رداً على مقال’غادا فؤاد السمان: الأزمة السورية.. لا بديل عن الحلّ السياسي/ محمد عالم
الأديبة والشاعرة غادا فؤاد السمان: لم تقتصر كلماتكِ فقط على كونها صرخة ألمٍ في وجه الواقع المرير الذي آلت إليه سوريا من دمار وتشريد، وعلى كونها أيضاً صرخة وطنية لوقف أعمال العنف والاقتتال والجلوس إلى طاولة الحوار، بل تعدّت ذلك إلى توصيف لم يتسم بالموضوعية لبعض ما يجري على الأرض السورية، وإلى توصيف آخر غير دقيق لبداية انتفاضة الشعب السوري لنيل كرامته، بالإضافة إلى عدة نقاط أخرى وددت التعقيب عليها من ضمن ما سبق ذكره.
لقد تطرق المقال في بدايته إلى ذكر ممارسات قطع الرؤوس من قبل الفصائل التي ترتدي عباءة الإسلام- على حد تعبيرك، ولم يأت على ممارسات عناصر حزب الله الداعمة للنظام في النحر والذبح انتقاماً لثأر قديم زعموه، أو ‘لضرورة ملحة’ من ضرورات ‘المقاومة’ التي نصّبوا قاعدتها على الأرض السورية وأرادوا انطلاقة ‘جديدة’ لها من الداخل السوري، بحكم ارتباط الحزب بالمشروع الإيراني في المنطقة العربية، كما بات لا يخفى على أحد. إني أتفهم وأعي تماماً أن مساحة حريتنا في الاقتراب من مواضيع معينة أو في تسمية أشياء بمسمياتها تتحدد بحسب مكان إقامتنا، لذلك كم تمنيت ألا تأتي على ذكر هذه النقطة، لكي يبقى الطرح متوازناً وموضوعياً، خاصة أن نبذ العنف وممارساته يستوجب إدانة جميع الأطراف المشاركة في صناعته وتسميتها بمسمياتها، أو بالاكتفاء بالتعميم من دون ذكر طرف وإغفال آخر.
ومن جهة أخرى، كم وددت التوضيح من جانبك والتعريف فيمن وصفتهم بـ’فئة العقول النيّرة’ التي كنتِ راغبة في أن تقود الشعب السوري للنهوض به، عوضاً عن ‘العجول المستطيرة’! هل كنتِ تقصدين فئة الأدباء والكتاب الذين اكتفى بعضهم برفع اللافتات أمام مراياهم كما فعلت أنت حسبما ذكرتِ؟ أم بعض المفكرين القابعين في المعتقلات؟ أم أولئك خارج المعتقلات ممن نأى بنفسه والتزم الصمت أو اختار أن يدعم نظرية المؤامرة الكونية عن قناعة أو مضطراً؟ أم أولئك الذين يشجعون على عدم الدفاع عن النفس للازدياد فضلاً وحسناً في الأخلاق؟ أم أنكِ قصدتِ الشباب الواعي من السوريين حصراً؟
في بدايات الانتفاضة الشعبية لم تكن ‘العجول المستطيرة’ هي مَن رفعت سقف مطالبة الشعب السوري ببعض الإصلاحات إلى شعار إسقاط النظام، بل كان النظام السوري هو من دفع الشعب إلى ذلك، من خلال اقتصار استجابته فقط على الوعود وعلى إطلاق الرصاص طيلة أشهر عديدة من المظاهرات السلمية، ويستثنى من ذلك طبعاً زيادته المضحكة للرواتب التي لم يخرج الشعب من أجلها أصلاً. وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن المعارضة لم تدفع الشعب إلى رفع شعار الحرية وإسقاط النظام، لأنها لم تكن موجودة آنذاك. وفي المقابل، لا أستطيع أن أنكر حقيقة بعض التجييش الإعلامي، أو أدحض رواية شحن بعض الأطراف لأفراد من الشعب السوري بعد شهور من انطلاقة الانتفاضة السلمية، ولكن يكاد الجميع يجزم بأن النظام هو من ساعد على تسهيل تلك المهام.
ايغال النظام في تقتيل الناس عشوائياً، وتشّفيه منهم من خلال سياسة التدمير أجبرا السوريين على ترك وطنهم، وإن دعوتكِ لهم للعودة إليه تنقصها ضمانات لسلامتهم لا يستطيع أحد إرفاقها مع دعوتك هذه! وفي سياق آخر من مقالك، فإن مجيئك على ذكر أن خمس نساء فقط، من بين أشخاص كُثر التقيتِ بهم في دمشق، كنّ دون غيرهم راغبات بإزاحة النظام، ليس بوسعه أبداً أن يمحو في أذهاننا صورة خروج الآلاف من المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام في كل مدينة من المدن السورية تقريباً.
إن الدعوة للحوار السياسي لن تكون مجدية مع نظام يريد التربع على عرش السلطة مجدداً في بلد اختار’طريـــــق تدميره وحرقه على شق طريق الإصلاح فيه، وذلك للاحتيال والتملص من إرجاع بعض من كرامة وحرية المواطن المسلوبتين. أما في حال سلّمنا جــــدلاً بأن عملـــية السلام في سوريا لن تتم أركانها إلا بعد التخلي عن فكرة زحزحة النظام عن السلطة، فإن الإصلاح عندئذٍ سيكون بمثابة الماء على جسم البط بالنسبة لشريحة كبيرة من الشعب، وذلك بعدما فعله النظام على مدار ثلاثة أعوام تقريباً.
وأخيراً،’أود ان أختتم ردي هذا بتدوينة للدكتور فيصل القاسم، التي أراها تنصبّ في إطار التعقيب أيضاً على بعض ما لمح إليه مقالك: ‘من جلب الدمار والخراب إلى بلداننا في الثورات ليس الذين ثاروا من أجل الحرية، بل الذين لا يريدون للشعوب أن تعيش بحرية’.
مع بالغ احترامي وتقديري لنتاجك الأدبي ولشخصك
‘ أكاديمي وكاتب سوري
القدس العربي