درعا: مقاتلوها ما زالوا من أهلها/ سالم ناصيف
رغم قسوة الحرب التي يستمر النظام في شنها على درعا، إلا أن الخراب لم يتمكن من تدمير ذاكرة المكان فيها. نبات القصب، عاد هذا العام ليزين بخضرته منطقة الجسر الواقع على نهر الزيدي، الفاصل بين درعا البلد ودرعا المحطة، المكان الذي تحوّل إلى نقطّة فارقة، وموعداً لالتقاء المتظاهرين.
أمام الجامع العمري، الذي انطلقت منه أولى التظاهرات في درعا، وعلّقت على جدران باحته الداخلية صور شهداء الثورة السورية، ثمة دبابة محروقة ما زالت مكانها، تشهد على المعركة الحامية التي جرت هناك منذ أشهر، وتمكن على أثرها مقاتلو الجيش الحر من استعادة سيطرتهم على درعا البلد واسترداد الجامع الذي احتلته قوات النظام سابقاً بعد تدمير مئذنته وتحويله إلى ثكنة عسكرية.
في الذكرى الثالثة لانطلاق تظاهرات درعا، أقام شبابها احتفاليتهم في مدينة داعل، رافعين علم الاستقلال السوري، الذي أرادوه راية وحيدة تزين احتفالهم، إضافة إلى لافتات كتبوا عليها شعارات الثورة الأولى مؤكدين عليها، مرددين أهازيج وأغاني الثورة التي أمتزج فيها الأمل بالألم إثر وداعهم 13 شهيداً قضوا عشية الذكرى الثالثة.
وخلافاً لمناطق في سوريا استطاع النظام إحكام سيطرته عليها، لم يحصل ذلك في درعا لأسباب عديدة، أهمها أن مقاتليها هم من الأهالي ولا وجود لغرباء فيها إلا في ما ندر، ما جعل نطاق سيطرة النظام يقتصر على 35 في المئة من المناطق الممتدة بين حدود محافظة السويداء شرقاً والجولان المحتل غرباً، والمتمثلة في مدينة خربة غزالة وبعض النقاط والقطع العسكرية المتبقية للنظام.
كما أن مشهد السيطرة لقوات النظام في تلك المناطق يختلف أيضاً بين الليل والنهار، إذ أن قوات النظام لا تقوى على الظهور بعد غياب الشمس، لتبقى أسيرة ومحاصرة ضمن قطاعاتها التي يحكم “الجيش الحر” سيطرته على معظم المنافذ الموصلة إليها.
الناشط الإعلامي رامي العاسمي، يقول في حديث لـ”المدن” إنه منذ أيام تتواصل المعارك العنيفة في محيط السجن وصوامع القمح وسرية حفظ النظام، الواقعة في منطقة غرز، شرق مدينة درعا، لافتاً إلى أن تلك المعركة تسير بوتيرة بالغة الحساسية بهدف تحرير السجناء داخل السجن والبالغ عددهم قرابة 500 معتقل”.
ويعتبر السجن خط دفاع عن فرع المخابرات الجوية، وسقوطه يمهد لإحكام الحصار على قوات النظام المتبقية داخل مدينة درعا، التي خسرت الكثير من طرق الإمداد ولم يتبق لها سوى طريق المجبل وتل الخضر الذي يعتقد المقاتلون أنهم إذا سيطروا عليه سيتم تحرير داخل المدينة بشكل كامل.
وأكد العاسمي أن “الجيش الحر” قام، الإثنين، بضرب آليات النظام على طريق الإمداد الذاهبة في اتجاه الصوامع، بالتزامن مع معركة ثانية تدور في الريف الغربي لفك الحصار عن مدينة نوى، أكبر مدن المحافظة.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم “الجيش الحر” وفصائل إسلامية، في مقدمتها حركة “المثنى الاسلامية”، بحصار كل من تل عشترة وقرية الطيرة، تمهيداً لتحرير بلدة الشيخ سعد، بهدف فتح الطريق الواصلة إلى نوى، والمعروفة بخط ازرع-الشيخ مسكين-نوى، الذي يشكل خط الدفاع الأول عن دمشق.
من جهة ثانية، تصاعد الحديث، بعد فشل مؤتمر “جنيف 2″، عن خطة لفتح الجبهة الجنوبية لتكون بوابة لتطويق النظام في العاصمة دمشق. هذا الأمر يجد فيه ناشطو درعا أمراً سلبياً، كونه لم يتجاوز الكلام عن نية تزويد المقاتلين بمضادات طيران لم يتسلموا منها شيئاً حتى الآن، في حين كثف النظام غاراته على درعا لتبلغ 15 غارة يومياً، إضافة إلى تكثيفه القصف على المدن والبلدات بالبراميل المتفجرة، في خطوة يجمع الناشطون على أنها استباقية، بعد الحديث عن فتح الجبهة الجنوبية.
المدن