خمس أساطير عن سوريا
روجر أوين
الأسطورة الأولى: أن رحيل الأسد سوف ينهي العنف. ركزت الجهود الدولية الرامية لإيقاف العنف في سوريا على إجبار الأسد على التنحي عن الحكم. لكن حتى إذا ما تم ذلك فلن يترتب عليه تغيير في سياسة الحكومة السورية الرامية لسحق التظاهرات، وأنشطة “الجيش السوري الحر” بالقوة. والسبب في ذلك أن الرئيس محاط بمجموعة متماسكة من المسؤولين العسكريين والأمنيين المنتمين في معظمهم للطائفة العلوية، والذين حققوا ثروات طائلة في عهدي الأسد الأب والابن. ففي دوائر الحكم، وخصوصاً بين المسؤولين كبار السن الذين عاصروا حافظ الأسد، ينظر إلى بشار على أنه رئيس صوري يحظى بقدر من المصداقية لدى بعض قطاعات الشعب، لكنه قابل للاستبدال بشخص آخر أكثر صرامة وخشونة، وأكثر التزاماً بقمع المعارضة.
الأسطورة الثانية: من الصعب على الغرباء معرفة حقيقة ما يدور داخل سوريا.
لا شك أن الطرق التي يتبعها النظام السوري في التعامل مع الانشقاق معروفة جيداً، شأنه في ذلك شأن أي نظام قضى في الحكم عدة عقود، بدأها بتدمير لمدينة حماة في ثمانينيات القرن الماضي لاستئصال “الإخوان المسلمين”. لذلك عندما بدأت الانتفاضة الحالية منذ عام، لم يكن هناك شك كبير بشأن الطريقة التي سيستجيب بها نظام الأسد، وهي: اتهام المعارضين بأنهم مجموعة من الساخطين الذين يستمدون إلهامهم من الخارج، ثم إحكام السيطرة التامة على وسائل الإعلام، واستخدام وحدات الجيش لسحق لمعارضة. الفرق بين ما يحدث في سوريا الآن وما حدث فيها عام 1982 هو أنه قد بات من الأصعب بكثير الآن إخفاء ما يدور داخل البلاد، وذلك بفضل أفلام الفيديو واليوتيوب، والصور الملتقطة بكاميرات الهواتف النقالة، والمحادثات الهاتفية مع الأقارب في الخارج، ومع العدد القليل من الصحفيين الأجانب، وأعضاء بعثة المراقبة العربية الذين سمح نظام الأسد بدخولهم إلى البلاد لإعطاء الانطباع بأن كل شيء على ما يرام.
والتكتيكات التي استخدمها النظام في قمع الاحتجاجات في مدينة حمص، مثل قطع التيار الكهربائي، والسيطرة على أجزاء من المدينة، والتفتيش من دار إلى دار للقبض على الرجال المشتبه بمشاركتهم في أنشطة الاحتجاج وترويع الباقين… ليست في جوهرها سوى علامات على ضعف النظام الذي لا يجد وسائل أخرى سوى هذه للحيلولة دون انتشار أنباء جرائمه.
الأسطورة الثالثة: سوريا متجهة نحو الحرب الأهلية. دأب نظام الأسد، وإدارة أوباما، وحكومات الغرب، على التنبؤ باحتمال حدوث حرب أهلية في سوريا، بينما الحقيقة هي أن تلك الحرب مندلعة بالفعل. فهناك أدلة على حدوث انقسامات حادة داخل الطوائف الأكبر، مثل العلويين والمسيحيين والأكراد. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل أن الكثير من العائلات قد انقسمت إلى قسمين، قسم يؤيد النظام ويحبذ استمراره وقسم ثاني يعارضه ولا يتوقف عن انتقاده. ويبذل كل قسم من القسمين جهداً ووقتاً كبيرين لتغليب وجهة نظره، وتحديد الجهة التي يجب أن يوجه إليها اللوم على ما وصلت إليه الأحوال في سوريا. والامتناع عن وصف الانتفاضة السورية بأنها حرب أهلية يأتي إلى حد كبير من جانب هؤلاء الذين يدعون إلى التدخل الدولي. لأنه إذا ما ثبت أن صراعاً ما داخل دولة قد تحول إلى حرب أهلية، فسيصبح من الصعوبة بمكان إقناع الدول المختلفة بالتدخل بسبب مخاطر انتقال الصراع داخل تلك الدولة إلى الجوار.
الأسطورة الرابعة: تغيير النظام على الطريقة الليبية يمثل نموذجاً يحتذى لسوريا.
كثيراً ما يتم استدعاء الخطوات التي اتبعت في مواجهة الأزمة الليبية، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمنكوبين، وتأسيس ممرات آمنة لحراسة تلك الإمدادات، من خلال فرض منطقة حظر طيران… وذلك عند الحديث عن إيجاد مخرج من الأزمة السورية الحالية. بيد أن التطورات أثبتت أن نظام الأسد على معرفة بالأهداف التي تكمن وراء تلك الإجراءات، وأنه قد أعد العدة لمواجهتها. يضاف لذلك أن النظام أكثر تماسكاً من نظام القذافي، كما يحظى بدعم شعبي أكبر منه. فبسبب تركيبته الطائفية أعد العدة منذ زمن طويل لمواجهة أي تهديدات داخلية، كما أنه يحظى بالتأييد من دولتين عظميين، هما الصين وروسيا.
الأسطورة الخامسة: المجتمع الدولي يجب أن يتدخل لإيقاف العنف. من المستحيل تقريباً أن يتجاهل المجتمع الدولي الأهوال التي يتعرض لها الشعب السوري على أيدي نظامه، لكن يستحيل أيضاً القيام بإجراء مباشر وفوري لإيقاف العنف، لأن وقائع وتجارب التاريخ القريب لفتت الانتباه إلى أهمية الجانب الآخر من الصورة، وهو عدد الأرواح الآدمية التي ستضيع نتيجة للمحاولات الأجنبية الرامية لإنقاذها. ولنا هنا أن ننظر إلى ما حدث في العراق وأفغانستان كنموذج لذلك.
الخيار الأفضل، وهو ذلك الذي تتبعه إدارة أوباما بالفعل، يتمثل في تبني استراتيجية ذات أمد زمني أكثر طولاً تعتمد في المقام الأول على عزل النظام، وإضعافه من خلال سلسلة من العقوبات المصممة لشل اقتصاده، وفرض حظر على سفر كبار مسؤوليه، واتخاذ خطوات لإدانتهم.
أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة هارفارد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”
الاتحاد