زينب والذئاب.. “رواية” سورية
محمد أبو رمان
لا يتصوّر من رأى بقايا الجثمان المتفحّم للفتاة الحمصية زينب ذيب الحصني (19 عاماً)، أن يكون من فعل بها هذا هم بشر، بل حيوانات مفترسة سادية، لا نراها إلاّ في أفلام الرعب الأميركية، لمن يعيشون خارج التاريخ، ويجدون طعامهم من البشر الأحياء بعد تقطيع أوصالهم واغتصابهم وتكسيرهم.
زينب اختُطفت من أمام منزل أهلها، من “شبيحة الأسد”. وطلبت السلطات “الأمنية” من أهلها تسليم شقيقها محمد لإطلاق سراحها. بعد أسبوعين تسلمت والدة زينب جثتها مقطعة إلى أربعة أجزاء، وهي مفحّمة، وعليها آثار الصعق الكهربائي والتعذيب الجسدي والاغتصاب والتقييد. وهو مشهد (موجود على “يوتيوب”) لا يملك المرء أمامه إلاّ الصدمة والبكاء، فلا يمكن أن نتصوّر تعذيباً وحشياً همجياً مثل هذا، ولا جزءا بسيطا منه في دولة مثل كيان الاحتلال الإسرائيلي!
شقيقها الشاب الصغير محمد، “المجرم” الذي شارك في مسيرات تطالب بالتغيير (!)، كان مصيره أبشع من شقيقته، فقد اعتقل بعد إصابته برصاص القناصة، وتسلّم ذووه جثمانه مقطعاً مكسّراً محروقاً ممثلاً فيه!
لك أن تتصوّر حال والدة هذين الشهيدين، وتنظر في عينيها، ماذا سترى؟! هل يمكن أن نسمي من يقوم بهذه الأفعال “نظاماً سياسياً”، مثلاً، بأيّ صيغة؟! هل مثل هؤلاء مؤتمنون على “قطة” حتى يحكموا وطناً ويتحكموا في رقاب وأمن الملايين؟!
بالطبع، قصة زينب ليست إلاّ مثالاً واحداً من آلاف الأمثلة اليوم في سورية، فالمقدم المنشق حسين هرموش أذلوا عائلته ونكلوا بأشقائه ووالدته العجوز وأقاربه وأبنائهم، قتلاً وتعذيباً، حتى تم اختطافه أو استلامه، وعشرات الفتيات (بالأسماء لدى المنظمات الحقوقية) معتقلات اليوم إلى حين يقوم أشقاؤهن بتسليم أنفسهم!
عصابة؛ تغتصب الفتيات، وتقتل الناس في الشوارع، وتهدم الأحياء على رؤوس قاطنيها، وتعتقل الأطفال وتعذبهم حتى الموت، وتعذّب كبار السن، وتحوّل المدارس إلى معتقلات للتعذيب، وفي مدارس أخرى يسأل معلمون (مخبرون) التلاميذ الصغار: “أيّ القنوات الفضائية يشاهد آباؤكم في المنزل؟” بشهادة المنظمات الحقوقية.
عصابة؛ تقتل المعتقلين بالعشرات، بشهادة محامي عام حماه المختفي (عدنان بكور)، وتضع خلف العسكري شبيحة وقناصة ليُقتل إذا رفض أن يقتل بسلاحه.
هل هنالك أسوأ من هذه السمعة لجيش يفترض أنّه يحمي البلاد والعباد، بدلاً من ذلك يصبح هتاف المسيرات في شوارع سورية “الجيش السوري خائن”!
المجتمع الدولي إلى الآن لم يحسم خياراته، وهو وإن كان يريد إضعاف “النظام”، بالعقوبات والحصار الاقتصادي والدبلوماسي، إلاّ أنّه يتخوّف تماماً من مرحلة “ما بعد الأسد”. لذلك، فإنّ طلب الشعب السوري للحماية الدولية أو حظر الطيران لم ينضج القبول الدولي به بعد.
والحال أنّنا –اليوم- أمام إبادة حقيقية ومجازر يومية وانتهاك للكرامة والحقوق وآدمية البشر، واستخدام أبشع الوسائل والأسلحة الثقيلة، وجيش برغم الانشقاقات فإنّ قيادته ممسوكة بروح طائفية صارخة. فما الحل، طالما أنّ النموذجين التونسي والمصري لا يمكن أن يتحققا، والثورة السلمية لن تتمكن من تجنيب المدنيين الويلات الحالية؟!
المفارقة أنّ ما يمنح الثورة مزيداً من الصبر والثبات والانتشار برغم كل شيء، هي المجازر البشعة نفسها، إذ إنّ انعكاسها غير المباشر هو على تماسك مؤسسات النظام نفسها، وتحديداً العسكرية، إذ ارتفعت وتيرة الانشقاقات فيها، وتحول هؤلاء الجنود لمحاولة الدفاع عن المدنيين، ما يفتح الباب على درجة أكبر من الانشقاقات والانسحابات وتفكك النظام، وهو الرهان
الذي يفتح لاحقاً على تدخل دولي وإقليمي بعد التأكّد من نهاية هذه الحقبة في الداخل، ونجاح إحدى أعظم الثورات في التاريخ.
http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef/article/27044.html