صفحات العالم

اسباب عداء امريكا لسوريا


انتصار العبادي وكمال مجيد

يعود الخلاف بين سوريا والغرب الى نهاية الحرب العالمية الثانية حين تم استقطاع لبنان وتكوين دولة مارونية فيها. ثم جاء احتلال فلسطين من قبل الصهيونية العالمية. وفي حرب 1967 تم استقطاع هضبة الجولان من سوريا، تبع ذلك احتلال لبنان من قبل القوات الاسرائيلية بغية طرد الفلسطينيين من جنوبها. لقد وقفت الولايات المتحدة في كل هذا كالمدافع الرئيسي للصهاينة.

حاول الرئيس حافظ الاسد أن يقوي موقفه عن طريق الاعتماد على جيرانه فأقترب من جمال عبد الناصر وكذلك من الاتحاد السوفياتي. لكن اعتراف السادات باسرائيل وانهيار الدولة السوفياتية قبل سقوطها في 1991 اجبرالاسد على الوقوف مع امريكا في حرب الكويت. فسافر جيمس بيكر الى دمشق مقترحاً الصلح مع اسرائيل مع انشاء انبوب، عبر سوريا، لنقل الماء التركي من سد اتاتورك الى اسرائيل ومنها الى الاردن والجزيرة العربية وبالتالي حرمان العراق من ماء الفرات. رفض حافظ المشروع وعادت الخلافات الامريكية السورية الى سابق عهدها. زاد الطين بلة حين فشل الاجتماع بين كلينتون والاسد في اذار 2000م في تحقيق الصلح مع اسرائيل، وذلك بالرغم من محاولة بشار الاسد من الاقتراب من الغرب عامة واوروبا خاصة.

ان نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 2000م وتصلب موقف شارون العدواني حث بشارعلى الاقتراب من العراق. فتم فتح انبوب النفط العراقي الى ميناء بانياس وتمكنت سوريا من استلام 200 الف برميل في اليوم بسعر يقل بين 10 15′ من السعر العالمي. ومقابل ذلك اخذت سوريا تصدر نفطها الخفيف بسعر يفوق سعر السوق. هكذا ربحت حوالي مليار دولار في السنة. كما ان بضاعتها اخذت تتدفق الى العراق الذي كان يجابه المقاطعة الاقتصادية الظالمة. كل هذا ازعج امريكا وحثها على ادخال سوريا في قائمة الدول ‘المارقة’.

لقد كان لسيطرة المحافظين الجدد على الحكم الدور الاساسي في عداء امريكا تجاه العناد السوري ورفضها الاعتراف باسرائيل. امتاز ديك تشيني ورامسفيلد بالتعصب ضد سوريا وطالبا بادخالها ضمن قائمة ‘محور الشر’، المنحصر حينذاك بالعراق وايران و كوريا الشمالية. اشتد الهجوم على سوريا حتى قبل احتلال العراق حين استمرت في الحصول على النفط العراقي خارج قرار مجلس الامن بخصوص ‘النفط مقابل الغذاء’ فسافر كولين باول الى دمشق لإقناع بشار الاسد بالتوقف من استلام النفط العراقي وحين رفض بشار الخضوع لأوامره اتهمه باول بشخص لا يمكن الاعتماد عليه.

اعطت احداث 11/9/2001 في نيويورك الفرصة الذهبية لإعتبار الدول الرافضة لاسرائيل كأعداء امريكا وكانت سوريا في قمة القائمة. وكخطوة اولى طالبت امريكا بغلق مقرات حماس والجهاد الاسلامي في دمشق بحجة ان المنظمتين ارهابيتين. ان امتناع سوريا عن الرضوخ ادى الى وصفها كدولة مهددة لأمريكا وذلك بالإعتماد على نظرية ‘عليك ان تكون اما معنا او ضدنا’.

لقد اصبحت سوريا عدواً لدوداً لأمريكا حين حاولت في هيئة الامم المتحدة وفي الجامعة العربية ان تشكل جبهة معارضة للعدوان الامريكي على العراق. لقد صرح ميخائيل وهبة، ممثل سوريا في الهيئة، بأن الادلة التي تقدمها امريكا، حول اسلحة الدمار الشامل العراقية، هي ادلة ‘مختلقة’ تستخدمها كحجة لضرب العراق بغية افساح المجال ‘للشركات الامريكية والاسرائيلية ان تجني ارباحها من المقاولات التي تلي هدم البلاد’.

