درب الشقاء.. سوريان تشابهت سيرتهما حتى بطريقة فقْد عائلتيهما
إدلب – عدنان الحسين – الخليج أونلاين
أحاديث الحزن مرة، وأحاديث السمر مرة أخرى، على أطلال منزلهما المدمر بفعل طائرات روسيا ونظام الأسد، إلا أن فقد عائلتهما نتيجة القصف، رسم معالم كبيرة من الحزن والأسى على وجه واصل ومصطفى، أصدقاء الطفولة والفرح والألم.
واصل النابو (40 عاماً) من بلدة معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي، وهو أب لسبعة أطفال، كحال ابن عمه وصديق طفولته مصطفى النابو، وهو أب لخمسة أطفال، أصدقاء الطفولة والدراسة وأبناء حي سكاني واحد، إلا أن مجزرة مروعة في بلدة معرة حرمة بفعل الطيران الروسي، قلبت حياتهم إلى مأساة.
ففي فجر ليلة 17 أبريل/نيسان الماضي شن الطيران الروسي غارة جوية على بلدة معرة حرمة، راح ضحيتها خمسة مدنيين، ليعاود شن غارة أخرى أوقعت ذات العدد، في مكان مختلف من أحياء البلدة الصغيرة.
يقول واصل في حديثه لـ “لخليج أونلاين”: “فجر يوم 17 أبريل/نيسان لم نشعر إلا وقد اهتزت الأرض من تحتنا، وسقط سقف المنزل وجدارنه فوق رؤوسنا أنا وزوجتي وأطفالي السبعة، وكأنه زلزال حدث. صوت قوي كأنه يوم القيامة قد وقع، فلم أعد أسمع شيئاً إلا أنين طفلي الصغير الذي لم يكمل عامه الأول، وصوت زوجتي وهي تنطق بالشهادة وقد تحشرجت أنفاسها بانتظار الموت”.
مصطفى، صديق طفولته وشقيقه الذي لم تلده أمه، كان أول الواصلين إلى مكان الغارة مع فرق الدفاع المدني، تغيرت معالم حارته بالكامل، ولكن ذاكرته أقوى من الصواريخ الروسية المجرمة، وهو الذي عاش في هذا البيت المدمر مع ابن عمه أغلب طفولته.
يقول مصطفى في حديثه مع “الخليج أونلاين”: “بدأت فرق الدفاع المدني بالبحث عن عائلة واصل”.
وتابع بتنهدات تصف المأساة: “لو كان بمقدوري أن أحمل ركام الدار كلها دفعة واحدة لفعلت، وبدأت أعمل بكل ما أوتيت من قوة وعزم حتى استطعت بمساعدة فرق الدفاع انتشال ابن عمي وصديقي واصل وزوجته، ومن ثم طفلهما الذي لم يحتمل جسده الصغير شدة صواريخ بوتين ففارق الحياة، وتابعت عملي لإخراج بقية العائلة”.
بجهد كبير وعبارات قليلة يحاول مصطفى أن يهدئ من روع جاره واصل، دون أن يدرك معنى نظرات الناس من حوله، وهي تعبر عن الأسى والشفقة؛ إذ إنه لم يدرك بعد أن الغارة الثانية قد قتلت أولاده كلهم، وهدمت منزله على بكرة أبيه، بعد أن قصف الطيران الروسي الحي الذي يسكنه.
توجهت فرق الدفاع إلى مكان الغارة الثانية، يرافقهم مصطفى، الذي كان وهو في الطريق تلاحقه نظرات أهالي القرية، وكانت تشبه نظرات المُعَزين وهو لا يعرف ماذا حصل؛ فالغارة الثانية كانت قد دمرت منزله، وأخذت من عائلته كما أخذت من عائلة صديقه وابن عمه واصل.
كلما اقترب زاد الركام واشتدت رائحة الموت حتى كانت الصاعقة، أول تلك الأجساد التي أخذها الموت وخلفها القصف كانت أمه، البالغة من العمر 70 عاماً، توقفت عقارب الوقت وتحشرجت الكلمات في الحلق.
يصف مصطفى الحدث بعدما علم أن حاله كحال صديقه وجاره واصل: “لم أعد أقوى على الحراك بعد أن كان جهدي يفوق جهد الإنسان العادي، في محاولة إنقاذ عائلة واصل، لكن حينها كانت عائلتي وأمي جثة هامدة أمامي”.
وأضاف أن “الحدث مؤلم، وأحبط عزيمتي وأنهك قوتي، فالأجساد التي فارقت الحياة، والأشلاء التي أمامي، هي مأساتي المشتركة مع ابن عمي؛ فالعائلتان فقدتا عشرة أشخاص”.
واصل ومصطفى تشاركا طيلة حياتهما كل شيء؛ من فرح وحزن، وفي هذا اليوم تشاركا المأساة والمصيبة بنفس اليوم وبنفس العدد، كل منهما فقد خمسة أشخاص من عائلتيهما، قبورهم تقاربت كتقارب واصل ومصطفى.
ومثلما اشتركا في القرابة والصحبة والصداقة حتى صارت مثلاً يضرب بين الناس، اشتركا أيضاً في الحزن والأسى، وعدد القتلى، متقاسمين الهمَّ والمصاب كما كانا يتقاسمان السعادة والهناء، في أيام مضت.
ويمضي مصطفى قائلاً: إن “الأبنية المدمرة هي كل ما تبقى لي من ذكريات في بلدتي”.