حوار مع جهاد الزين: ليست “لحظة الإخوان المسلمين في المنطقة”!؟
غسان المفلح
بداية تشدني مقالات الأستاذ جهاد الزين لأسباب عديدة لكن أهمها، هو أنها مقالات ملغومة دوما بتعدد المعنى، وأحيانا بالتباسه في الواقع. ومن هذه المقالات الملغومة، مقاله المعنون بـ”لحظة” الإخوان المسلمين في المنطقة؟” (“قضايا النهار” 6/4/2011) والذي وضعته نفسه عنوانا لمقالي هذا، لكنني أضفت اليه إشارة تعجب، والسبب بسيط جدا هو أن هنالك محاولة من أستاذنا أن يظهر بأن الثورات التي جرت في تونس ومصر والآن في سوريا خاصة، وخاصة هذه مهمة جدا لأستاذنا، هي ثورات يكثفها بأنها يمكن أن تكون لحظة إخوانية، وهذا بالطبع غير صحيح، لا ثورة تونس اشارت نحو هذا الاتجاه، ولا ثورة مصر أيضا، أما عن سوريا فهي أقل الثورات اشارة الى دور الإخوان فيها.
ومن باب الوقائع نقول أن هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها قياديو إخوان سوريا في تركيا، بل سبقتها مرات كثيرة حتى أن الاجتماع الأخير لمجلس شوراهم نهاية العام 2010، كما أذكر، عقد في تركيا، كما سمعت، وأجرى خلال تلك الفترة المراقب العام الجديد الأستاذ رياض شقفة لقاءات تلفزيونية عدة ومنها مع قناة تركية ، كما هي الحال مع مراقبهم السابق الأستاذ علي صدر الدين البيانوني. أما عن موضوع الوساطة التي يقوم بها حزب التنمية والعدالة الحاكم في تركيا بين النظام السوري والإخوان فهي قديمة أي منذ أكثر من عامين، ولكن النظام لم يستجب لهذه الوساطة، وعدم الاستجابة معروفة، وأكثر قياديي الإخوان صرحوا وكتبوا، بأن النظام رفض ويرفض الأيادي الممدوة له. واعتقد ان المحاولات التركية لن تتوقف، لكن الأمر الأكيد انه فقط نخب حزب العدالة والتنمية التركي هي الوحيدة من بين كل النخب السياسية التركية، تريد القيام بإجراءات تساعد النظام السوري، على البقاء والاستمرار، وهذا وليد التغير الاستراتيجي للدور التركي ولمشروع تركيا المستقبل، كما تراه العديد من النخب التركية وتعمل عليه. وكما هو معروف النظام في دمشق لم يقدم لتركيا بعد اعتقال الزعيم الكردي عبد الله أوج ألان سوى فتح الحدود اقتصاديا ولجم عناصر حزب العمال الكردستاني التركي من خلال التنسيق وتبادل صفقات استخبارية مع أجهزة الأمن التركي. أما موضوعة التصالح مع الإخوان وإجراء اصلاحات داخلية فهذا أمر لم ولن يقدم فيه النظام السوري أي تنازل، ما لم يكن محمولا على قوة قاهرة.
وفي هذا السياق رغم كل ما يحدث في سوريا من ثورة فإن الإخوان لايزالون معلقين لأنشطتهم المعارضة ويهددون برفع هذا التعليق دون أن يرفعوه، وكما يقول بعض المتابعين التهديد هو نتاج عملية التفاوض التي تجري عبر وسطاء!
اترك هذه النقطة الآن، لانتقل إلى الحديث الأخطر في المقال وهو ان هذه الثورات، يريد الأستاذ جهاد الزين أن يصورها، لحظة أخوانية، بينما هي ثورات مواطنة بالدرجة الأولى مع ذلك لنأتِ إلى الواقع العياني. في سوريا الإخوان أضعف من أن يضفوا مسحة ما على ما يجري من ثورة شبابية، والسبب يعود إلى مسألتين: الأولى- لشدة ما تعرضوا له من قمع من قبل النظام وملاحقات وإعدامات، ولوجود المرسوم 49 القاضي بإعدام كل منتسب للجماعة، والثانية هي الخلافات داخلهم والتي جعلت حركتهم بطيئة وأحيانا غير مفهومة، لهذا يجب عدم التناغم مع النظام وتصوير الانتفاضة الشبابية السورية بأنها لحظة إخوانية أو يمكن أن تكون، والدليل أن كل ما يجري على الأرض يشير بلا لبس إلى طبيعة هذه الانتفاضة السورية. كنا نتمنى أن تكون لحظة أخوانية وفق برنامجهم لسوريا المستقبل كما طرحوه قبل سنوات. لكن تصورهم البرنامجي هذا لا يمت بصلة مطلقا لتعليق أنشطتهم المعارضة بل بالعكس يشير إلى الاتجاه السلفي داخلهم.
أما بالنسبة لمصر، فكان موقف الإخوان في الواقع أثناء الثورة، موقفا وضع نفسه تحت تصرف وشعارات الثورة المصرية التي قام بها الشباب وعبر عنها بشكل دستوري الدستور المصري الجديد الذي لايمت بصلة لشعار الإخوان القديم” الإسلام هو الحل” كما انهم أعلنوا انهم لن يرشحوا احدا لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، فأين تكمن اللحظة الإخوانية في مصر؟ رغم قوة الجماعة قياسا بأحزاب المعارضة التقليدية، يضاف إلى ذلك انه برزت لديهم قيادات شابة مواطنيتها المصرية تعلو على أي شعار آخر.
في تونس من المعلوم أن حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي عادت للنشاط العلني، ويوضح هذا النشاط أن الثورة التونسية ليس فيها أي مؤشر على لحظة أخوانية، وعلى فرض، في نهاية هذه العجالة، ما الذي يمنع من تواجد الإخوان في الحياة السياسية طالما أنهم وافقوا على الدستور المصري الجديد؟ وكذا الحال في تونس؟ لا أريد مناقشة الوضع الأردني لما له من حساسية وعلاقة خاصة بالقضية الفلسطينية وانعكاسها، على الوضع الأردني لأنه كما هو معلوم فإن للساحة الفلسطينية وتنظيماتها تأثيرا قويا في الأردن.
وليلاحظ معي الأستاذ جهاد الزين أن غالبية المهتمين الغربيين بشؤون الشرق الأوسط النفطي- الإسرائيلي، لم يعودوا يتحدثون عن خطر أخواني أو أصولي بعد نجاح ثورتي مصر وتونس.وتساؤلك مشروع تماما، لكنه تساؤل اخباري وليس استفهاميا كما فهمت من مقالك وبذلك تعود لطرح النغمة القديمة أن الخطر لايزال قائما من أن يكون الإخوان بديلا استبداديا من الاستبداد وهذا غير صحيح، ولا يخدم الحقيقة في شيء لأن الإخوان أنفسهم لم يعودوا كذلك.
جنيف
( كاتب سوري)
النهار