داعش أم القرون الوسطى؟/ رضوان زيادة
تحز في النفس اليوم قراءة القصص المفزعة عن طريقة تعامل “الدولة الإسلامية” (داعش) مع النساء والأطفال بعد هزيمتها في سورية والعراق، تبدو القصص الفردية وكأنها جزء من الخيال لقسوتها وفظاعتها، بل إن المنطقة العربية لم تدخل على تصنيف التقارير الدولية مجددا حول الاتجار بالبشر إلا بفعل ممارسات “داعش” هذه التي أصبحت علامة مميزة لها.
قصص الاتجار بالبشر كما فعلت “داعش” في ممارستها بحق اليزيديين، والاستغلال الجنسي لهم، تكاد تسم المنطقة العربية برمتها، كيف سمحت لهذا النوع من الانحطاط الأخلاقي والإنساني بالظهور مجدداً بين ظهرانينا؟
وكيف استطاعت “داعش” عبر استعادتها ممارسات تعود إلى قرون خلت أن تجد لها موطئ قدم في كل من سورية والعراق؟ فالصراع السياسي وحده لا يبرّر وحده، بل هناك عامل ثقافي تجب دراسته وقراءته بإمعان، فممارسات “داعش” تعد بحد ذاتها دليلا على فشل الدولة العربية الحديثة التي تأسست مع بدايات القرن العشرين في إدماج مواطنيها في صيرورة الحداثة الفعلية، وكل ما جرى أن المجتمعات المحلية العربية نمت على هامش الحداثة، واستمرت في ممارساتها الطائفية والتقليدية، في حين استفادت الدولة العربية الحديثة من الحداثة، عبر تطوير أدوات القمع وتوظيفها بشكل غير مسبوق لرغبة المجتمعات في الدخول في الحداثة وعصر التقدم.
غالبا ما تنشط تجارة البشر أو ما تعرف بـ Human trafficking في مناطق النزاعات المسلحة، كما الحال الآن في سورية والعراق، ومع ازدياد حضور الجماعات المسلحة وسطوتها، وخصوصا تنظيم ما تعرف بالدولة الإسلامية (داعش)، ازدادت التقارير عن تجارة البشر أو إجبار النساء على ممارسة الجنس، وخصوصا تقارير المبعوث الأممي الخاص بمحاربة هذا النوع من التجارة.
وفي حين لا يعد الاغتصاب والعنف الجنسي والاتجار بالبشر ظاهرة جديدة في الشرق الأوسط، فإن التركيز على الانتهاكات التي ترتكبها الدولة الإسلامية في العراق وسورية إنما يعود إلى استخدامها هذا النوع بشكل منهجي وواسع النطاق. والأخطر من ذلك مبرر إيديولوجياً في طريقة فهمها الإسلام وتعاليمه وقواعده.
ويتزايد استخدام داعش العنف الجنسي المنظم واحدة من أدوات الإرهاب والإكراه والسيطرة، وخصوصا في المناطق الخاضعة لنفوذها في الموصل في العراق والرقة في سورية، مع انتشار الزواج القسري، أو الإكراه الجنسي للأطفال، ومختلف أشكال الاتجار بالجنس في مناطق نفوذها بشكل غير مسبوق. وعلاوة على ذلك، في الوقت الذي تسعى “داعش” إلى تجنيد الفتيات والنساء على الإنترنت أو عبر طرق أخرى.
وقد ساهمت معدلات عالية من عدم الاستقرار السياسي والفقر في ارتفاع معدلات الاتجار في العراق خلال الحرب الأهلية والغزو الأميركي في العام 2003. كما زاد استمرار الصراع المسلح في سورية من معدلات الفقر والعنف والنزوح. كما تحدثت تقارير كثيرة عن إمكانية استغلال للاجئين العراقيين أو السوريين، بوصفهم فئات مستضعفة، وخضوعهم لخطر أعمال الجنس القسري، وإجبار الأطفال على التسول والعمل.
تأخذ هذه التجارة أشكالا متنوعة، ولا تحمل بالضرورة صيغة بيع العبيد التي ربما طبقتها “داعش” في ما يتعلق باليزيديين في العراق، فهناك التجارة الخاصة بالأطفال دون سن البلوغ، حيث يجري إجبارهم على المشاركة في القتال، على الرغم من أنهم غير مدركين تماما تبعات ما هم مقبلون عليه، أو ما يقومون به، بالإضافة إلى استغلال النساء للقيام بأعمال غير أخلاقية أو تتنافى وتتعارض مع رغبة هؤلاء النساء.
يؤدي الفقر المدقع والعنف، في بعض العائلات، إلى إجبار النساء والفتيات على ممارسة الدعارة. كما أن النساء والفتيات غالبا ما يصبحن ضحايا الاتجار من خلال الزيجات المدبرة القسرية، أو المؤقتة. كما أصبح العمال الأجانب على نحو متزايد عرضة لخطر الاتجار بهم من العراق وإليه.
العربي الجديد