صوتت سوريا لصالح القرار 1441 لإعادة المفتشين الى العراق بغية تجنب الهجوم عليه. وفي نفس الوقت اقترحت على الجامعة العربية، دون جدوى، ان تمتنع عن السماح للقوات الامريكية من استخدام اراضيها للهجوم على العراق. وفي عشية الهجوم حث مفتي سوريا المسلمين في العالم على ‘استخدام كل السبل، بما في ذلك الشهادة، لإفشال العدوان الامريكي البريطاني الصهيوني’. وبعد الاحتلال سمحت سوريا لآلاف المتطوعين بعبور الحدود للاشتراك في حركة المقاومة. ثم التجأ الى سوريا حوالي مليون عراقي، بينهم عدد كبير من قادة واعضاء حزب البعث. فبدأ رامسفيلد وولفوفيتز وفيث بحملة دعائية ضد سوريا ورئيسها، بل قصفت امريكا المركز التجاري السوري في بغداد واوقفت تدفق النفط العراقي الى سوريا.

لقد عزز المحافظون الجدد علاقتهم بالليكود وساندوه في انشاء المستعمرات الاسرائيلية في الضفة والاسراع نحو تأسيس ‘اسرائيل العظمى’. (راجع ريموند هينبوش، استاذ جامعة سانت اندروز والمنشور في Contemporary Iraqi Studies, no.3, 2008)، الذي يؤكد ايضاً على ان هذه السياسة كانت مخالفة للرأي العام العربي فقرروا التغطية على هذا النشازعن طريق ‘استخدام القوة العسكرية الهائلة لتغيير الوضع في الشرق الاوسط بصورة ديناميكية’ وذلك بالإعتماد على نظرية: ‘ان السيطرة على ابار النفط العراقية انقذتهم من التملق للعرب’ وكنتيجة لذلك فقد الصلح السوري الاسرائيلي اهميته وستنهار هيبة سوريا عند العرب.

خطط المحافظون الجدد لتكوين جبهة موالية لاسرائيل في المنطقة واعتبروا سوريا العقبة الوحيدة الباقية ضدها. لذا نصح بول ولفوفيتز ودوغلاس فيث وريجارد بيرل بنيامين نتنياهو ليستخدم القوة ضد سوريا، ومع السيطرة على العراق ‘انهم سيكونون لوبياً لإستعمال القوة الامريكية ضد سوريا.’ (راجع: Is Syria Next, The Nation, 3/11/2003 )

لغرض الضغط وصل كولن باول الى دمشق مطالباً طرد قادة المقاومة الفلسطينية وتسريح حزب الله والانسحاب من لبنان والتعاون مع حكومة الاحتلال في العراق. فردت عليه بثينة شعبان، المتكلمة باسم الخارجية السورية، بالقول ‘اننا مستعدون للمشاركة في حل المشاكل المحلية ولكننا لا نتحمل الاملاءات الامريكية …’.

لم تكتف امريكا بالتهديد ففي حزيران/ يونيو 2003 عبرت القوات الامريكية الحدود واسرت عدداً من الجنود السوريين بحجة ملاحقة الارهابيين. وفي اكتوبرهاجمت اسرائيل ملجأ للفلسطينيين في سوريا.

اشتد الخلاف مع العراق حين رفضت سوريا اعادة الاموال النقدية التي تم تحويلها الى البنوك السورية قبل الاحتلال. وكنتيجة لهذا التصرف وصفت امريكا البنك التجاري السوري كـ’مؤسسة لغسل الاموال’ وفي نوفمبر اصدر بوش قراراً بعزل البنوك السورية ومنعها من الاتصال بالبنوك العالمية. فأوقفت الشركات الامريكية اعمالها في سوريا. لكن فشلت هذه المقاطعة لعدم مشاركة البلدان الاخرى فيها.

كانت هناك عدة عوامل لثبات سوريا: فقبل كل شيء ادركت الحكومة بأن امريكا لا تنوي الهجوم على سوريا في الوقت الذي فشلت في ايجاد اسلحة الدمار الشامل في العراق وانتشرت اخبار فضائحها في ابو غريب بل كانت قواتها في العراق تنال الهزيمة امام المقاومة الباسلة. ثانياً: لم يكن في سوريا النفط الكافي لكي يمول مصروفات الجيش الامريكي المحتل. ثم ان الهجوم الامريكي كان قد يؤدي الى انتشار الفوضى من العراق الى المنطقة كلها.

بعد اعتراف مصر والاردن باسرائيل التي اصبحت القوة النووية الوحيدة في المنطقة توصل المحافظون الجدد الى عدم الرغبة في الصلح بين اسرائيل وسوريا على حساب خسارة هضبة الجولان التي تجهز اسرائيل بثلث مياهها. فقرروا التخطيط لتحطيم سوريا حسب ما اسموه بنظرية ‘Creative destruction’ اي التحطيم بابداع بدل الاستقرار (راجع هينبوش المذكور اعلاه). وبخصوص سوريا قرروا التركيز على الضغط والتهديد المبكر والمقاطعة الاقتصادية. كل هذا حث الحكومة السورية على مساعدة المقاومة العراقية.

