رؤية نقدية في المحنة السورية
هيبت بافي حلبجة
لايمكن أرغام السلطة السورية على الرحيل إلا بطرقتين، الأولى هي رفع مستوى الأعتصامات إلى درجة العصيان المدني الشامل، شريطة الحفاظ على سلمية الثورة. وهذه الطريقة لابد منها ولامناص إلا من أستعمالها حصرياُ، لكي يحدث شلل شامل على كافة المستويات، وستكون النتيجة أقوى وأشد سيما وإن تعاشقت بملامح الكارثة الأقتصادية، الثانية هي التدخل البري للدول الأوربية، وهذه لن تحدث أبداُ. سنوضح ذلك من خلال المفارقات التالية:
المفارقة الأولى : إن السلطة السياسية السورية قد قررت أن تحول مسألة الأحتجاجات إلى ظاهرة عنوانها حرب أهلية، إلى معطى جوهره مقولة العنف والعنف المضاد، إلى وقائعية مفترضة، للقضاء على مفهوم سلمية الأحتجاجات، لبلوغ مستوى من التدهور الأقتصادي الأجتماعي السياسي والعسكري لتبرير ما لايمكن تبريره، مع العلم إنها – أي السلطة – قد أدركت أننا، في الداخل وفي الخارج وفي العلاقات الدولية، ندرك كلية الأدراك إنها تصطنع وتختلق كافة الطروحات الفاسدة في هذا المجال، وأنها هي التي تقتل جنودها الذين يرفضون الأوامر العسكرية، بل الأنكى من ذلك إنها تقتل جنودها الموالين لها وبعض عناصر شبيحتها، وعناصر من أجهزتها الأمنية بقصد أقناع نفسها والمنتفعين بها، ومحاولة إيهام الرأي المحلي والأقليمي والدولي، بوجود حال عنف في الوضع السوري. كما أنها تسعى بالمطلق، وهذا هو أخطر ما يمكن أن يحدث، إلى خلق حالة من الرعب ومن مفهوم الطائفية، بقتلها، هي بنفسها، عناصر من الطائفة العلوية الكريمة، بل أكاد أن أجزم إنها ترغب أن يتسلح الشعب السوري، وأن ينشق بعض عناصر الجيش بدباباته، وأن يختلط الحابل بالنابل، لكي تقتل هي من الجانبين، جانبها، وجانب الشعب. لأنها، وحسب بعض مصادر صديقة في فرنسا، لن تترك السلطة أبداُ ( وأكرر هي لن تترك السلطة بالسرمد ولا بالسردم )، وهي مستعدة ظاهرياُ – وللتمويه وللتمييع – للقيام بالمستحيل لتمكث وتلبث بالسلطة، لكي تنجو فقط بجلدها. فعندما تطلب الحوار، هي لاتقصده، وكذلك الإصلاحات، وكذلك مراسيم العفو وقانون الأحزاب، وكل كلام يصدر منها هي لا تعنيه، بل هي لاتدركه، ولاتكترث به أصلاُ لأنها تعي غاية الوعي أنها تستطيع مسح وفسخ كل شيء بجرة نطق..
المفارقة الثانية : إن الدول الغربية لاتستطيع تغيير السلطة السورية إلا تحت شرط مدحور وملغى وهو الألتجاء إلى القوات البرية، التي بدونها تمسي عملية التغيير في منتهى الصعوبة. وتحقيق هذا الشرط ضمن المنظور المحسوس يوشك أن يدنو من حكم الأستحالة، لما له من تداعيات سوسيولوجية في المنطقة العربية وفي مجتمعات الدول الأوربية، ولما له من أنغلاقية مشؤومة لدى المثقف العربي، ولما له من فرضيات قانونية، ولما له من حيثيات أقتصادية على تلك الدول، ولما له حساسية تعارضية ما بين القديم الزائل والجديد المتنامي. لهذه المسوغات مجتمعة، ولغيرها من الأسباب ( مفهوم الوطنية البليدة، العلاقة ما بين الغاية والوسيلة ) تقف الدول الغربية حائرة تماماُ، سيما وهي لازالت تعاني من التجربة التاريخية المريرة في العراق، وتحاول أن تتفادى أستنساخ معمر قذافي جديد وأن تتحاشى تجربة ليبيا المهيضة البائسة….
المفارقة الثالثة : إن أيران لن تنفك عن السلطة السورية إلا مرغمة، إلا إذا أنتهى المشروع الفارسي القومي وأبطل، وهذا لن يحدث بالمطلق لسبب بسيط يتقوت من تاريخانية الدولة الفارسية، كما أنه لايتبدر أي أرغام دولي بخصوص أيران، ولاتتبدر أي قوة دولية قادرة أصلاُ على أرغامها. لأن كافة المحاولات الأوربية، حتى هذه اللحظة، عاقرة ثم عبثية وكأنها تستند في آدائها على محتوى معكوس مغالط لإدراك طبيعة السلطة في أيران التي تدرك جيداُ مقومات مشروعها، علل قوتها في المنطقة، ونقاط الضعف لدى الأطراف الأخرى، وتدري ذروة الدراية إن على كفتي الميزان في الشرق الأوسط مشروعان متناقضان متناحران أحدهما يتقوى إذا ما وهن الآخر، الأول هو المشرع الفارسي القومي، والثاني هو مشروع دولة محمد ( ص )، أما المشاريع الأخرى ( العربية، الكردية، التركية، الأفغانية، الباكستانية ) فهي جغرافية ليس إلا. لذلك هي مصرة أيما أصرار أن تدعم السلطة السورية ليس فقط بالمسألة الألكترونية، ونظام الشبيحة، و5،8 مليار دولار، بل هي تعمل المستحيل أن تبقي القذافي في ليبيا، وهي كانت مستعدة لدعم علي عبد الله صالح رغم التناقضات التاريخية المخيفة لولا ذاك الصاروخ القدري، وهي مستعدة لشراء الفيتو الروسي إذا ما لزم الأمر، للحفاظ على السلطة السورية لأنها بوابتها ومهجعها في الشرق الأوسط الخاص..
المفارقة الرابعة : إن المعارضة السياسية السورية، العربية، الكردية، الأسلامية، الآشورية، لازالت تعاني من إشكالية التفكير بالذهنية القديمة، وتعالج المحنة من خلال نفس النفس البائدة وعلى ضوء مسطحات سياسية ما برحت تقليدية لاروح ولا حداثة في أضلعها. فتلك المعارضة السياسية تعالج محتوى – الحرية، الديمقراطية، العدالة الأجتماعية – بنفس العقلية التي تعالج بها السلطة السورية محتوى – القمع، القهر، الأستبداد – لكن على مستوى مغاير ومتباين في المعنى، في الوقائع، وفي الحدود. أضف إلى ذلك إن هذه المعارضة، التي لاتمايز كثيراُ ما بين الوطني والقومي، ولا بين مهام التغيير ومن ثم نتائجه، مسورة بهالة السياسي، وبضمون السياسي، وبتركيبة السياسي، وهي غير قادرة على التمايز ما بين المشروع السياسي الشامل الموحد و الرؤيا السياسية كمصلحة حزبية كمصلحة جهوية، وهذه هي أكبر معضلة أشكالية لدى الكل، سيما لدى المؤدلج الأسلامي الذي، رغم أننا من الزاوية الفكرية على الطرف النقيض له، نعترف أنه الجهة الأقوى في المعادلة المحلية والأقليمية، ولذا لو أدرك حيثيات الواقع الجديد وأستقرأ الفرضيات كما يقتضي الظرف التاريخي، لكان من الممكن أن يلعب دوراُ أكثر فعالية، أكثر تأثيراُ.
المفارقة الخامسة : إن أداء المعارضة الكردية مابرح في مستوى دون الحد المطلوب المناسب والموازي لطبيعة المرحلة في تغيير السلطة والنظام تحديداُ، ولازالت الأحزاب الكردية تهاجر ذاتها بذاتها كمن أصابه دوار البحر، فلاهو قادر للرسو في المرساة، ولاهو قادر للتخلص من شدة الدوار. لكن ينبغي على الأحزاب الكردية أن تدرك امراُ في غاية الخطورة، إن مرحلة ما قبل 15 آذار، أنتهت، وأنتهت بكل منطلقاتها ومقوماتها ولغتها وأحابيلها.
المفارقة السادسة : لم يلبث أمام الشباب المعتصم سوى أمر واحد وحيد، وهو التعاشق ما بين حجم التظاهرات ومحتوى العصيان المدني لشلل سيطرة السلطة السورية على مقاليد الأمور، وأظهار ضعفها ووهنها، كي يتسنى للشعب التظاهر بصورة أقوى وأشد، بعيدأ عن بعض هواجس الخوف أو القلق. زد على ذلك إن المعضلة الأقتصادية قد دنت من معطيات الكارثة، وسوف تعمم شروطها الخاصة السلبية على قدرة السلطة السورية لإدارة الأزمة……
ايلاف