صفحات العالم

مجاهدو أميركا و«دبلوماسيّة التقسيم» خطران يهددان ثورة سورية/ أحمد مغربي

 

بعد سنة بالضبط على ظهور شريط فيديو على موقع «يوتيوب» لـ”«مجاهد أميركي» في سورية يحارب في صفوف معارضة مسلّحة، بدأت المؤسسة السياسية الأميركية تتحدث بصوت مرتفع عن خطر «المجاهدين الأميركيين» العائدين من سورية. ويقلق أيضاً أنها جاءت بعد أيام قليلة جداً من زيارة أحمد الجربا ممثلاً للمعارضة السورية إلى واشنطن، بل أنها تقاطعت مع زيارته لفرنسا أيضاً.

جاءت هذه النبرة الأميركية منسجمة مع ما صار رائجاً في فرنسا وبريطانيا ومعظم الدول الأوروبية، عن خطر عودة غربيين يقاتلون في سورية، إلى دول غربيّة، بمعنى تحوّلهم خطراً داخليّاً يهدد الأمن الاستراتيجي والاجتماعي داخل تلك الدول. من تابع قضية الجزائري محمد مراح، يعرف تماماً أنها ساهمت في صعود نبرة الخوف (أو ربما التخويف) غرباً، ليس في فرنسا وحدها، من «مجاهدين غربيين» قادمين من سورية.

قبل سنة، كان الشريط المذكور آنفاً أقرب إلى احتفال يظهر فيه الأميركي أريك هارون وهو يقود سيارة جيب برفقة مسلحي ملتحين، مرتديلاً طاقية حمراء خفيفة تقرّبه من مظهر الشيشان، مع تهليلات وتكبيرات، مهدّداً بشار الأسد. بعد سنة، ظهر تقرير الاستخبارات الأميركية الذي تحدّث للمرة الأولى عن خطر «المجاهدين الأميركيين»، ما ينقل الشريط من الاحتفال إلى الكابوس. يعني ذلك تحوّل الشريط وما يشبهه، مادة لتحريض جمهور غربي ضد الثورة السورية عمليّاً، تحت شعار وجود إرهابيين إسلاميين فيها، بل مجاهدين غربيين يحتمل أن ترتد بنادقهم إلى الداخل الغربي في أوروبا وأميركا.

ومن المرعب أن محاولة وضع «إطار كبير» للإرهاب حول ثورة سورية، وجد ما يؤيّده فعلياً. إذ رفضت «جبهة النصرة» التوقيع على وثيقة للتخلي عن السعي لإقامة دولة إسلامية في سورية، بل شدّدت على أن ترفض الدولة المدنية كليّاً. ألا يزيد ذلك الانقسام الوطني حول ثورة سورية، خصوصاً أن الشعب السوري يتألّف من مُكوّنات فائقة التنوّع، يتهدّد وحدتها الوطنية مقولات كـ«دولة إسلامية» ورفض الدولة المدنية في سورية؟

فخ التمثيل الدبلوماسي

ثمة شيء آخر يثير الخشية على ثورة سورية، وهو تكرّر أيضاً في واشنطن وباريس. ففي العاصمتين اللتين يفترض أنهما من أقوى مصادر الدعم الغربي والدولي لثورة سورية، مُنِحَ «الائتلاف الوطني» المعارض صفة دبلوماسيّة تمثيلية. يصح القول أنه أمر يدعم رمزياً الثورة السورية، كما يشدّد مقولة أن الغرب يدعم المعارضة المعتدلة، لكن تلك الخطوة لها وجه آخر. إذ أوضح الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند أن المقصود ليس وضع السفارة السورية في تصرّف «الائتلاف الوطني»، بل إعطائه مبنى آخر يمارس منه صفته الديبلوماسيّة. ويعني ذلك الوصول إلى وضع يكون فيه تمثيل سورية في فرنسا مزدوجاً، بل متوّزعاً على مبنين وهي رمزيّة واضحة الدلالة الى انقسام وانشطار.

تقاطع الموقف الفرنسي من ديبلوماسية تمثيل سورية في فرنسا، مع موقف سبقته إليه الإدارة الأميركية، عندما منحت المعارضة السورية تمثيلاً دبلوماسيّاً. وفي الحالتين، تستطيع فرنسا وأميركا أن تستمرا في التمثيل الديبلوماسي المزدوج، إلى فترة طويلة. في المقابل، أليس مؤلماً أن تستمر المأساة السورية الدامية طويلاً؟ هناك نزيف وآلالام وتمزّق يعانيها الشعب السوري يوميّاً، وهي معطى وطني بالنسبة للشعب والوطن، لكنها ربما لا تعني الشيء عينه عندما توضع في موازين مصالح الدول الكبرى وصراعاتها وتشابك استراتيجيات حماية المصالح وتوازنات القوى. هل من المقبول وطنيّاً أن يكون تقسيم سورية أفقاً للمصير السوري؟ مجرد سؤال، لكن من المؤكّد أن إجابته هي بالنفي لدى المعارضة في معظم مكوّناتها. هناك شكّ يجدر التعبير عنه علناً بالنسبة لمسألة تقسيم سورية، يتمثّل في التنظيمات الإسلامية المتطرفة. إذ أن الممارسة المديدة مع تلك التنظيمات تظهر أنها الأكثر ميلاً إلى التقسيم، على رغم خطابها المُضخّم عن «دولة الخلافة» و«دولة الإسلام» (في إشارة الى الامبراطورية الإسلامية)، لأنها تستسهل إنشاء الإمارات الإسلاميّة ولو على متر مربع من أرض تسيطر عليها بالسلاح. ألم يبدأ تنظيم «داعش» من «إمارة الإسلام في الموصل»؟ هل الزمن ببعيد عن تهديد «فتح الإسلام» بإمارة إسلامية في شمال لبنان، بل ممارسة تنظيم الشيخ شعبان إمارة إسلامية في طرابلس، عقب الإحتلال الإسرائيلي للبنان في 1982، وتحت رعاية سلاح أبو عمّار؟ ألا يهدد المتطرفون يومياً بإمارات في سيناء وليبيا وتونس والجزائر، بل أنهم أعلنوها في مالي؟

في أميركا، ظهر الخيط الذي يربط وضع ثورة سورية في إطار «الإرهاب الإسلامي» من جهة، وديبلوماسية التقسيم. إذ لم يتردّد الرئيس الأميركي باراك أوباما في تلقين المعارضة السورية بأن عليها «تخليص نفسها من الإرهاب»، مع امتناعه عن تزويدها بأسلحة نوعيّة ضد النظام الأسدي خشية من وقوعه في أيدي جماعات إسلامية جهادية متطرفة. ويبدو هذا الموقف مفخّخاً تماماً. إذ يرتكز على مبررات منطقية كمحاربة الإرهاب وضرورة اخراج الثورة السورية من هيمنتهم، ليصل إلى شيء مبهم وغامض «تخليص الثورة من الإرهاب». ألا يعني ذلك وجوب التقاتل بين مكوّنات المعارضة المسلحة في سورية؟

ربما تكون الخشية من تقاتل داخلي، وهو أمر يحصل أحياناً لكنه غير مأمون العواقب دوماً، أقل من الأفق المرعب لتقسيم سورية.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى