روسيا.. والأزمة السورية
عبير بشير
الأزمة السورية باتت مفتوحة على كل السيناريوات، ولا سقف للتوقعات فكل الاحتمالات واردة، ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث، حتى عتاة المحللين السياسيين والعسكريين، لا يمكنهم تصور سيناريو النهاية للدراما السورية.
كثرة الطباخين والأيادي في الطبخة السورية، جعل مسار الأزمة السورية في غاية التعقيد والتشابك، حتى بات من المستحيل الإمساك بطرف الخيط ولكن ما يمكن تأكيده، بأن اللعبة خرجت منذ فترة طويلة من بين أيدي اللاعبين المحليين، إلى أيدي لاعبين إقليمين ودوليين.. وهنا يمكننا تسمية الأشياء بأسمائها: صمود الأسد ونظامه هو بفعل الدعم اللامحدود من روسيا وإيران وحكومة المالكي، أما صمود المعارضة فهو بفعل قوى إقليمية وازنة مثل تركيا ودول الخليج. ولكن على كل الأحوال،لا يمكن المقارنة بين ما يتلقاه الأسد من حلفائه وخصوصا المساعدات العسكرية الهائلة، وبين ما تتلقاه المعارضة من دعم عسكري ومادي غير كاف لقلب موازين القوى.
الوضع في سوريا دخل في مرحلة التوازن الإستراتيجي، وكل طرف يستطيع إيلام الطرف الآخر بقوة،مؤتمر جنيف 2 على الأبواب ،ولكن حذار من التفاؤل، لأن هذا المؤتمر لن يكون نهاية المطاف أو كاسحة ألغام بل بداية صعبة – سواء تم انعقاده أم لم يتم – فهو سيتوج روسيا كدولة عظمى، تحاور من منطلق قوة عن حليفها النظام السوري، وتضع الخطوط الحمراء وخصوصا بعد النجاحات الاخيرة التي حققها الجيش النظامي على الأرض، وما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف من أن على المعارضة الكف عن المطالبة بشروطها قبل الحوار أي رحيل الأسد يوحي بقدر كبير من الثقة الروسية، بان الأسد باق. ويحمل استخفافا واضحا بالمعارضة السورية إلى حد صبينتها وفي هذا الإطار يتحدث المراقبون بأن روسيا باتت ترفع شعار: لا مفاوضات على الأسد، المفاوضات حول الأسد وعلى التفاصيل الأخرى.
حزم موسكو وشدة مراسها، جعل من روسيا – نجم الملف السوري -، الرئيس فلاديمير بوتين يعرف ما يريد، وهو لن يتخلى عن الأسد، حتى لو وصل القتال إلى شوارع موسكو هكذا قال، الرئيس الروسي قال أيضا بأنه يتفهم حالة السأم والضجر الذي يعاني منه الشعب السوري، بسبب وجود النظام السوري لأكثر من أربعين عاماً أباً عن جد روسيا لا تؤمن بديمقراطية سكر زيادة ولا سكر وسط على الطريقة الأميركية أو الأوروبية – روسيا كانت وما زالت تعتبر الديمقراطية خطرا على الشعوب، وهي نوع من اللهو والترف السياسي الذي تمارسه الدول المتخمة كالولايات المتحدة وأصدقائها، وهو لا يتناسب مع معدة دول العالم الثالث الخاوية، ولكن بالنسبة لموسكو،لا بأس بديمقراطية على- الريحة -، وهي مع حكومة سورية موسعة تشارك بها المعارضة السورية مع إدخال تغييرات مهمة على الحياة السياسية في سوريا، ولكن مع بقاء الأسد وأركان نظامه.- وكأنك يا أبو زيد ما غزيت -.
الكثيرون يؤكدون بأن روسيا لا تدافع عن نظام الأسد، بل تدافع عن روسيا ومصالحها، وأن كل ما فعلته موسكو من دعمها اللامحدود للأسد، هو لتجميع سلة من الأوراق المهمة لمرحلة التفاوض الشامل على مصالحها مع المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة، وأننا الآن في الفصل الأخير من المسرحية الروسية من أجل – موسم الحصاد الكبير- كل هذا صحيح مئة بالمئة، فنحن نعرف بأن الدب الروسي لن يفرط بسهولة في مياه بانياس الدافئة، بل على العكس سمحت الأزمة السورية، لقيصر روسيا بأن يبعث أساطيله للمياه السورية جهارا نهارا -، ونعرف بأن هناك الكثير من الكلام لدى موسكو،تريد إسماعه لأوروبا بخصوص إمدادات الغاز الطبيعي… ونعرف.بأن موسكو تخطط لزيادة حصصها من بيع السلاح في السوق الشرق أوسطية.. ونعرف.. ونعرف….
ولكن هناك بعد مهم نشأ مع ولادة الأزمة السورية، وهو بعد لايستهان به، حيث أخرج المارد الروسي من قمقمه :وهو – العناد والكرامة القومية لروسيا، روسيا الذي تعود عليها العالم بأنها تتخلى عن حلفائها وأصدقائها في وقت الشدائد والأزمات. هاهي الآن تعيد صياغة التاريخ من جديد، يقال إنها تخلت عن عبد الناصر، ويشهد التاريخ المعاصر، كيف تخلت عن صدام حسين بسهولة،حين الغت معاهدة الدفاع المشترك بين موسكو وبغداد عشية حرب الخليج الأولى، وكيف لم تحرك ساكناً بينما كانت طائرات حلف الناتو تقصف مراكز النظام الليبي ومعسكراته وأنظمته الدفاعية ومخازن الأسلحة. الآن روسيا- بوتين تقول الذي فات… مات -، وروسيا اليوم هي من ستشكل خريطة المنطقة، والمارد الروسي خرج من قمقمه..
وليس دقيقاً، بأن روسيا خسرت شعبياً على مستوى العالم العربي والإسلامي لتورطها في الدم السوري، وخسرت صداقة الكثير من الأنظمة العربية، وتعرض مصالحها الاقتصادية للخطر. لأنه ببساطة شديدة: الأزمات هي من تصنع النجوم، والأزمة السورية هي من ستصنع نجم الدب القطبي -، والعالم يحترم ويهاب القوي. وفي موسكو يقولون مهما كرهنا العرب على خلفية وقوفنا مع النظام، لن يكرهونا كما يكرهون أميركا، على خلفية دعمها الأبدي لإسرائيل على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. ومع ذلك يتسابق الزعماء العرب، لنيل الرضى الأميركي، ويصطفون بالدور من أجل الحصول على لقاء مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، ويكافح المواطنون العاديون العرب والاكادميون من أجل الحصول على فيزا أو فرصة عمل في الولايات المتحدة. ولو نجحت روسيا في فرض سيناريو الحل كما تراه هي وهو بقاء الأسد يعني ذلك بأن معادلة دولية جديدة ستتشكل، وروسيا ستكون رأس الحربة بها.
وفي خضم كل ذلك، روسيا عينها على إسرائيل وخصوصا في أعقاب الضربة الجوية الكبيرة على دمشق، هي تعلم بأن الدولة العبرية تستطيع قلب الطاولة في المنطقة وخلط كل الأوراق وحرف البوصلة الدولية، كما أن موسكو تدرك بأن كل ما أنجزته وحققته في سوريا متمثلاً ببقاء الأسد ونظامه حتى الآن – هو بفعل التردد والارتباك والتقاعس الأميركي -ويمكن القول العجز والفشل الأميركي في إدارة الملف السوري -، كل ذلك سوف يتبخر في ليلة وضحاها، حيث أن بوابة التدخل الأميركي العسكري هي إسرائيل وأمنها، وليس الشعب السوري وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.والأطفال.
وبكلام أوضح، المنطقة أشبه ببرميل بارود، وأي عود ثقاب كفيل بإشعاله، موسكو قلقة جدا من استمرار استهداف إسرائيل للعمق السوري، وبحسب التقديرات الروسية، لا يمكن لسوريا وحلفائها الاستمرار في بلع الإهانات العسكرية التي تأتي من تل أبيب – حتى لو ارادوا ذلك – وبالتالي أي رد سوري عسكري على إسرائيل مباشراً كان أو غير مباشر،سوف يطلق يد إسرائيل في الرد على نطاق واسع في سوريا. وهنا مربط الفرس، إذ إن المنطقة ستكون مقبلة على حرب إقليمية، ولن تكون الذراع الأميركية العسكرية وذراع حلف الناتو بعيدة عن ذلك، لذلك كان استدعاء، قيصر روسيا، لنتنياهو على عجل، لتحذيره من مغبة اللعب في النار السورية، ولكن نتنياهو رفض إعطاء ضمانات لروسيا بعدم تكرار الضربات الجوية على سوريا في المستقبل القريب.
ندعي، بأن المعارضة السورية باتت تقبل بأي شي، إلا بقاء الأسد، في مقابل ذلك، نجزم بأن روسيا مستعدة لقبول كل شيء إلا رحيل الأسد، ولكن المنطق واللامنطق يقول: بان لا مكان للأسد في مستقبل سوريا.
المستقبل