خاتمة الطغاة
حسين شبكشي
لماذا أقدم النظام الأسدي السوري على المذبحة التي قام بها في منطقة الحولة بريف حمص؟ السؤال بديهي جدا أن يتم طرحه في ظل الإجرام المهول والوحشية الفاضحة التي أظهرتها هذه المذبحة والروح الدموية الموجودة لدى عناصر النظام، وتحديدا الفئة المرعبة المعروفة باسم «الشبيحة»، فالجثث المتفحمة من هول التنكيل بأجساد الأطفال والنساء، والذبح بالسكين، وفصل الرأس عن الجسد، وبتر الأعضاء التناسلية، واغتصاب الفتيات والنساء، لا يمكن أن يكون الإقدام على كل تلك الفظائع المفزعة من باب الرغبة في الدفاع عن الحكم ولا عن النظام فقط، ولكن الموضوع يبدو أنه أعمق وجذري وصلته في ذهنية وعقلية الشبيحة ومن معهم.
تابعت بدهشة كاملة وذهول كبير اللقاء الصحافي الذي أجرته صحيفة «التايمز» اللندنية العملاقة مع «جعفر»، أحد الشبيحة الذين وافقوا على إجراء المقابلة معهم وتصويرهم ولكن دون الإفصاح عن اسم العائلة. جعفر شخصية مقيتة المظهر، مفتول العضلات بشكل مبالغ فيه، له شاربان غليظان ولحية كثيفة وحليق الرأس، وأوشام ورسومات السيوف تملأ ذراعيه، يتفاخر أنه كان مهربا لكل أنواع الممنوعات بمعرفة النظام ودعمه، وفتح المحلات تلو الأخرى لترويج البضائع المهربة ثم نال رضا «المعلم» فترقى ليدافع عن بعض المسؤولين، وهذا الوضع يتشابه مع الآلاف الآخرين من الذين هم على شاكلته ولهم نفس الخلفية الاجتماعية والثقافة والاقتصادية، جندهم النظام بامتياز وأقنعهم بشكل عقائدي أن بقاءهم ونمط حياتهم مرتبط تماما وبشكل مطلق باستمرار نظام الأسد كما هو دون تغيير في الحكم إلى الأبد، وأن أي تغيير في هذا المفهوم هو خيانة عظمى تستحق القتل وسفك الدماء لأجلها، وهو ما يفسر ما يجري عمله حرفيا في كل المناطق السورية.
ما حدث بالحولة كان تحديدا انتقاما شاملا جماعيا من أهلها بسبب انتماء أحد طهاة القصر الرئاسي السوري لها، وقد كان مسؤولا عن وجبة جماعية لرموز النظام السوري مما أدى إلى تسمم شديد جدا للكثيرين منهم، وتم نقل بعضهم للمشافي، وأشيع عن وفاة بعضهم، وعليه كانت الأوامر الصارمة بالانتقام الشامل من الحولة وأهلها بلا رحمة، ومع ذلك لم يتم الوصول للطاهي المقصود. وبعد الحولة كانت مجازر أخرى لا تقل دموية ولا إجراما ولا عنفا ولا بشاعة، وأرقام القتلى تتواصل بشكل مذهل ومرعب، وهو أدى إلى إقرار بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، وكوفي أنان، الأمين العام السابق والمندوب الأممي الحالي لسوريا، بأن النظام السوري يتحمل مسؤولية الأحداث والعنف والقتل.
والآن دخل المجتمع الدولي، كما يبدو، في الحديث صراحة عن مرحلة ما بعد الأسد، بعد أن رسخت قناعات أن مؤيدي هذا النظام الدموي الطاغي الموتور باتوا غير قادرين على الدفاع عنه وإطالة أمده، خصوصا في ظل تطور الأسلحة لدى الجيش الحر، وزيادة الممتنعين عن الانضمام للجيش النظامي (هؤلاء فئة أخرى غير المنشقين) وزيادة رقعة الأرض المحررة التي أصبحت تحت سيطرة الجيش الحر.
فصول الرواية المؤلمة والمرعبة التي ألفها نظام الأسد اقتربت من الختام، والنهاية سوف تكون سعيدة للأحرار والثوار مع الاعتراف بفداحة الثمن، حتى الشبيحة المسخرون للدفاع عن النظام فقدوا القدرة على الدفاع عنه، إنها خاتمة الطغاة.
الشرق الأوسط