سجالات القادة الإيرانيين حول الطرق إلى الجنّة/ محمد برهومة
هل من الممكن أن تكون الطريق إلى الجنّة متعاكسة ومتناقضة ويلغي بعضها بعضاً؟! هل من الممكن أن تكون هي ذاتها التي تدعونا إليها ««داعش»» أو «جبهة النصرة» و «القاعدة» و «بوكو حرام» أو القرضاوي أو حسن نصر الله؟ هل هؤلاء المتعاكسون، بدليل حروبهم مع بعضهم بعضاً، يتحدثون عن الجنّة ذاتها؟ ولمَ نراهم واثقين من أنهم لا يحدثوننا في حقيقة الأمر عن الجحيم، بدليل ما جرّوه علينا وعلى أوطاننا من استبداد ومآسٍ وحروب وعنف؟ لماذا يقول لنا بعضهم إن الطريق إليها يتوسل الرحمة والمحبة والتضامن والتسامح والحرية فيما يقول لنا آخرون إننا سنأخذكم إليها ولو بالسوط والحديد والنار؟ أيّهما نصدّق: قول ابن رشد إن الطريق إلى الشريعة هو الطريق إلى العقل وقول ابن عربي إن «الإله واحد والطرق إليه متعددة» أم قول متطرفي السنّة (القاعدة وأخواتها…) ومتطرفي الشيعة («حزب الله» وأبو الفضل العباس…) بأن طريقها تختصره الجهاديات والممانعة؟
هذه أسئلة يومية تحاصرنا باستمرار، ويبدو أن ظلالاً منها حاصر منذ أسابيع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو ما سنقاربه هنا ببعض التفصيل ليكون نموذجاً ما للنقاش الذي تودّ إثارته هذه المقالة.
بدايةً، لا نشكّ في صدق دفاع الرئيس روحاني عن حق الإيرانيين في السعادة والفرح، لكننا نسأله ونسأل بلاده، في المقابل، عن حق الشعب السوري أيضاً في السعادة والفرح؟! هذا انتقاد أساسي ولازم للحكم بإنصاف على مواقف الرئيس الذي يدرك أن هامش انتقاداته للأصوليين في بلاده لا تقترب من الخطوط الحمر المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية. عقب هذا الاستدراك المهم يمكننا التعاطي بجدية أكبر مع سجالات روحاني مع المتشددين في بلاده، وضمن سياق الهامش المتاح له أن يتحرك عبره.
ففي ردّه على اعتقال ستة شبان إيرانيين، في 21 أيار (مايو) الماضي، بسبب مقطع فيديو نشر على «يوتيوب» ظهروا فيه يرقصون على موسيقى الحب للفنان العالمي، فاريل وليامز، دافع روحاني عن حق شعبه في التعبير عن فرحته وسعادته من دون قيود تفرضها عليه السلطات الدينية. هنا كتب روحاني على «تويتر»: «السعادة حق من حقوق شعبنا، لا ينبغي أن نعامِل بقسوة هذا السلوك الناجم عن الفرح».
روحاني نجح في مسعاه؛ وأفرج عن الشباب المتهمين بـ «خدش عفة الجمهور» بكفالة مالية.
هامش الحريات الشخصية والثقافة هو الحيّز الذي في وسع روحاني أن يتحرك عبره ليظهر فكره الوسطي إزاء القضايا الداخلية في إيران، ما دام أنّ خبرته لعقود في أروقة صناعة القرار في إيران، وبخاصة ما يتعلق بالأمن القومي والملف النووي، لا تسعفه في الخروج عن تعليمات القائد علي خامنئي وحلفائه في الحرس الثوري.
لقد سبق أن انتقد آية الله أحمد علم الهدى إمام جمعة مدينة مشهد (شمال شرق)، وهي تحظى بثقل ديني واقتصادي كبيرين بسبب وجود ضريح الإمام علي بن موسى الرضا ثامن أئمة الشيعة الإمامية الإثني عشرية، أداء وزارة الثقافة الحالي في إيران، وقال إن مستشاري روحاني يرون أن «الثقافة لا تعني أن يُجرى فرض الحظر على الغناء، ولا تعني حجب وجوه النساء الجميلة. ماذا أنتم فاعلون؟ ولماذا تدلون بمثل هذه الأقوال؟». علم الهدى لم يكتفِ بذلك، بل عدّ مستخدمي «واتس أب» ملحدين، وانتقد الأوامر التي أصدرها روحاني بشأن رفع الحظر عن «واتس أب»، وخاطبه: «أنت رئيس الجمهورية، ونحن نتمنى لك التوفيق، ولكن ما نسبة الملحدين الذين تسعى أنت الى كسب رضاهم في البلاد؟».
روحاني كان في الأيام الماضية أيضاً على موعد مع نقاش فكري ساخن آخر، حول مَن الذي بيده مفتاح الجنة؟ قال الرئيس: «هناك بعض الناس في بلادنا لا يعرفون شيئاً عن الدين، ثم يزعمون في اليوم التالي أنهم يشعرون بالقلق إزاء معتقدات الناس… ليس في مقدورنا أن نأخذ الناس إلى الجنة بالقوة وبالسوط. ينبغي علينا ألاّ أن نتدخل في حياة الناس إلى هذا الحدّ، حتى ولو بدافع الشفقة. دعوهم يختاروا طريقهم إلى الجنة». بعد كلام روحاني هذا لم يتأخر علم الهدى في الردّ قائلاً: «سيدي الرئيس، إذا لم يكن من مسؤوليتنا إرشاد الناس إلى الجنة، فلماذا قمنا بثورة إسلامية؟ إننا لا نريد أن نأخذ الناس إلى الجنة بالسوط، ولكننا نريد أن نحول بينهم وبين النار باستخدام السوط»! وبعد علم الهدى، قال آية الله مصباح يزدي: «يقول لنا من يرتدي عمامة، ومن تقع عليه مسؤولية كبيرة: نحن لا نود أن نأخذ الناس إلى الجنّة بالسوط. ويقول إننا نعيش في حالة من الوهم والكآبة. أنا أسأله أين أتممت دراساتك الدينية، في معهد ديني في مدينة قم أم في إنكلترا؟».
الواضح، أنّ السلطات الدينية ومن يظنون أن النطق بالحقيقة احتكار لهم يرون أنّ من واجبهم أن يأخذوا الناس إلى السعادة والجنة حتى بالسوط، فيما صوت الحرية والعقل والرحمة والديموقراطية يقول: «دعوهم يختارون طريقهم».
* كاتب أردني
الحياة