اضطرت امريكا الى المزيد من الضغط. فبالرغم من اقتراح بشار الاسد، سنة 2003، التعاون مع امريكا ضد القاعدة، كما كتب سيمور هيرش، وفتح باب التفاوض مع اسرائيل، الا أن شارون ومعه المحافظين الجدد رفضوا التجاوب معه. بل على العكس طالبوا بخروج سوريا من لبنان والتخلي عن اسلحتها الكيمياوية. هكذا اجبرت سوريا على الانسحاب من لبنان في 30/4/2005 بعد ان تم اتهامها بقتل رفيق الحريري المحسوب على امريكا. هذه الاحداث حثت سوريا على توثيق علاقتها مع روسيا والصين والبلدان الاسيوية الاخرى. من الضروري الاشارة الى وجود قاعدة عسكرية روسية في ميناء طرطوس السورية والتي انشئت نتيجة لإتفاقية السلام والصداقة بينها وبين الاتحاد السوفياتي في 8/10/1980. وينص البند الثالث منها على ضرورة ‘الكفاح ضد الامبريالية والعنصرية والصهيونية’ بينما ينص البند السادس على: ‘ في حالة بروز اوضاع تهدد سلام او امن احد الطرفين، اوتشكل خطراً على امن اوسلام احد الطرفين …..فإن الطرفين الساميين المتعاقدين سيباشران فوراً اجراء اتصال بعضهما مع البعض الاخر بهدف تنسيق موقفهما والتعاون من اجل ازالة الخطر القائم واعادة السلام’ وللاتفاقية بروتوكالات غير معلنة حول البنود العسكرية وحول طرطوس. فالدولة الروسية لا تستطيع الابقاء على قاعدتها هناك دون الاستمرار في مساندة سوريا في محنتها الحالية.

وبصورة خاصة توثقت العلاقات السورية الايرانية، ومع النهوض الاقتصادي والتقني الايراني المدهش، زاد التعاون بينهما الى درجة برزت امكانيتهما في خلق المشاكل لأسرائيل وامريكا معاً. تتهم امريكا ايران وسوريا معاً بمقتل بشير جميل وقصف مقرات الجيش الاسرائيلي في صور في نوفبر 1982 وبالهجوم الانتحاري على السفارة الامريكية في غرب بيروت في 1983 وعلى معسكرات جيشي امريكا وفرنسا في اكتوبر 1983 في لبنان. وفي ايلول 1984 تم قصف السفارة الامريكية في بيروت الشرقية مما اجبر القوات الامريكية على الانسحاب من لبنان، تلى ذلك انسحاب اسرائيل من معظم الاراضي اللبنانية سنة 1985.

في 16/6/2006 وقعت ايران وسوريا اتفاقية التعاون العسكري ضد ‘الخطر المشترك الذي توجهه اسرائيل والولايات المتحدة لهما’ وبعد ايام هاجمت اسرائيل واحتلت جنوب لبنان لمحاربة حزب الله اللبناني في تموز/يوليو 2006 التي استمرت حتى 14/8/2006.

نتيجة لفشل امريكا في العراق وفشل الحملة العسكرية الاسرائيلية ضد حزب الله قررت امريكا التركيز على سياسة ‘فرق تسد’، لا في العراق وحده بل في عموم المنطقة وذلك عن طريق تأجيج الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة. ومع نشوب الانتفاضة في تونس ومصر وارتفاع مقاومة الشعبين للنفوذ الاستعماري تم اجبار امريكا على اخذ المبادرة والاعتماد على حلف الاطلسي والدول النفطية في الخليج ضد ايران وسوريا معاً.

هذه الحقائق تؤكد بأن هناك اسبابا مهمة لعداء امريكا لحكومة بشار الاسد. فهناك تناقض واضح بين سياسة الحكومتين حول احتلال العراق والهجمات الاسرائيلية المتكررة ضد الشعب الفلسطيني واللبناني وموقف الدولتين من بروز ايران كدولة قوية تجهز الاسلحة لحزب الله والمقاومة الفلسطينية، في حين تنظر اسرائيل والحكومات النفطية الحليفة في الخليج الى ايران وكأنها ‘رأس الافعى’ يستحق القطع قبل ان تتحول الى قوة نووية.

وكخطوة اولى قررت امريكا تنفيذ سياسة ‘التحطيم بإبداع’ وادخلت قواتها الخاصة الى سوريا حتى قبل نشوب المظاهرات فيها (راجع جوليان اسانج، محرر ويكيليكس في مقابلته للدكتور غنوشي على قناة روسيا اليوم) لتدريب المتطوعين السوريين على القتال والاستمرار فيه لا حتى يتم اسقاط بشار الاسد فحسب بل لتحطيم سوريا واعادتها الى القرون الوسطى، كما فعلت في العراق، بحيث لا تستطيع اية جبهة من الجبهتين المتحاربتين ان تجعل من سوريا قوة تقف امام اسرائيل وتساند المقاومة ضد العدو الحقيقي.

‘ كاتبان من العراق

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى