجماعات التي شملتها الدراسة؟
أولا أتحدث عن القوى المنبثقة من المجتمع السوري نفسه، والمنتمية إلى الطبقة المحافظة، وهي الفئة التي ينتمي إليها معظم المقاتلين المحليين. هؤلاء ينتمون إلى طبقة فقيرة ومُهمَلة اجتماعياً. هذا النوع من المقاومة هو غير رسمي، وهم ينظمون أنفسهم بأنفسهم. هؤلاء الناس يميلون إلى نموذج محافظ. وهذا ما ساهم في تشكيل عناصر هذه المعارضة.
هناك جماعات إسلامية، على سبيل المثال جماعة “جبهة النصرة لأهل الشام” – المذكورة في التقرير- التي لا تريد فقط إسقاط نظام الأسد، وإنما تريد أيضاً فرض أجندة عسكرية سلفية. كما أُلْقِيَت عليها المسؤولية فيما يخُصّ هجمات انتحارية على مناطق مدنيّة في الغالب. هذه الجماعة – كما كتبتُ- أقرب إلى ” القاعدة في العراق” منها إلى المعارضة السورية الأصلية.
ما هو موقف المقاتلين السوريين تجاه هذه الجماعة الجهادية والجماعات الجهادية الأخرى؟
الكثير من القوى هي ذات توجُّه علماني، وليس لها اهتمام كبير بالدين. مع ذلك فقد ساروا باتجاه المجموعات الإسلامية المسلحة، لأنها تتلقى الدعم من شبكات إسلامية خارجية. وأغلب الدعم يأتي من دول الخليج. ينبغي أن نشير أن هؤلاء في حالة حرب، وهم في حاجة إلى السلاح والذخيرة. والمال الذي يحتاجونه لذلك يحصلون عليه من دول الخليج، وخاصة الشبكات الإسلامية الموجودة هناك، والتي تنظم نفسها حول المساجد.
“في الأصل الثورة السورية مستلهمة من الربيع العربي. لقد أريد من خلال الاحتجاجات الكبرى إظهار لا شرعية النظام السوري. ولقمع هذه المظاهرات كان رد فعل النظام عنيفاً جداً. في ظل هذا الوضع خلُص الثُّوار إلى ضرورة الدفاع عن النفس”.، كما يقول بيتر هارلينغ.
كما أن المال يأتي أيضا من رجال أعمال سوريين أثرياء يعيشون هناك. كل هذه العناصر تشكل هوية المعارضة المسلحة، والتي تبدو في بعض الأحيان أنها تنهج طريقة انتهازية. في الكثير من الأحيان المقاتلون أنفسهم ليسوا مقتنعين بما يصدر عنهم من كلام، غير أنهم مدركون أنها الطريقة التي ستُرضي الجهات الداعمة.
كيف أصبح المعارضون لنظام الأسد يعتمدون على الجماعات الإسلاميين؟
في الأصل الثورة السورية مستلهمة من الربيع العربي. لقد أريد من خلال الاحتجاجات الكبرى إظهار لا شرعية النظام السوري. ولقمع هذه المظاهرات كان رد فعل النظام عنيفاً جداً. في ظل هذا الوضع خلُص الثُّوار إلى ضرورة الدفاع عن النفس. فأمَّنوا المواقع التي أرادوا التظاهر فيها. لهذا الغرض تم إنشاء الجيش السوري الحر.
وللبحث عن خيارات أخرى اقترب الثوار من الأصوليين الإسلاميين. وكذلك اتجهوا إلى العنف على نحو متزايد، فاستخدموا حتى القنابل، التي تسببت في خسائر كبيرة للمدنيين. كما كانت هناك عمليات خطف وسلوكيات إجرامية أخرى، تم تبريرها بمقاومة النظام.
“يمنع وجودُ الجماعات الجهادية الإسلامية المجتمعَ الدوليّ من تقديم الدعم للثوار السوريين. نعم. وهذا التواجد الإسلامي الجهادي هو ما ترتكِز عليه روسيا والعراق وإيران لتبرير مواقفها السياسية”، كما يرى المتخصص بشؤون الشرق الأوسط: بيتر هارلينغ.
إذن هو تطوُّر لا إراديّ نحو مقاومة دينية؟
نعم. عموماً تأثر تطوُّر المعارضة بشكل كبير برد فعل النظام العنيف في التصدي للاحتجاجات الأولى التي شهدتها سوريا. وهذا التطور صار تلقائيا. فكلما تداخلت المعارضة مع القوى الإسلامية، قلَّ عدد الناس المستعدِّين لدعمها. ورغم ذلك، لاحظنا أمراً بعكس هذا الاتجاه: فهناك سوريون في بعض المناطق يقاتلون بعنف النظام السوري ويدعمون كل من يقاتله أيضاً.
هل يمكن أن نقول بهذا المعنى إن ضعف الدعم المقدم من الغرب للمقاومة السورية هو ما دفعها للاتجاه نحو الإسلاميين؟
نعم. كان السوريون يفترضون في البداية أن المجتمع الدولي سيتدخل عند مرحلة معينة. اعتقدوا أنه لن يتخلى عنهم في نهاية المطاف. وقد جاءت فعلاً إشارات كثيرة من المجتمع الدولي تشجِّع المجموعات المسلحة المعارِضة على تصعيد الوضع. لقد كانت هناك إشارات عديدة تعبِّر عن الدعم الدولي. لكن كل ذلك لم تتبعه الأفعال.
وكلما تحقَّق هو مجرد عقوبات أضرَّت بالمدنيين أكثر مِمّا أضرت بالنظام. وعندما وُجِد دعم فعليّ لم يساهِم في حصول تلك الجماعات على السلاح الذي تحتاجه في القتال. وفي الوقت نفسه، توالت الإشارات المحفِّزة للثوار بعدم تقديم أية تنازلات سياسية، في حين كان بالإمكان تحريك العملية السياسية.
وفي الوقت ذاته، يمنع وجودُ الجماعات الجهادية الإسلامية المجتمعَ الدوليّ من تقديم الدعم للثوار السوريين. نعم. وهذا التواجد الإسلامي الجهادي هو ما ترتكِز عليه روسيا والعراق وإيران لتبرير مواقفها السياسية. لكن هذه المواقف ستتراجع عندما لا يبقى لهذه الجماعات الإسلامية وجود في سوريا.
لكن الغرب أيضاً يميل إلى تبرير تحفظه بوجود المجاهدين. في هذا السياق يُقال إن الشأن السوري هو شأن معقد. فسوريا تقع في منطقة غير مستقرة وشديدة الحساسية. وهذا كله يجعل من الصعب اتخاذ التدخلات العفوية نفسها التي تم اتخاذها في ليبيا.
ما الذي يمكن انتهاجه سياسيا لإنهاء العنف في سوريا؟
حاليا أصبح التحاور والتفاوض والوساطة أموراً شبه مستحيلة. فالكراهية كبيرة والدم الذي أُريق كذلك. وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يجلس الطرفان على الطاولة واحدة. ولِكَيْ يحصل ذلك ينبغي على التحالفات الخارجية أن تغير موقفها. المعارضة المسلحة مُجزَّأة جداً. والمجموعات الفردية تشكل وحدة واحدة، لكن في الوقت ذاته، يتنافس بعضها مع بعض.
وسيكون عاملا مساعداً إذا استطاعت المجموعة الدولية التنسيق بين هذه المجموعات، وبالتالي أن تتمكن من السيطرة على الموارد المتدفقة عليها. لكن في الوقت نفسه، كل مجموعة مسلحة لها جهة دعم مختلفة عن الأخرى وبرنامج مختلف. وهذا يُرْجِعنا إلى الحديث عن الانقسام الحاصل داخل المعارضة السورية.
هل يمكن أن يساهم أنصار الأسد في وقف العنف في سوريا؟
نعم، يمكنهم المساعدة بإضفاء الطابع المؤسساتيّ والرسمي على قوات النظام. لأنه حتى الآن قام النظام بتجنيد مقاتلين خاصين، يتولَّوْن الأعمال الأمنية. ولهذه الغاية أصبح لهؤلاء المقاتلين حرية مطلقة. ولذلك انتهجوا سلوكاً سيّئاً، فارتكبوا المجازر دون أن يُحاسَبُوا. هنا يمكن لحلفاء النظام أن يمارسوا نوعاً من الضغط. وهذا من شأنه خلق نوع من الاعتدال في المشهد السوري.
أجرى الجوار: كيرستن كنيب
ترجمة: ريم نجمي
تحرير: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012
بيتر هارلينغ هو مدير مشروع ” مجموعة الأزمات الدولية” من أجل العراق ولبنان وسوريا. وهي مؤسسة خاصة ومستقلة لمنع وحل الصراعات العنيفة.